خبر لنطرد الروح الشريرة.. معاريف

الساعة 03:56 م|20 يناير 2012

بقلم: ايهود باراك

(المضمون: استبعاد نساء، تمييز ضد ابناء الطائفة الاثيوبية، عنف في الكنيست. كل هذه مؤشرات على أن شيئا ما بشع وخطير يحصل في دولة اسرائيل - المصدر).

الاسابيع الاخيرة حملت معها روح شريرة في أجزاء من المجتمع الاسرائيلي.

معارضة أصحاب الشقق في كريات ملاخي لبيع الشقق لسليلي اثيوبيا، موجة التطرف لمحافل اصولية وجدت تعبيرها في استبعاد النساء عن المجال العام، فعلة النائبة من كتلة معينة تجاه زميلها، ابن كتلة اخرى وابن دين آخر، كل هذه ظواهر تدل على ان شيئا ما حصل في دولة اسرائيل. شيء بشع. شيء خطير.

أنا وزير الدفاع في الدولة، ولكن قبل كل شيء أنا مواطن في الدولة، ومواطن منصت لما يحصل ويجري. وبصفتي هذه فان آسف لهذا التغيير البشع.

كانت أيام خوالي كانت فيها اسرائيل مختلفة. كانت تهب فيها أرواح التضامن، الانصات، الدعم، الرغبة في قبول "الاخر" حتى لو كان هو آخر ومختلف. كانت أيام خوالي استوعبت فيها دولة اسرائيل، التي ولدت لتوها، ضعفين وأكثر من سكانها في غضون وقت قصير، فتحت قلبها وساعدت المهاجرين الذين نجوا من الكارثة في اوروبا او الاضطرابات في العراق، التوتر في المغرب أو الاضطهاد في اليمن، أعطتهم الفرص لان يكونوا مواطنين في الدولة، مواطنين يساهمون في تطورها، ازدهارها. واولئك بالفعل حصلوا على الفرصة – وساهموا.

كانت أيام خوالي ابناء البلاد كانوا فيها، ليس فقط استوعبوا المهاجرين باذرع مفتوحة، بل فعلوا كل شيء من أجل أن يساهموا هم أنفسهم به للدولة. في الولايات المتحدة كان هناك رئيس قال: "لا تسأل ماذا يمكن لبلدك ان يقدم لك، إسأل ما يمكن لك انت ان تقدمه لبلدك". في دولة اسرائيل الشابة ما كان ينبغي لهذا القول ان يقال؛ فهو عيش يومي. كانت ايام خوالي فكر فيها الناس بالدولة قبل كل شيء لمصلحة الدولة وفقط بعد ذلك بمصلحتهم. ويخيل أن شيئا ما في هذا النهج الاساس تغير اليوم.وكمن ولد في البلاد وتربى في كيبوتس، أحد الكيبوتسات الابداعية والفاخرة والاصيلة للحاضرة في بلاد اسرائيل، أتذكر هذه القيم جيدا. رضعتها مع حليب امي. أبواي وابناء جيلهما كانوا من ساروا خلف بن غوريون مثلما ساروا خلف عامود النار الصهيوني. هم، مثله، فكروا بدولة قدوة للشعب اليهودي؛ دولة مستقلة تعطي لكل يهودي بصفته هذه الاحساس بالوطن.

واليوم، في توقيت مشوق، مع نهاية عقدين على "حملة شلومو" حين كنت في حينه رئيسا للاركان وفي اثنائها جلبنا الى البلاد 14.500 من يهود اثيوبيا، حملة كانت باسرها قدوة للصهيونية اليهودية الاسرائيلية ينكشف الوجه البشع لبعض منا. سكان من كريات ملاخي غير مستعدين لان يقبلوا بين ظهرانيهم يهودا لون جلدتهم تختلف عنهم. غير مستعدين لان يقبلوا يهودا منذ هجرتهم الى اسرائيل أثبتوا بانه بقوة الارادة وبفضل التطوع يمكن الانخراط في المجتمع. لو كانت هذه ظاهرة منعزلة، لقلنا حسنا، ولكنها تنضم الى موجة من النبذ لابناء الطائفة في المدارس وفي رياض الاطفال في مدن اخرى مثل بيتح تكفا، وهذا بات لا يطاق.

كوزير دفاع أتجول في وحدات الجيش الاسرائيلي المختلفة. وأنا أجدهم، اخواني أبناء الطائفة الاثيوبية في كل مكان، في الوحدات القتالية وفي الوحدات الداعمة للقتال، يخدمون بتفانٍ وتواضع دولتهم، بهدوء مثالي وباخلاص لا شك فيه. ما الجرم الذي ارتكبوه لان الرب في الاعالي خلقهم بلون مختلف عن لون اليهود الذين جاءوا من بلدان اوروبا أو بلدان الشرق الاوسط؟

أزور وحدات الجيش الاسرائيلي المختلفة والتقي بجنود ومجندات من أصل رابطة الشعوب. الجنود مفعمون بالدوافع، ومؤهلون. لماذا يستحقون لقب "مافيا روسية" أو "رأي تعميمي عن "الروس"؟ لماذا لا يرى الناس مساهمتهم للمجتمع الاسرائيلي في كل المجالات، في العلم أيضا؟

أزور وحدات عسكرية والتقي جنودا معتمري قبعات. ملح البلاد. نسبة عالية بين الضباط في الوحدات المختارة. التقي بجنود اصوليين اتخذوا في السنوات الاخيرة خطوة هامة في اتجاه الانخراط في المجتمع الاسرائيلي وفي وجهه الصريح – الخدمة العسكرية. أفهم معتقدهم. أحترم معتقدهم، ولكن كانسان قيمي غير مستعد لان اقبل الاملاء الذي تقف خلفه محافل متزمتة، يضعون أنفسهم ناطقين باسم الرب، في عدم السماح للنساء بتقديم العروض أمام الجنود.

الجيش الاسرائيلي هو جيش الشعب، جيش تعددي، تقدمي بكل معنى الكلمة، وليس عندي أي نية لان اسمح بان يعاد اليه مزايا عهود اخرى، ظلماء. فقبل بضعة اسابيع فقط وقف في ساحة الطوابير في مدرسة الطيران في سلاح الجو خمس مجندات تلقين شارة الطيران. هذا هو الجيش الاسرائيلي الحقيقي. هذا هو الجيش الذي اريد أن اراه. جيش مهني يسمح لكل انسان، بما في ذلك اذا كان امرأة ان يجد مكانه السليم وان يساهم بقدر قدراته وكفاءاته. دون استبعاد. دون مبالغة.

في الوقت الذي كنت فيه في اليونان، قامت نائبة بفعل لا مكان له: سكبت كأس ماء على نائب عربي، وزير سابق بهدف تحقيره. كمواطن في الدولة، فما بالك كوزير، تجدني غير مستعد لان أسلم بفعل نذل ودنيء كهذا تجاه ممثل خُمس سكان دولة اسرائيل. مواطنو الدولة العرب يتصدون لمشاكل مختلفة، مشاكل هوية، مشاكل انخراط، مشاكل اقتصادية وغيرها، ومن واجبنا أن نفعل كل ما في وسعنا كي ندمجهم بين ظهرانينا، كمواطنين متساوين يشاركون على قدم المساواة في الواجبات ايضا.

فعلة تلك النائبة تعبر في نظري عن نهج متعال لوسط تجاه وسط آخر في المجتمع الاسرائيلي. كما أن العقاب الذي فرض عليها ليس متوازنا، برأيي. فضلا عن العقاب، فاني انضم الى اقوال رئيس الكنيست، الذي انتقد الفعلة، وأعتقد أنه يجب أن نرى هذه الفعلة خط فصل.

دولة اسرائيل جديرة بأجواء اخرى، انسانية، مراعية، متسامحة، صبورة ومنفتحة، نهج يقبل الانسان بصفته انسانا، حتى لو كان مختلفا من حيث أصله، لون جلدته، معتقده. اذا كنا نريد أن نكون جزءا من الدول المتنورة والمتطورة في العالم، كما ندعي بان نكون، فينبغي أن نطرد الروح الشريرة من اوساطنا، ونفتح قلوبنا ونسمح لروح انسانية بان تهب في داخلنا.