خبر بين المضائق .. هآرتس

الساعة 03:47 م|20 يناير 2012

بقلم: عاموس هرئيل

(المضمون: الهدف الامريكي في منع هجوم اسرائيلي على طهران يبقى على حاله وان كان تغير التكتيك من التوبيخ الضمني الى العناق العلني - المصدر).

يحتمل أن يكون المتصفح العادي معني بشكل عام بامور اخرى، ولكن ليس من الصعب التخمين ما الذي يشعل هذه الايام خيال كل محرر أخبار في مواقع الانترنت من استراليا وحتى الولايات المتحدة، من الباكستان وحتى البرازيل. الارتباط بين ايران واسرائيل، مواقع النووي والطائرات القتالية يضمن عناوين رئيسة، المرة تلو الاخرى.

وسائل الاعلام الدولية تبنت منذ زمن غير بعيد تفسيرا شاملا لكل الاحداث حول الخليج: اسرائيل مصممة على قصف ايران، الولايات المتحدة تفعل كل ما في وسعها كي تلجم نوايا حكومة نتنياهو. من هنا، حين تنشأ في الخلفية حرب تهديدات بين طهران وواشنطن حول توريد النفط عبر مضائق هرمز، يفهم بانه بدأ العد التنازلي نحو مواجهة عسكرية قريبة.

كل تقرير عن تطور جديد في القضية، ينصب فورا، بالتالي، في وعاء معد مسبقا. وهكذا حصل في الاسبوعين الاخيرين في عدة مناسبات: في اعقاب التصفية الدورية لعالم نووي في طهران، بعد التقرير في "وول ستريت جورنال" عن رسائل التهدئة التي نقلها الرئيس براك اوباما الى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو حول القرار بتأجيل المناورة الامريكية – الاسرائيلية المشتركة لعدة اشهر وعقب زيارة رئيس الاركان الامريكي الجنرال مارتين دمباسي، الذي وصل الى اسرائيل أمس.

وزير الدفاع ايهود باراك هرع أول امس لتهدئة الخواطر. في مقابلة مع صوت الجيش شرح باراك بان وسائل الاعلام متسرعة جدا. وادعى باراك بان اسرائيل لم تقرر بعد اذا كانت ستهاجم وان الخلافات مع الامريكيين ليست بالحدة التي تبدو فيها. "ليس لدينا قرار بالسير في هذا الشيء (الهجوم). ليس لدينا موعد لاتخاذ القرار. كل شيء بعيد جدا. أنا لا اقترح الانشغال في هذا وكأنه غدا"، ادعى قائلا. وحتى الانتخابات التمهيدية في كديما، والتي يزمع اجراؤها في 27 اذار، "ستحصل قبل هذا"، بث باراك لذعة نحو حزب المعارضة الرئيس. "لا أعتقد أن رئيس الاركان الامريكي جاء كي يمارس الضغط على اسرائيل. كل التعاطي في علاقاتنا مع الولايات المتحدة مغلوط بعض الشيء في انعكاسه الاعلامي".

ولكن بعد بضع ساعات من مقابلة باراك عقدت مسؤولة كبيرة في وزارة الخارجية في واشنطن اجتماعا استثنائيا مع صحفيين اسرائيليين. وكانت رسالتها: العقوبات الدولية التي تقودها ادارة اوباما ضد ايران تؤثر بالذات. فقد الحقت منذ الان ضررا شديدا بالاقتصاد الايراني وستحتدم في السنة القريبة القادمة. والى جانب ذلك تعمل الولايات المتحدة على زيادة مخزون النفط العالمي وممارسة ضغط على مستهلكات النفط الكبرى مثل الهند، الصين وروسيا كي تتوقف عن شراء النفط من ايران. وعند ربط استعراض التهدئة للصحفيين من جانب الادارة بارسال الجنرال دمباسي في زيارة اولى، بعد اقل من أربعة اشهر من تسلمه مهام منصبه، في تواصل مباشر مع القطار الجوي لكبار المسؤولين الذين هبطوا هنا منذ الصيف، يصعب على المرء الا يأخذ الانطباع بان الامريكيين قلقون.

اساس للقلق

موقف الولايات المتحدة من هجوم اسرائيلي في ايران – معارضة مطلقة، وبالتأكيد في التوقيت الحالي – لم يتغير. اما التكتيك بالذات فتغير. وزير الدفاع، ليئون بانيتا، شرح مطولا قبل شهرين، في منتدى سبان في واشنطن لماذا سيكون الهجوم – الاسرائيلي  وضمنا الامريكي ايضا – فكرة سيئة. بانيتا ذكر التخوف من ارتفاع اسعار النفط، الذي سيؤثر مباشرة ايضا على جيب المستهلك الامريكي بل وفي سنة الانتخابات للرئاسة. كما أعرب عن تخوفه من أن يحقق قصف مواقع النووي تأجيلا لاكثر من سنة أو سنتين لتجسد المشروع الاساس لايات الله. ولم يفترض بانيتا ان أقواله موجهة للنشر. وعندما تسربت، من داخل منتدى امريكي – اسرائيلي كبير، اضطر وزير الدفاع والادارة الى اصلاح الاخطاء. وانتقلت واشنطن من التوبيخ المبطن للقدس الى العناق العلني. الان يشددون على الهدف المشترك، الذي ينبغي السعي اليه كتفا بكتف، يلمحون مرة اخرى بوجود خيار عسكري ويثنون على نجاح العقوبات.

ولكن يخيل أن الهدف النهائي للامريكيين بقي مشابها: منع اسرائيل من الهجوم في الاشهر القادمة. مع أن الولايات المتحدة تحترم سيادة اسرائيل وحقها في الدفاع عن نفسها، كما يدعي باراك بشدة، ولكن جملة تحذيرات رئيس الموساد السابق مئير دغان من نية الثنائي نتنياهو – باراك لم تغب عن ناظريها. يمكن الافتراض بان لدى الامريكيين مصادر معلومات اخرى (واستخبارات) توفر لهم أساسا للقلق.

بارك قال لصوت الجيش ان ادارة اوباما تعطي "اسنادا غير مسبوق لاسرائيل"، تساعد في الدفاع عنها أكثر من الادارات السابقة و "تستعد ايضا لخيارات اخرى" في السياق الايراني. كل هذه التشخيصات صحيحة. ولكن العداء الشامل الذي اكتسبه نتنياهو لنفسه عن حق لدى اوباما في السنوات الثلاثة من مناورات التسويف في القناة الفلسطينية لن يختفي. يبدو أنهم في الادارة يشتبهون بان الجاهزية الاسرائيلية المحتملة للهجوم هذه السنة لا ترتبط فقط بتقدم دفن أجهزة الطرد المركزي في الموقع التحت أرضي قرب قُم. فهي تعتمد أيضا على فرضية نتنياهو وباراك بان الرئيس، عشية الانتخابات، لن يخاطر بالصوت اليهودي (الذي صوت له بكثافة كبيرة في المرة السابقة) بمواجهة مباشرة مع القيادة الاسرائيلية. ظاهرا، سيناريو الهجوم أصبح مرة اخرى ذا صلة بسبب تبدل المواسم. وحسب كل التحليلات للخبراء في الغرب، فان سحب الشتاء فوق ايران تمنع قصفا ناجعا لمواقع النووي على الاقل حتى اذار. التخوف من هجوم اسرائيلي، والذي طورته وسائل الاعلام الدولية بتفانٍ حتى نهاية الخريف، يعود الى العناوين الرئيسة مع حلول الربيع.

مجال التوافق بين اسرائيل والدول الغربية عن نية ايران ووتيرة تقدم البرنامج أكبر بكثير مما في الماضي. في اسرائيل رأوا في تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية في تشرين الثاني الماضي تأكيدا على الفرضية بان ايران تعمل أيضا في القناة العسكرية، في تثبيت قدرة اطلاق صاروخ يحمل رأسا متفجرا نوويا. استنادا الى التفاهمات المشتركة، تواصل اسرائيل بث الحزم والتصميم. كما أن ظهور نتنياهو في هيئة الاركان، محوط بالجنرالات ينبغي أن يقرأ بقدر ما كبث في هذا الاتجاه. التهديد بالهجوم يفترض أن يخدم هدفين: حث العالم على خطوات اكثر حدة تجاه ايران (والا فان الاسرائيليين سيهاجمون) وتحسين الجاهزية العملياتية للجيش الاسرائيلي. المشكلة هي أنه في الطريق الى ذلك يتم اشغال سلاح الجو، والاستعدادات المتواصلة على ما يبدو يجب أن تأتي على حساب الاهلية لسيناريوهات عملياتية اخرى.

باراك هو رجل أساس في هذه القصة. القرار النهائي سيكون لنتنياهو، وفي اعقابه المجلس الوزاري المصغر، ولكن لوزير الدفاع يوجد تأثير شديد على رئيس الوزراء. نتنياهو يوجد الان في فترة قوة سياسية متعاظمة، تترجم عنده في اشكال من الانفجارات للاعتداد بذاته. تنفيذ صفقة شليط، ارتفاع شعبيته في الاستطلاعات وما بدا كعدم وجود خصوم سياسيين ذوي أهمية في الليكود أو خارج – كل هذا هل يمكنه أن يشجعه على الهجوم في ايران أم يقنعه بالذات بان من الافضل الا يعرض مكانته للخطر؟ جنرالان على الاقل في الاحتياط، ممن عملا معه في الماضي، مقتنعان بانه رغم التزامه الايديولوجي العميق (رئيس الوزراء يتحدث عن قنبلة ايرانية بتعابير كارثة ثانية للشعب اليهودي)، فان نتنياهو لن يخاطر بقصف دون تنسيق مع اوباما.

لغر باراك

وماذا يريد باراك؟ وزير الدفاع بقي لغزا غامضا. المتهكمون وحدهم يمكن أن يشتبهوا بان الانشغال المتزايد والمتواصل بالخطر الايراني يضمن مكانه بجانب اذن نتنياهو ويضمن له مكانا في قائمة الليكود للكنيست القادمة. فكلما كبر باراك (في الشهر القادم سيبلغ السبعين) فان مقابلاته العلنية - ولا سيما في الراديو والتلفزيون – تصبح أكثر اثارة للاهتمام. وزير الدفاع يكشف شيئا وعندها بالذات يكشف اشياء اخرى. هكذا كانت المقابلة في صوت الجيش وكذا المقابلة مع السي.ان.ان في تشرين الثاني. باراك قال هناك انه تبقى اقل من سنة لوقف البرنامج الايراني.

كانت هذه محاولة لاعادة رسم الخط الاحمر لاسرائيل. عندما ينتقل قسم هام من تخصيب اليورانيوم الى الموقع المحصن في قم، ستدخل ايران الى "مجال الحصانة" والخيار العسكري الاسرائيلي سينتهي. للخيار العسكري الامريكي، بفضل قدرتها الاعلى، قد يتبقى بضعة اشهر اخرى. بتعبير آخر، باراك يلمح بانه بينما يتقدم الغرب والولايات المتحدة بشكل خاص في مسألة اذا كانت ايران تنتقل من تطوير قدرة نووية الى تطوير سلاح نووي (أساسا كرأس متفجر لصاروخ)، يحتمل أن يكون كل النقاش زائد – وايران يمكنها ان تختار بارتياح الموعد المناسب من ناحيتها، في ظل الحصانة التي تمنحها لها اعماق المواقع المحصنة مثل قم.

الاستخبارات الاسرائيلية تعتقد بان ايران لا تزال لم تقرر نهائيا التزود بقنبلة نووية. كما أن الامريكيون يشاركون هذا التشخيص. الاختراق الى النووي العسكري ينطوي على ثمن. معنى التحرر المعلن من نظام الرقابة الذي تفرضه وكالة الطاقة الذرية سيكون فرض عقوبات اكثر حدة. باراك يعتقد بان هذا النقاش بات ذا صلة اقل. آيات الله يريدون قنبلة ليضمنوا لايران هيمنة اقليمية وليس أقل من ذلك لتثبيت النظام في وجه محاولات الانقلاب بتشجيع من الخارج. والى أن يستيقظ العالم، فقد يكون الاوان قد فات.

هنا تدخل الى الصورة مسألة العقوبات. ايران تبث حالة ضغط كبيرة في ضوء الضرر الشديد لاقتصادها، بعد أن انخفضت قيمة عملتها في الاشهر الاخيرة بقرابة 60 في المائة بالنسبة للدولار. الاتحاد الاوروبي يستعد لقرار فرض حظر نفط شامل على ايران، ابتداء من تموز القادم. روسيا تحذر من أن الاجراءات الدولية ستمس اساسا بمواطني ايران وانها موجهة بقدر أكبر لاسقاط الحكم في طهران مما هي موجهة لوقف برنامجه النووي. اما اسرائيل فتنثر تقديرات متضاربة حول نجاعة العقوبات. نتنياهو أثنى عليها في مقابلة مع صحيفة استرالية الاسبوع الماضي، قلل من قيمتها في الاستعراض أمام لجنة الخارجية والامن يوم الاثنين ودعا الى تركيزها وتشديدها في زيارته الى هولندا يوم الاربعاء. اما باراك فقال لصوت الجيش ان "لا ريب أننا نرى تاثير العقوبات"، ولكنه شكك أن يكون فيها ما يقنع القيادة الايرانية بالتخلي عن النووي.

وزن العقوبات يتعاظم على خلفية الانتخابات للبرلمان الايراني، المتوقعة في اذار. الضغط الاقتصادي الخارجي كفيل بتعزيز معارضي النظام. فهل سيقود السلطات الى محاولة تزوير نتتائج الانتخابات، مثلما فعلوا بتقدير الكثيرين في الانتخابات للرئاسة في حزيران 2009؟ "الثورة الخضراء" الفاشلة في ايران في الصيف اياه كانت مؤشرا أولا، بشرت بحلول الربيع العربي العام الماضي. بث معاد للانتخابات والاتهامات بالتزوير كفيل بتوفير المفجر لاشتعال داخلي متجدد، هذه المرة مع ريح اسناد مما يجري في الدول المجاورة. تحت الضغط المزدوج، من داخل الدولة ومن الساحة الدولية، يبث النظام مرة اخرى استعدادا لاستئناف المباحثات على مستقبل النووي. وهذا يتبين، على أي حال، كمناورة تسويف اخرى، ولكن يمكن التقدير بانها تعكس أزمة موضعية – على الاقل من جانب ايران.

وبينما تتطلع العيون الى هجوم اسرائيلي، يتبلور سيناريو بديل حول مضائق هرمز والتهديد الايراني المتجدد للتشويش على توريد النفط من بلدان الخليج، ردا على ضغط العقوبات. في تموز 2012 سيتم تدشين انبوب نفط جديد يتجاوز المضائق، في توريد مباشر لـ 1.5 مليون برميل يوميا. حتى ذلك الحين تبقى ايران تحتجز كرهينة نحو 20 في المائة من توريط النفط العالمي. وفي الخلفية تجمع الولايات المتحدة وبريطانيا قوة بحرية أكبر من المعتاد على مقربة من الخليج. حاملة طائرات امريكية ثالثة ستصل الى هناك في غضون نحو اسبوعين ومعها ايضا سفينة بريطانية. لا يزال لا يدور الحديث عن مواجهة على نمط أزمة الصواريخ في 1962 في كوبا، ولكن درجة الحرارة بالتأكيد ترتفع. خطأ في التفكير، ولا سيما من الجانب الايراني، قد يؤدي الى صدام، حتى لو كان الامر يتعارض ومصلحة طهران.

هذه كفيلة بان تكون الخلفية للتنكر الامريكي العلني المفاجيء بعض الشيء، لتصفية العالم الاسبوع الماضي، وكذا تأجيل المناورة المشتركة ضد الصواريخ، والتي كان يفترض أن تجري في نيسان، الى نهاية السنة. وعلى فرض أن الامريكيين لا يرتبطون بالتصفية، يبدو انهم غير معنيين بان يشوش شركاء فكريون هؤلاء أو آخرين لهم خططهم. اللعبة الاساسية تجري الان في ساحة العقوبات وكفيلة بان تنتقل ايضا الى المس باستقرار النظام واستعراض عضلات بحرية في الخليج. خطوات فاعلة لاحباط النووي، مثل ضرب العلماء، يفترض أن تدخل في تجميد مؤقت. مهم للادارة انه اذا ما اندلعت مواجهة في الزمن القريب القادم ان تكون حول خطواته دولية متفق عليها وليس لان ايران يمكنها أن تعرض شيئا يعتبر عدوانا عسكريا عليها. عندما تكون هذه هي الاجندة فانهم يطلبون من الوحدة الاسرائيلية أن تحذر من الدخول في المسار الذي تبحر فيه حاملة طائراتهم.