خبر زهايمر إسرائيل السياسي- هآرتس

الساعة 09:28 ص|18 يناير 2012

بقلم: تسفي برئيل

ألقى حاكم قطر حمد ابن خليفة آل ثاني هذا الاسبوع قنبلة بقوله: "أفضل ارسال قوات عربية للحفاظ على السلام في سوريا". وهذه أول مرة تقترح فيها دولة عربية إرسال قوات مضادة لدولة عربية اخرى لمساعدة مواطنيها. وهذه أول مرة ستفحص فيها الجامعة العربية عن بديل عسكري عربي عن عمل عسكري غربي. ان من يتابع نتائج الثورات في الدول العربية لا يستطيع ألا يعجب. فـ "حلف المستبدين" الذي ميز الفترة السابقة، وهي فترة جهد فيها الزعماء ليحافظ أحدهم على عجز أخيه، حل محله حلف جديد بين الحكام وجماهيرهم. وأساسه فهم ان نظم الحكم التي لم "تعانِ" ايضا بطش الشارع كالسعودية أو قطر أو الكويت لم تعد تستطيع أو لا يحق لها بعد ان تتجاهل مطالب الجمهور.

يهب حكام تجاهلوا مدة عقود مذبحة الشعب في دارفور والصراع الدامي في الجزائر واستبداد صدام حسين الفتاك، وأداروا ظهورهم للمذبحة التي نفذها حافظ الاسد في عشرات الآلاف من سكان مدينة حماة قبل ثلاثين سنة، يهبون الآن لمواجهة بشار الاسد حتى بالقوة. والشعارات القديمة التي كانت تقول ان مستبدا معروفا ومستقرا أفضل من عدم اليقين الذي سيحدثه اسقاطه، لم تعد تقنع قادة الدول العربية ايضا.

مع هذا التحول، يتغلغل الى وعيهم ايضا ادراك ان منظمات دولية كالامم المتحدة أو حلف شمال الاطلسي لن تُخرج لهم حبات الكستناء من النار. فالقوات الدولية تعمل فقط حينما تكون مصالحها مهددة. فحينما أصبح النفط الليبي واستثمارات شركات غربية في ليبيا تحت تهديد عملت قوات حلف شمال الاطلسي، كما أثار احتلال حقول نفط الكويت على يد العراق في 1990 فورا عملا عسكريا دوليا. وذلك في حين ما يزال احتلال آخر هو احتلال فلسطين المستمر منذ نحو من 45 سنة ينتج أوراق عمل فقط.

بازاء هذا الفهم العربي الجديد لا عجب من ان محبي "المحاور" على اختلافهم – مبدعي "محور الشر" و"المحور الموالي للغرب" و"المحور الاسلامي" – يصابون بالبلبلة. فهذه المصطلحات الداحضة التي ترمي الى ان تُسهل على ساسة غربيين "فهم" الشرق الاوسط، تفقد قيمتها، فأصبح فجأة لحقوق الانسان نغمة تهدد نظم حكم وأصبح الاخوان المسلمون فجأة يجرون حوارا مع الادارة الامريكية وتنفصل تركيا عن سوريا لكن لا عن ايران، وتقترح دول عربية ارسال قوة عسكرية الى سوريا. وفجأة أخذت "المحاور" – التي لم تكن موجودة في الحقيقة – يستوعب بعضها بعضا وتفترس التصورات المحافظة المريحة جدا التي حددت الأخيار والأشرار.

هذا هو جوهر الثورة. ربما يصعب على من يبحث عن نتائجها بعدسة تكبير ان يلاحظ علاماتها لأن هذه الثورة – في تونس ومصر وليبيا ودول اخرى – هي قبل كل شيء ثورة شاملة. انها تتطلب نظرا تأثريا لا مجهريا. انها ثورة في تصور العلاقة بين السلطة والمواطن.

هذه هي الثورة التي دعت اسرائيل اليها دائما، لا عن اهتمام بمواطني الدول العربية بل ذريعة للتهرب من كل مسيرة سياسية. فقد قالت انه ما لم توجد ديمقراطية في الدول العربية فلن يوجد من يُتحدث اليه. والآن وقد أخذت البدائل تتضح لم تعد تثير اهتمام اسرائيل في الحقيقة فقد بقي "العالم العربي والاسلامي" في نظرها تهديدا كبيرا. وحقيقة انه نفس "العالم العربي والاسلامي" الذي تبنى قبل عشر سنين – كيف يمر الوقت حينما نكون مصابين بزهايمر سياسي – المبادرة العربية التي اشتملت على سلام وأمن عربيين – اسرائيليين، وخزنت عميقا في أرشيف النسيان الاسرائيلي. آنذاك وقع على المبادرة اولئك المستبدون الذين لم يعد فريق منهم موجودين والذين قالت اسرائيل فيهم انه لا يمكن الاعتماد عليهم. واليوم مع وجود الثورات لم يعد يوجد من يُتحدث معه. هل يمكن الحديث مع جمهور مصري انتخب الاخوان المسلمين؟ ومع تونسيين ولوا نظام حكم اسلاميا؟ ومع أتراك لا يطلبون سوى اعتذار وتعويضات؟ ان الثورات هي شأن العرب لا شأننا. وفي اسرائيل يعتبر كل تغيير في التصورات الأساسية في الشرق الاوسط سببا فقط لتعريف التهديد من جديد، انها فرصة اخرى من الواجب اضاعتها.