خبر الطريق إلى الشعب.. علي عقلة عرسان

الساعة 08:53 ص|15 يناير 2012

 

شهد الأسبوع الماضي أحداثاً ومواقف يبدو لي أنها مؤثرة إلى حد كبير في مسارات الأزمة السورية، وبرزت فيه، نتيجة لتلك الأحداث والمواقف، مؤشرات على تصعيد قد يبلغ ذروة جديدة، تبدو ذروة حسم وغاية شوط أو بداية نهاية، من وجهة نظر كل طرف من الأطراف المباشرة وغير المباشرة في تلك الأزمة.. فبعد التفجير الأخير في حي الميدان بدمشق، وخطاب الرئيس بشار الأسد وظهوره الجماهيري في ساحة الأمويين وما حملاه من مضامين ومواقف ورسائل ودلالات، واجتماعي وزير الخارجية السعودي والقطري، كل على حدة، مع رأس المسؤولين الأميركيين في واشنطن لبحث شؤون ثنائية وأخرى تهم المنطقة منها الملف السوري، وإعلان الجامعة العربية عن وقف إرسال مزيد من المراقبين إلى سورية، واجتماع أطراف من المعارضة الخارجية السورية في استانبول في مؤتمر قيل إنه حاسم، والعدوان الذي وقع على صحفيين ومتظاهرين في حمص راح ضحيته تسعة أشخاص بينهم صحفي من القناة الثانية الفرنسية وتشكيل لجنة تحقيق في الحادث ضمت ممثلاً لتلك القناة.. وتصريح مسؤول روسي بأن الولايات المتحدة الأميركية وتركيا قررتا إقامة منطقة آمنة على الحدود السورية التركية.. وتأكيد الجانب الصيني بعد لقاء مع أمين عام الجامعة على أن الأزمة لا تحل إلا بالحوار بين السوريين من دون تدخل خارجي وبإشراف جامعة الدول العربية.. كل تلك الأحداث والمواقف وضعت الأطراف المشتبكة في حالة أقرب إلى الاستنفار.. ولا سيما الأطراف السورية المعنية، حيث صعدت المعارضة إلى قمة شجرة يصعب النزول عنها، واتجه النظام نحو الحسم بكل قوة ليضع حداً للإرهاب مع استمرار بالإصلاح الذي لا رجعة عنه.

المعادلة الرئيسىة في حديها أو طرفيها غير قابلة للحل، فالنظام لا يقبل معارضة مرتبطة بالخارج يراها السكين بيد من يستهدفه بمؤامرة، ويرحب بالحوار مع معارضة داخلية تقبل على الحوار كما يرحب بمن لا يرتبط بجهة خارجية ولا يرتهن لها من المعارضين.. وكل أطراف المعارضة ترفض الحوار وتتشدد في ذلك، إلا ما كان في السر من بعض الأشخاص والجهات.؟! ومن يريد أن يحل الأزمة عن طريق الحوار يصطدم برفض من يرفضون مبدأ الحوار، ومن يريد أن يفرض حلاً بالقوة لا يجد قراراً من مجلس الأمن الدولي ولا غطاء عربياً من جامعة الدول العربية بطلب تدخل دولي.. والحل عبر الجامعة، استناداً إلى خطة العمل العربية والبرتوكول المتعلق بتنفيذها، يصطدم بانقسام داخلها بين من يدفع باتجاه التدويل بكل قوة وبكل الوسائل ويحرض المعارضة على اتهامها وعلى تعطيل الحل القائم على الحوار حسب الخطة الموقعة في الدوحة، ومن يرفض التدويل وتكرار السيناريو الليبي، ويرى الحل عربياً سورياً ولكنه يحتاج إلى نتائج عمل لجنة المراقبين وقبول الأطراف المعنية بالحوار وإقبالها عليه.    

إن ما أشرت إليه مما حدث في الأسبوع الماضي يشير إلى تصعيد في شدة الحدث، وتعقيد في الأزمة، وحدة في الخطاب والموقف لكل طرف، وكل خطوة في هذا الاتجاه تضاف إلى رصيد من المعاناة لم تعد تحتمل، وتعمق الأزمة، وتقرب الشعب في سورية من استحقاقات تفرضها هذه الأزمة ولا يمكن دفعها وحسمها إلا بتضحيات بشرية ومادية ومعنوية، كما أن كل خطوة في هذا الاتجاه تضع الدولة السورية بكل مقوماتها ومؤسساتها في طريق ليس في مصلحتها ولا في مصلحة الأمة العربية أن تسلكه، ولا يريده لها كل مخلص لها سواء أكان سورياً أم عربياً أم إنساناً حراً شريفاً موضوعياً في أي مكان من العالم.. لأنها خطوات على طريق القتل والحرب والدمار والخراب والضعف، ترتد سلباً على القضايا والأهداف التي للبلد والأمة.

إن من لا يعلي شأن العقل والحكمة والمسؤولية الوطنية والأخلاقية والإنسانية في هذه الأزمة لا يمكن قبوله ولا النظر إليه بوصفه طرفاً يريد الخير والتقدم والإصلاح والتغيير الإيجابي البناء والحرية والكرامة للشعب والبلد، لأن من يجرهما إلى الكارثة ولا يعنيه إلا ذاته لا يؤتمن عليهما، أي الشعب والبلد، بأي شكل من الأشكال.. أما الذين ينطلقون من مواقف تتماهى مع خطط أجنبية تهدف إلى تحقيق استراتيجيات للسيطرة والهيمنة والنفوذ واحتلال العقول والإرادات.. إلخ فأولئك لا يمكن الحديث عنهم بوصفهم مواطنين خالصين ووطنيين مخلصين، لأن لهم مثلما لأشباههم في كل الأزمان والأماكن ولدى كل الدول والشعوب أوصافاً أخرى معروفة جيداً على المستويات القانونية والسياسية والأخلاقية والشعبية.

إن الشعب في سورية يريد خلاصاً يجنب أبناءه المعاناة والمآسي وإراقة الدماء، ويجنب سورية الكوارث والأزمات، ويفضي به خروج من الأزمة بأسرع ما يمكن ولكن ليس على حساب أمنه واستقلاله وكرامته.. إنه يريد الحرية والديمقراطية والكرامة والإصلاح والتغيير البناء، ويرفض الفوضى والقتل والإرهاب والإفقار والاكتواء بالنار.. ويقول لكل من لا يعنيه ألمه ووجوده وتطلعاته الحقيقة: "كفى.. كفى.. إن من يده في النار ليس كمن يده في الماء، ومن يعيش الأزمة ويدفع ثمنها دماً ودموعاً وخسائر من كل الأنواع والأشكال.. ليس كمن يحللها أو يتابعها من وراء البحار، ولا كمن يحرك نارها ولا يصطلي بتلك النار.".

والشعب السوري المعني بالخلاص والمصير والبقاء والسمعة التي تشوه أمام العالم وبالدم الذي يراق، وبكل أشكال المعاناة.. هذا الشعب أكثر وأكبر بكثير، عدداً وعزيمة ورؤية وقدرة، من أولئك الذين يدعون امتلاكه ويتحدثون باسمه ويرفعون رايته.. وقد ضاق ذرعاً، ضاق ذرعاً، بهذا الذي يجري باسمه وكأنه غير موجود.. وقد آن لكل من يتكلم باسمه ويضرب بسيفه ويدعي أنه يحمل رايته ويهتم بأوجاعه ويعبر عنه.. أن يعرف أن الشعب يعرف ويدرك ولا ينسى، وأنه لم يعد يحتمل العبث بدمه وحقوقه وحياته وشؤونه ومستقبل أجياله، ولا أن يباع ويشترى باسم حرياته وحقوقه، وأنه إذا ازداد صمتاً فإنما هو البحر يزداد تفجراً في اللحظة المناسبة. إن شعبنا لا يستحق ما يتعرض له، ولا يوافق على أن يكون سلعة بيد هذا أو ذاك، ومضغة بأفواه هذا أو ذاك.. ولا يقبل أن تزور إرادته.. وأن الطريق إليه وإلى إعلاء كلمته واحترام سيادته وتحرره وتحريره هو طريق الحفاظ على سيادته وكرامته، وملء معدته، وتحريره من كل قيد، وتحرير أرضه من كل محتل،  والحرص على قوته ومنعته وحقوقه، وتحقيق نهضته في كل مجال، والانطلاق من إرادته الحرة التي يعبر عنها في اقتراع نزيه لمعرفة رأيه وقراره، في إطار ديمقراطية نظيفة وسليمة يقول فيها ما يريد ويعبر عن نفسه بحرية.. فليلجأ كل من يريد لهذا الشعب الخير ويكن له الاحترام ويسعى لحفظ كرامته والعمل وفق إرادته إلى العقل والمنطق والتفاهم والتعاون بعيداً عن الثأرية الجاهلية، والجهل المتعالم، والحقد الأعمى، والانتقام المقيت، والتبعية العمياء،  والدموية المهلكة.. إلى أن يمكِّنه من التعبير عن نفسه بحرية وكرامة ومسؤولية ضمن أطر ديمقراطية سليمة، وليفكِّر كل فرد من أفراده " الأشاوس" أياً كان موقفه وموقعه ومكانته.. بأنه مجرد فرد من أفراد الشعب رفعته إرادة الشعب وتخفضه إرادته، وأنه مساو لكل فرد من أفراده في الحقوق والواجبات، وأنه لا يملك الشعب، ولا يسوده، ولا يستخدمه، ولا يعرضه للإهانة، ولا يتاجر بيه ويبيعه لمن يشتري.. بل يضحي من أجله ويخدمه بوصف السيد، وصاحب الأمر والنهي، ومن يُحتَكم إليه وتنفَّذ إرادته، وينظر جيداً إلى حقيقة أن أي مسؤول يُسأل أمام الشعب والقانون الذي يصنع باسم الشعب عن كل عمل يقوم به وعن كل تقصير قصره، وذلك حين يفوز بشرف خدمته ويكلف بمهمة ما باسمه.

 دمشق في 13/1/2012