خبر لقاءات استكشافية أم مفاوضات عبثية؟ ..طلال عوكل

الساعة 07:54 ص|14 يناير 2012

بعد انقطاع دام لنحو خمسة عشر شهراً، يعود الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي إلى طاولة المفاوضات المباشرة، تحت إشراف الأردن، والرباعية الدولية، وبدون أن تستجيب الحكومة الإسرائيلية للموقف الفلسطيني الذي ظل يتمسك بضرورة وقف الاستيطان، واعتراف "إسرائيل" بالمرجعيات الدولية، وحدود الرابع من حزيران للدولة الفلسطينية.

التصريحات التي تصدر عن الفريق الفلسطيني المفاوض، تنفي اعتبار ما يجري في العاصمة الأردنية على أنه عودة إلى المفاوضات المباشرة، وتصر على اعتبار اللقاءات مجرد محاولات استكشافية لا ترقى إلى مستوى التفاوض.

عملياً، فإن اللقاءات تتداول أوراقاً، وردوداً، تتضمن رؤية كل طرف، للقضايا المحددة على جدول الأعمال، وهي قضيتا الأمن والحدود، فضلاً عن قضايا أخرى تقع تحت عنوان إجراءات بناء الثقة، وتتصل بوعود إسرائيلية ذات طبيعة إجرائية للإيحاء بمرونة كاذبة إزاء تحسين ظروف الفلسطينيين مثل قضايا الحواجز العسكرية، حركة الأفراد والبضائع، الإفراج عن أموال المقاصة الضريبية التي تحتجزها "إسرائيل" بين الحين والآخر، وربما تفكيك بعض الكرافانات الاستيطانية...

وفي الحقيقة، فإن على القيادة الفلسطينية أن تعترف صراحةً بأن ما يجري، هو مفاوضات بكامل المواصفات، ربما تضطر لقبولها تحت ضغط شديد من تحت الطاولة ومن فوقها تمارسه الرباعية الدولية، وبعض الأطراف العربية، التي لا ترغب في إعلان فشلها في نجاح المفاوضات، ودفع العملية السلمية إلى الأمام، خاصةً في ضوء المتغيرات التي تتصل بالربيع العربي.

على كل حال، ثمة استعجال لتحقيق العديد من هذه اللقاءات التفاوضية التي حددتها الرباعية الدولية، وتتمسك بها القيادة الفلسطينية والتي تنتهي في السادس والعشرين من يناير الجاري، للحكم على كيفية سير الأمور في المرحلة المقبلة. وإذا كانت الأطراف المعنية كلها تتكتم على ما يدور في الغرف المغلقة، فإن هذا التكتم يعكس مدى عمق الخلاف بين الطرفين المتفاوضين، فلو كانت هناك بعض النقاط أو التوقعات الإيجابية لأسرعت كل تلك الأطراف، للحديث عنها علنياً، ولو من باب إحياء الآمال تجاه عملية السلام.

وثمة قضية أخرى يمكن إثارتها من باب نقد موقف القيادة الفلسطينية الذي أدى إلى الاستجابة لضغوط الرباعية الدولية، والأطراف العربية بالعودة إلى طاولة المفاوضات المباشرة، إذ كيف يمكن للمواطن الفلسطيني كما المراقب السياسي، أن يقبل اعتبار ما يجري مجرد لقاءات استكشافية؟

بعد أكثر من ثمانية عشر عاماً من المفاوضات، ومن السياسات الإسرائيلية ذات الطبيعة العملية المعادية للسلام، وبعد كل ما صدر عن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، وآخرها الأكثر تطرفاً حكومة نتنياهو، هل ما يزال الفلسطينيون بحاجة إلى استكشاف مدى عداء "إسرائيل" للسلام وللحقوق الفلسطينية؟

وهل ثمة ما يدعو لاستكشاف مواقف وسياسات الولايات المتحدة، ومدى استعدادها للضغط على حليفتها "إسرائيل"، لتسهيل التوصل إلى اتفاق سلام؟ على الأرجح فإن الفلسطينيين الذين أصابهم الإحباط واليأس من إمكانية تحقيق السلام مع الائتلاف الإسرائيلي اليميني المتطرف، إنما يحاولون نزع الذرائع.

وفضح مسؤولية "إسرائيل" الحصرية عن فشل جهود السلام، فضلاً عن إظهار عجز الإدارة الأميركية وفشلها في أن تحقق اختراقاً إزاء ما اعتبرته إدارة الرئيس أوباما من أولوياتها منذ بداية عهده قبل ثلاث سنوات. وإذا كان الفلسطينيون قد أبدوا استعداداً عملياً للتعاطي بشكل إيجابي وعملي مع مطلب الرباعية الدولية، العودة إلى طاولة المفاوضات المباشرة في عمان، ضمن المهلة التي حددتها الرباعية.

فإن "إسرائيل" تحاول إبداء مرونة كاذبة وعبر التصريحات المحملة بالوعود، لتجاوز تاريخ السادس والعشرين من يناير الجاري، دون أن تتمكن القيادة الفلسطينية من الوصول إلى النتيجة المحتومة والمعروفة سلفاً، وهي فشل الجهود الرامية لإحياء عملية السلام. لهذا ليس على المواطن والمراقب أن يستغرب مثلاً أن تبادر الحكومة الإسرائيلية لإعلان بعض الخطوات الإجرائية، التي تندرج تحت عنوان "بناء الثقة"، لكن بدون أن تبادر لتغيير جوهر مواقفها إزاء القضايا الرئيسية على جدول المفاوضات وهي الأمن والحدود.

من لم يصدق ذلك فعليه أن يتابع ما يجري على أرض الضفة، وفي القدس وحولها، وما يجري في المناطق المحتلة منذ عام 1948، والتي تتصاعد فيها القوانين والممارسات العنصرية، متجاوزةً النقد الذي وجهه الاتحاد الأوروبي قبل نحو أسبوعين لطريقة تعامل "إسرائيل" مع مواطنيها من العرب.

وإذا كان المثل الشعبي الشائع يقول "خذوا العبرة من أفواه المجانين"، فإن وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان يبدي تشاؤماً إزاء مستقبل عملية السلام، ويقول إن على "إسرائيل" القيام بعمليات تهجير جماعي للفلسطينيين في الأراضي المحتلة منذ عام 1948، في حال نجاح التسوية، وفي إطار مبدأ تبادلية الأراضي.

إن الواهمين فقط هم الذين يعتقدون أن بالإمكان خلال أسبوعين من اللقاءات المكثفة، يمكن أن تحقق اختراقاً، لم يتحقق خلال أكثر من ثمانية عشر عاماً من المفاوضات، التي شكلت غطاءً للمخططات الاستيطانية والتهويدية والعنصرية الإسرائيلية. والسؤال هنا، هو أنه إذا كانت "إسرائيل" تجري مفاوضات غير مباشرة قبلاً من خلال الرباعية الدولية، ومباشرة حالياً، بدون أن تتوقف عن تنفيذ مخططاتها الاستيطانية والتهويدية العنصرية ضد الفلسطينيين حيثما كانوا، فلماذا تتعطل المصالحة الفلسطينية تزامناً مع عودة المفاوضات؟

لقد تصاعدت حدة التوتر وتبادل الاتهامات بين حركتي حماس وفتح خلال الأسابيع الأخيرة، رغم ما تحقق بينهما من إنجازات وما أعلنت عن تحقيقه لجنة الحريات، وبالرغم أيضاً من استمرار القيادات من كلتا الحركتين التي تؤكد التزامهما بالمصالحة الوطنية كأولوية.

 

بعيداً عمن يتحمل مسؤولية عودة التوتر إلى العلاقات بين الحركتين، يبدو أن مسألة المصالحة لا تزال خاضعة لأمرين، الأول اختلاف الحسابات الفصائلية والسياسية، والثاني، استمرار التدخلات الخارجية في غير صالح استعادة الفلسطينيين لوحدتهم، الأمر الذي يعيدنا إلى السؤال الأول وهو هل تتوفر لدى القيادات السياسية إرادة وطنية قوية وكافية لتجاوز الحسابات الفئوية والتدخلات الخارجية؟ إن على من يرفض ذلك أن يثبت العكس وبالملموس وليس بالتصريحات فقط.