خبر لا تبادر ولا تحكم- معاريف

الساعة 10:18 ص|09 يناير 2012

لا تبادر ولا تحكم- معاريف

بقلم: ناتي شاروني

رئيس مجلس السلام والامن ولواء احتياط

في نهاية العام 2011 تجد دولة اسرائيل نفسها بلا طريق. ليس واضحا ماذا تفعله بالضبط الحكومة هذه الايام، ولكن واضح تماما ما لا تفعله – لا تبادر ولا تحكم.

لاكثر من سنتين ونصف من الجمود السياسي، دون أي مبادرة حكومية، دفعوا اسرائيل الى عزلة سياسية تحتدم فقط. محظور أن نتشوش: ليس في تلقي غواصة من ألمانيا والتعابير الانتخابية من الرئيس الامريكي ما يثبت بان اسرائيل لا تعاني من عزلة سياسية. الحكومة ورئيسها يعرفان صورة الحقيقة دون أي صلة بما يقوله الناطقون بلسانهما للجمهور.

العزلة السياسية تنطوي على مخاطر شدتها يمكن تقديرها فقط في أوضاع الاختبار. من السهل الى الصعب، من المتوقع للاعتراضات على خطط ومطالب اسرائيل في الهيئات الدولية؛ فقدان التأييد والشجب لخطوات عسكرية قد تكون الدولة مطالبة بالقيام بها؛ مصاعب في الادارة السليمة والمتواصلة للتجارة مع الدول، التي لا تتخذ بعد خطوات مبادر اليها؛ وأخيرا من المتوقع أيضا عقوبات سياسية واقتصادية كرد على خطوات عسكرية وادارية لحكومة اسرائيل تجاه السكان الفلسطينيين أو اللبنانيين، أو كرد على أعمال ارهاب وزعرنة من المستوطنين في مناطق الضفة واسرائيل.

في الساحة الداخلية الوضع مختلف. هنا ينشأ وهم خطير في أن الحكومة لا تبادر في المجال السياسي، تعطي يدا حرة لتعزيز المستوطنات، البناء والبنى التحتية في الضفة الغربية وتسند التطلعات "القومية المتطرفة" والمسيحانية للمستوطنين للحفاظ على قوتها وعلى ائتلافها المتطرف.

قوة الحكومة هي في قدرتها على الحكم. الخضوع لكل أحابيل الفصائل المتطرفة، الى جانب التأييد للتشريعات المتطرفة التي تمس بالقيم الديمقراطية وانعدام القدرة على فرض القوانين القائمة، تمس مسا شديدا بقدرة الحكم وفي هذا يكمن خطر حقيقي بالتدهور.

الخضوع للمستوطنين بشكل عام ولمئات المتطرفين من "فتيان التلال" بشكل خاص يخلق وضعا من عدم الحكم يتسلل الى داخل دولة اسرائيل في حدود الخط الاخضر ويقوض القدرة على خلق تبلور اجتماعي ووطني من حيث وحدة الهدف – الهدف الذي لم تطرحه الحكومة ابدا.

محظور الامتناع عن المبادرة الى خطوات سياسية، حتى في الفترة التي تشتعل فيها المنطقة حولنا وتجتاز تغييرات داخلية ثورية في طابعها، بعضها ستتجه على نحو طبيعي الينا، ولا سيما عندما نكون الرافضين. وعليه، فطالما بقيت نافذة الفرص للوصول الى اتفاق مفتوحة، فاننا ملزمون بان نجري اتصالات مع الفلسطينيين لغرض الوصول اليه في أقرب وقت ممكن. لا ينبغي لنا أن نوهم أنفسنا، فكل المقاييس معروفة وكذا معروفة نقاط الخلاف. وبالتالي، فان زرع العوائق المصطنعة من خلال مطالب هامشية حيال الذخائر الحقيقية التي يمكن تحقيقها في الاتفاق (مثلما تعلمنا من الاتفاقات مع مصر والاردن، والتي نعلن صبح مساء بانها ذخائر استراتيجية) فيه ما يعرقل كل مسيرة – وبالفعل هكذا يتبين هدف الحكومة الحالية: منع الاتفاق. غير أن عدم الوصول الى اتفاق يتيح لحماس السيطرة على الضفة، وعليه فواضح بانه ليس في معارضة الحكومة ما يضمن مستقبلا أفضل لشعب اسرائيل، مستقبل تكون فيه حياة الناس أفضل من قدسية الارض. القيادة تقاس باستعدادها للتضحية بمستقبلها السياسي في صالح الشعب ومستقبله، والجلوس على كراسي الحكومة في التركيبة الحالية لا يمكنه أن يعد هدفا أعلى.

لقد حان الوقت للكف عن تهديد الشعب بمخاطر أمنية، بتهديد النووي الايراني، بسيطرة حماس وما الى ذلك، وذلك لان القعود بالذات دون فعل هو الذي يخلق أرضا خصبة لتحقق هذه المخاطر نفسها. كلما كانت دولة اسرائيل مستعدة لان تبادر، يمكنها أن تعمل مع اصدقاء لها في العالم وشركاء في المنطقة كي تصد أو تلغي التهديدات بعضها أو كلها. الاهم هو انه سيكون ممكنا ان يطرح على الشعب هدف نتطلع اليه ويمكن خلق الوحدة حوله، على الاقل لاغلبية مواطني اسرائيل.

على الحكومة أن توجه مساعي الحكم نحو الحكم المتنور الذي لا تكون فيه مطالبة بان تحاول صد تشريع ظالم على اساس يومي؛ تعرف كيف تفرض القوانين القائمة، وتعمل ضد عصابات الجريمة، وتعالج الشبيبة بتربيتها لمستقبل تكون فيه العلوم والتكنولوجيا هي شروط البقاء والتقدم.

في ظل انعدام المبادرة والحكم، ستواصل دولة اسرائيل التدهور الى الاسفل نحو مواقع ومشاهد قاسية، دون أفق ودون طريق.