خبر وثيقة أوروبية تحاول إنصاف فلسطينيي 48 .. د. فايز رشيد

الساعة 09:21 ص|08 يناير 2012

وثيقة أوروبية تحاول إنصاف فلسطينيي 48 .. د. فايز رشيد

قضية لم تأخذ حقها في الانتشار إعلامياً, تتحدث بطريقة غير مباشرة عن عنصرية "إسرائيل"، وهي تتلخص في: أن السفارات الأوروبية في الكيان الصهيوني قامت بإعداد وثيقة, طالبت "بضرورة اعتبار معاملة "إسرائيل" لسكانها من العرب, قضية جوهرية وليست ثانوية في النزاع الفلسطيني- الإسرائيلي", ووفقاً لمصادر القيادات الفلسطينية في منطقة 48 فإن الوثيقة تضمنت اقتراحات رسمية ضد مشاريع قوانين عنصرية يتم التصويت عليها في الكنيست وتُميز ضد الفلسطينيين.

 

الحكومة الإسرائيلية اعتبرت الوثيقة تدخلاً بشؤونها الداخلية، وأنها تثير قضايا حساسة، كما وجهت انتقادات شديدة اللهجة لبعض السفراء الأوروبيين بتل أبيب لإعدادهم هذه الوثيقة. بالطبع القيادات الفلسطينية في منطقة 48 رحبت بالوثيقة , فالنائب حنين الزعبي عزت الوثيقة الأوروبية إلى الدور الريادي للقيادات في الداخل وعملها الدؤوب من خلال الاجتماع بالسفراء الأجانب والملحقين السياسيين والحكومات الدولية, وإطلاعهم على حقيقة ما يعيشه فلسطينيو 48 من اضطهاد وعنصرية.في نفس السياق جاءت تصريحات مدير مركز"عدالة" الدكتور ثابت أبو راس, وأستاذ القانون الدولي الدكتور يوسف جبارين الذي اعتبر: أن" الوثيقة هي ثمرة للعمل المتواصل للمؤسسات الحقوقية والأحزاب والقيادات العربية بطرح ومعالجة قضايا المجتمع الفلسطيني بإسرائيل على المحافل الدولية".

 

بالطبع نحن ندرك عنصرية "إسرائيل" تجاه فلسطينيي 48، فالمسألة مطروحة على أكثر من صعيد، لكن اللافت للنظر هذه المرة أن هذه العنصرية وصلت إلى الحد الذي بات فيه حتى أصدقاء "إسرائيل" (مثل مبادرة السفراء الأوروبيين) لا يستطيعون إلا أن يتناولوا بالانتقاد هذه العنصرية الفاقعة، التي يعاني منها أهلنا في منطقة 48, فهي لا تطال الجوانب الحياتية لهم فقط, وإنما كافة المناحي السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية لهم، وعلى مدى إنشاء الدولة الصهيونية وحتى اليوم، تتم قوننة هذه المظاهر العنصرية بقوانين يتم سنها في الكنيست الإسرائيلي لتصبح "نمط حياة" بهدف (مثلما يقول المؤرخ التقدمي اليهودي إيلان بابيه - صاحب كتاب (التطهير العرقي للفلسطينيين) تصعيب وتعقيد حياة الفلسطينيين في منطقة 48 لتكون جحيماً لا يُطاق، حيث تجعل الشباب بشكل خاص يفرون ويهربون من الجحيم الإسرائيلي, بالهجرة إلى بلدان أخرى، هذا في ظل وضع تسهيلات من سفارات دول عديدة في تل أبيب لتسهيل هذه الهجرة، ويستطرد بابيه " حيث من الصعب على إسرائيل حالياً القيام بترانسفير للعرب مثلما مارست في عام 1948"، بالتالي فإن الأهداف الإسرائيلية أصبحت واضحة حتى لأصدقاء "إسرائيل".

 

ولأن العنصرية ظاهرة صهيونية إسرائيلية بالمعنى التاريخي, فهي لا تقتصر على ممارستها ضد الفلسطينيين, بل يجري تطبيقها أيضا ضد اليهود الشرقيين بمن فيهم المهاجرون من الدول العربية، وضد الفلاشا باعتبارهم يهوداً من درجات أدنى من اليهود الغربيين، وهؤلاء بدورهم يُقسمون إلى المهاجرين اليهود من دول أوروبية غربية, والمهاجرون من دول أوروبية شرقية( فهؤلاء الأخيرون يعتبرون من درجة أدنى من أولئك), لذلك لا نستغرب أن يشبّه اليهود المتشددون في ديانتهم من جماعة "ناتوري كارتا" (الذي يعتقدون بخطأ إنشاء دولة لليهود لأسباب دينية) "إسرائيل", بألمانيا النازية، فلقد نظّم ألف يهودي منهم مظاهرة في ميدان "السبت" في تل أبيب منذ أسبوع, حيث ارتدوا ملابسهم التقليدية واشتكوا من الاضطهاد الوحشي الذي تمارسه السلطات الإسرائيلية بحقهم, والتحريض ضدهم من جانب وسائل الإعلام الصهيونية.لقد ارتدى بعضهم بينهم أطفال ملابس تشبه ملابس نزلاء معسكرات الاعتقال النازية المخططة إلى جانب نجوم صفراء، مقارنة ل"إسرائيل" بألمانيا النازية.

 

بالطبع ثارت ثائرة السلطات الإسرائيلية عليهم، فارتفعت الإدانات بحقهم من بينها إدانة أفنر شاليف مدير معهد"ياد فاشيم" التذكاري لذكرى المحرقة، ومن إيهود باراك وزير الدفاع الإسرائيلي وغيره، وقامت مظاهرات في مدن إسرائيلية عديدة استنكاراً لمظاهرتهم. هذه الأحداث للأسف لا يجري تغطيتها إعلامياً بشكل واسع، وتظل معروفة في إطارات خارجية محددة لأولئك المهتمين بالشأن الداخلي الإسرائيلي، الأمر الذي يبين مدى التغلغل الإسرائيلي - الصهيوني في الوسائل الإعلامية العالمية عي الصعيد الدولي.

 

يبقى القول: إن عنصرية "إسرائيل" بدأت تتكشف حتى لأصدقائها, وبادرة السفراء الأوروبيين في تل أبيب هي جزء من هذا الانكشاف, فالشمس لا يمكن تغطيتها بغربال.

 

كاتب فلسطيني