خبر في إنقاذ سورية .. إنقاذ للأمتين.. علي عقلة عرسان

الساعة 04:03 م|06 يناير 2012

في إنقاذ سورية .. إنقاذ للأمتين.. علي عقلة عرسان

ترتفع هذه الأيام وتيرة الدعوة إلى إعلان فشل لجنة مراقبي الجامعة العربية في سورية، وضرورة التوجه بالملف السوري إلى مجلس الأمن الدولي، ويأتي ذلك قبل أيام من تقديم اللجنة تقريرها الأولي إلى اللجنة الوزارية العربية التي ستعقد اجتماعها يوم الأحد 8ك2 2012، واللافت للنظر في هذا الحراك المحموم تقاطع سياسي مغطى إعلامياً بكثافة، مع أحداث دامية على الأرض، وتصريحات حامية في الفضاء الشامل المحيط بالأزمة السورية، ومن ذلك: تحرك جيفري فيلتمان نحو الجامعة العربية تنفيذاً لتصريح الخارجية الأميركية القائل بإخفاق المراقبين وعدم التزام سورية بالبروتوكول الموقع مع الجامعة، وتصريحات الرئيس ساركوزي ووزير خارجيته آلان جوبيه ضد الرئيس السوري وعمل اللجنة، وإعلان معارضين سوريين في الخارج عن ضرورة حمل الملف السوري إلى مجلس الأمن والتدخل الخارجي المباشر، وزيارة رئيس اللجنة الوزارية العربية للأمين العام للأمم المتحدة بان كيمون وإعلانه من هناك عن وقوع لجنة المراقبين في أخطاء.. مع استمرار الاحتجاج والقمع.. واللافت أيضاً أن ذلك يجيء أيضاً مواكباً لتغير في عضوية مجلس الأمن الدولي لهذا الشهر، ومع تحرك في دول الجوار السوري لإيجاد مخارج سلمية للأزمة، وتأكيد روسي ـ إيراني جديد بأن الحوار وحده وليس التدخل العسكري هو مدخل حل الأزمة في سورية.

 ويبدو أن هدف التحركات الأخيرة، المرتفعة الوتيرة بدرجة ملموسة، هو استعجال التدخل الخارجي في الشأن السوري بقرار دولي أو بغطاء دولي، وإذا لم ينجح ذلك المسعى في مجلس الأمن، فيتم التدخل المباشر بقرار من مجموعة من الدول، حسب فريق من المعارضة السورية في الخارج، لفرض حظر جوي ومناطق آمنة وحماية للمدنيين ـ باستثناء التدخل العسكري البري كما يعلنون ـ  على غرار ما حدث سابقاً في أماكن أخرى من العالم.. إنه باختصار تكرار حرفي للسيناريو الليبي المعروف، وهو ما فتئت أطراف سورية معارضة وعربية ودولية تدفع باتجاهه منذ الأسابيع الأولى لبداية الأزمة في سورية، سواء أكان ذلك الدفع مباشراً أم غير مباشر، تلميحاً أم تصريحاً، ومن يراجع تتابع الأحداث بدقة خلال الأزمة السورية يقف على ذلك بجلاء. ومن اللافت أيضاً أن يسبق تشكيل لجنة المراقبين ويرافق عملها منذ اليوم الأول حتى اليوم تشكيك بها وبإمكانياتها وقدراتها وحريتها في العمل، واتهام لرئيسها، ووضعها في موضع المدان أو القاصر أو الفاقد الحيلة والقدرة، لإجبارها على أخذ اتجاه محدد مطلوب أو لاستباق قرارها، بمواقف منها معلنة، حتى إذا جاء ذلك القرار على غير ما يرضي بعض الأطراف، أو غير محقق لأهداف محددة لديهم مسبقاً، قالوا بعدم كفاءتها أو بانحيازها وعدم نزاهتها ومصداقيتها.. لبلوغ هدف التدويل بغطاء عربي أو من دون غطاء هذه المرة.!!

إن التدخل الخارجي في الشأن السوري، أياً كان المتسبب به والداعي إليه والمسوِّغ له والناتج عنه، على كل مستوى وصعيد، هو كارثة موصوفة تحل بسورية "الشعب والبلد والهوية والمكانة والدور والتاريخ"، وهو في أبسط نتائجه المباشرة: تدمير للجيش، والبنية التحتية، والعمران العام والخاص، أي للدولة وللمؤسسات والعلاقات الاجتماعية القائمة بين مكونات الشعب في سورية.. إنه قتل بلا حدود، وأحقاد بلا ضفاف، ودمار بلا نهاية، وانتشار للحريق في هشيم البلد والمنطقة يفضي إلى موت مادي وروحي، ولا يلبث أن يمتد في محيط عربي وإسلامي ويزداد مداه زمكانياً.. إنه عودة للاستعمار واستعادة له بصورة مباشرة وغير مباشرة، ونصر لمشروع الحركة الاستعمارية ـ الصهيونية وفرض لهيمنتها في المنطقة، وإنهاء لروح المقاومة على كل مستوى وصعيد وليس إنهاء للمقاومة وحدها ضد العدو والمحتل فقط.. وهو تدخل ينهي دور سورية التاريخي، عربياً وإقليمياً وإسلامياً، ويقضي على حقوقها الجغرافية في أرض محتلة ومقدسات، وعلى مواقفها الوطنية والقومية، وعلى دورها في قضايا عربية وإقليمية.. وعلى كل شكل من أشكال الأمن والأمان فيها.. إنه ببساطة انتحار يساهم فيه كل من لا يرى ولا يعي ولا يسمع إضافة لأعداء سورية ومن يتآمرون عليها.

إنه لكذا لك، وسوف يسفر عن ذلك إذا ما حصل، لا قدر الله،..  أقول بهذا كما أقدره وأراه، لا لكي أثبط همة من ينادي بالتغيير أو أدين مطلبه أو أصدر حكماً من أي نوع عليه، فليس ذاك شأني وليس هو هدفي، وأقوله لا لكي أقول بأن كل ما يحدث في سورية الآن هو صحيح ومثالي وينبغي أن يستمر على ما هو عليه، فليس من صالح الشعب والبلد أن تستمر هذه الدوامة أو تستمر أسبابها، وأقوله لا لكي أنفي حدوث أمور وممارسات غير مقبولة وأثبت أموراً أخرى وممارسات، ولا أقوله لكي أرسخ في الذهن أن القائم في سورية خير من القادم أو من أي إصلاح وتغيير قد يكون.. ولكن لأنبه إلى أنه لن يبقى فيها لا قائم ولا قادم على وجه يحقق الحد الأدنى من مقومات وطن وشعب وهوية وقضايا وطنية وقومية وإنسانية، إذا ما حدث تدخل خارجي من أي نوع في شونها الداخلية، لا سيما على الصعيد العسكري. 

والمطلب أو الموقف أو المسعى الذي يسفر عن كارثة وطنية وإنسانية مطلبٌ لا يتطلع إليه منتم لبلده أو مسؤول عنها أو فيها أو حريص عليها، ولا ينشده متطلع إلى خيرها وأمنها ومستقبلها وكرامة العيش فيها، ولا يصدر عن متمسك بقيم إنسانية سليمة وعميقة وصحيحة أياً كانت آفاقها وأياً كان ذلك الشخص الذي يقول بها وموقعه وهدفه ذريعته التي يتذرع بها، سواء أكان في الحكم أو طالباً له، ضالعاً في المأساة الراهنة أو ضحية لها .. وهو مطلب لا ينشده أصلاً مؤمن بقيم وطنية وخلقية ودينية سليمة، ولا منتم لعروبة أو إسلام، ولا حتى شخص ذو قيم إنسانية تحررية نظيفة وعميقة وأصيلة، سواء أكان منتمياً للعروبة أو حرباً عليها، مسلماً أو فيه حقد على الإسلام والهوية العربية، أو ممن يتطلعون إلى حقيقة إنسانية شاملة جامعة بلا حدود خارج القوميات والأديان برومانسية جامحة؟!.. لأن ذلك ببساطة يأتي على حساب الحياة ذاتها وعلى حساب الوجود الحي لشعب وبلد وعلى حساب الإنسانية والقيم.. وأنه لا تكون حرية ولا ديمقراطية ولا كرامة ولا إنسانية ولا بناء وإنماء وعدل ونهضة بإماتة الطالب لأنه يفنى بفنائه المطلوب.

أقول ذلك انطلاقاً من قراءة تجارب سابقة، قريبة وبعيدة، لأفعال ومواقف قوى وتيارات قامت لتحقيق أهداف فقضت على الناس والأهداف بلجوئها إلى قوى استعمارية ذات تاريخ في العدوان على الشعوب والدول.. وأقوله بعد تعمّق في تاريخ تلك القوى الاستعمارية العنصرية وأهدافها ووسائلها وأساليبها وغاياتها، فهي تتخذ من حقوق الإنسان والقيم الإنسانية والأخلاقية النبيلة مطايا وأسباباً للتدخل في شؤون الآخرين، وتشوه صورتهم وثقافتهم ونضالهم وتجيره لمصالحها، وتحول القيم والبشر إلى سلع سياسية.. إنها تقتل الشعوب وتدمر البلدان وتخرب العمران والإنسان لتحصل على مصالح ومنافع، بصرف النظر عن معاناة البشر والثمن الذي يدفعونه من جراء إغراقهم في مستنقعات البؤس والموت، وهي تخوض حروباً قذرة، بصورة مباشرة أو بالوكالة، وتستثمر في الصراعات العرقية والطائفية والمذهبية، وتضري الفتن، وتثير الفوضى في أوساط من تستهدفهم ممن يغايرونها في الاعتقاد والانتماء.. إنها قوى ذات مخططات توسعية استعمارية تسعى لتحقيق استراتيجياتها بصرف النظر عن التكاليف والأرواح والمعاناة والقيم.. تدعي تحرير الإنسان، وترفع حقوقه وحمايته شعاراً وتمارس تحت ذلك الشعار الاستعمار والاستعباد والظلم والاضطهاد والنهب والإبادة بنفاق ما بعده نفاق.. منطلقة من رسيس عدواني مستحكِم فيها ضد الآخر المختلف عنها أو المخالف لها أو المالك لما لا تملكه، ومنطلقة أيضاً من عنصرية مقيتة وثقافة عنصرية راسخة في تكوينها العميق.. إنها تلبس الأبيض وتتزيَّا بالحضاري.. والأبيض رمز نقاء والحضاري أصلاً قيم إنسانية وبناء.. بينما هي ذميمة الطوية وتنمي الكراهية والبغضاء.

 إن الزاحفين إلى مجلس الأمن طالبين التدخل الخارجي في الشأن السوري لا يسلكون طريقاً تمليه الحكمة والمواطنة والمسؤولية الوطنية والقومية والإنسانية، لأن في ذلك الذي يسعون إليه هلاك ودمار بلا حدود، وهم بسعيهم ذلك يجلبون إلى الشعب والبلد كوارث لا يمكن تقدير حجمها وعواقبها، ولن يجدوا في الوطن من يستقبلهم بالورود والتبجيل إذا ما استقروا على ركامه منتصرين بسواهم.. والذين لا يلاقونهم في منتصف الطريق أو في مفازات متقدمة منه إنقاذاً للشعب والوطن من كوارث ومهالك لا يفعل ما يوجبه العقل وتمليه الحكمة والمسؤولية عن الأرواح والوطن والدولة والعلاقات الاجتماعية والعمران.. ولا يفيد أحداً من الفرقاء االذين يتناحرون ويغرقون سورية في الدم والوحل أن يتمترس كل منهم وراء مطلب وقوة وبندقية ورأي، بعناد ينحر البلاد ويفقد العباد السؤدد والرشاد.. إن الكل مطالب بمواقف يمليها العقل والضمير والإيمان والانتماء والمصلحة العليا للوطن، وللمواطن الذي يدفع الثمن دائماً، ولا يلقى ما يلقى سواه من ضمان أمن من جوع وخوف تقدمهما له قوة الخارجية أو داخلية.

إن في إنقاذ سورية من المحنة إنقاذ للأمتين العربية والإسلامية من محن وامتحانات صعبة وفتن دامية، وتلك مهمة لا يقوم بها إلا الكبار، فالكبار يعرفون ويقدرون ويتبصرون ويدبرون وينظرون في عواقب الأمور، ويحسنون إدارة دفة المركب في العاصفة الهوجاء ليبلغ المرفأ الآمن بسلام، والكبار يضحون بكل شيء، بما في ذلك الروح، في سبيل أوطانهم وشعوبهم لكي يبقى الوطن مصاناً والشعب سيداً حراً كريماً.. إنهم ينصرون أوطانهم ويحقنون دماء شعوبهم، ويضعون حداً للانهيار والمعاناة، ويوقفون نزف الدم وذرف الدموع، ويمنعون الكوارث قبل وقوعها.. وبذلك يرفعون ويرتفعون، ويصبحون رمزاً وقيمة لا لشعبهم وبلدهم فقط بل لشعوب العالم وبلدانه، ويدخلون التاريخ من بابه العريض بهذه الصفات والمواصفات.

والله من وراء القصد.

دمشق في 6/1/2012