خبر قبل السقوط ..هآرتس

الساعة 09:01 ص|06 يناير 2012

قبل السقوط ..هآرتس

بقلم: آفي يسسخروف وعاموس هرئيل

كان هذا اسبوعا اقل اعتيادا في سوريا. المظاهرات ضد النظام تواصلت وفي يوم الجمعة الماضي وصل عدد المشاركين في الاحتجاج ضد حكم بشار الاسد رقما قياسيا لبضع مئات الالاف. ولكن تواجد عشرات المراقبين العرب في الدولة خفض بقدر ما مستوى عنف قوات الامن. وهكذا قل قليلا عدد القتلى، وبدلا من 40 – 50 قتيل في اليوم في المتوسط، قتل في اسبوع ما بعد وصول المراقبين 20 – 25 شخصا في اليوم في المتوسط. وصول المراقبين، رجال الجامعة العربية، اثار انتقادا شديدا من جانب منظمات المعارضة في سوريا، والذين ادعوا بان وصولهم بالذات يساعد الرئيس على البقاء في الحكم.

كما ان تعيين مصطفى الضابي، الجنرال السوداني الذي كان أغلب الظن شريكا في قتل الشعب في دولته، رئيسا للفريق اثار احتجاجا شديدا. في الاسبوع الماضي نجح الضابي في أن يكتسب لنفسه غير قليل من الاعداء في أوساط معارضي النظام وذلك بعد أن قال فور وصول الفريق الى حمص ان الوضع في المدينة "هاديء للغاية". ومع أنه ادعى بانه من السابق لاوانه استخلاص الاستنتاجات، الا ان من الصعب فهم مثل هذا القول اذا أخذنا بالاعتبار وضع حمص، التي قبل بضع سنوات من وصول المراقبين كانت تحت قصف من الجيش السوري.

الجامعة العربية وعدت أول أمس بارسال مجموعة كبيرة اخرى من المراقبين في الايام القريبة القادمة، في محاولة لصد الانتقاد عليها. بل ان اعضاء فريق المراقبين استأجروا مكاتب في عدة مدن واعلنوا بانهم سيجبوا فيها شهادات من السكان عما يجري. ولكن سكان حماة اشتكوا هذا الاسبوع من أنهم يخشون من الوصول الى المكاتب في المدينة، لانه عند مداخلها يرابط رجال من قوات الامن السوريين، الذين يوثقون الداخلين والخارجين.

محافل استخبارية غربية قالت هذا الاسبوع انه رغم الانخفاض النسبي في حجم العنف، فان الميل على الارض – في طالح الاسد – يواصل التعزز. الاف عديدة من الفارين من جيش الاسد يضمون ايضا مئات الضباط، بينهم عشرات في رتبة رائد فما فوق وعدة عقداء. وفي الاسبوع الماضي سجلت شهادات اولى على ان الجيش يهاجم المناطق التي يتجمع فيها رجال المعارضة حتى بواسطة النار من الجو.

في شعبة الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية مقتنعون بانه في "2012 سيحسم الامر"، أي سيسقط بشار، في سوريا، ولكنهم غير مستعدين في أن يلتزموا بتاريخ محدد اكثر. ليس مؤكدا ان الاسد نفسه يفهم ذلك. فمن تابع المقابلة الشهيرة التي اجرتها معه المذيعة الامريكية بربارة وولترز، اخذ الانطباع بان الرجل يعيش في مثابة فقاعة وان التابعين له يقطعونه عن المعلومات الصحيحة عما يجري على الارض.

وثيقة تفاهم

يبدو أن مراكز القوة المختلفة في سوريا وفي جوارها يستعدون لليوم ما بعد سقوط النظام العلوي. من الصعب ايجاد اليوم احد ما في الشرق الاوسط مستعد لان يراهن على ان يبقى بشار الاسد في الحكم لسنوات عديدة اخرى. المؤشر الاكثر وضوحا على وضع الاسد المهتز جاء هذا الاسبوع عندما دعا زعيم الدروز في لبنان وليد جنبلاط، الذي تذبذب مرات لا تحصى بين سوريا وخصومها، ايران وروسيا الى تأييد التغييرات في النظام في دمشق.

الشذوذ الوحيد هو طهران. حلفاء الاسد في ايران وان كانوا بدأوا قبل نحو شهرين ينتقدون سياسة الرئيس السوري، ولكنهم عادوا مؤخرا الى التعاطي معه علنا كمن سيمسك بلجام الحكم في سوريا لسنوات طويلة اخرى.

ومع ذلك، من الصعب التقدير مسبقا كيف ستبدو سوريا بعد سقوط الرئيس. لا يوجد اليوم محفل معارضة بارز ومعروف يقود المظاهرات ضد الاسد، ولا حتى الاخوان المسلمين. يحتمل ان يكون المحفل ذو المغزى بين جملة المجموعات والشخصيات الذين يسمون "معارضي النظام" هو العقيد رياض الاسعد، قائد "جيش سوريا الحر". هذا هو الاسم الرسمي لقوات العصابات التي تعمل ضد الجيش السوري. ويدعي الاسعد بان تحت قيادته توجد 23 كتيبة، ولكن حاليا يبدو ان هذه وحدات بحجم هو اقرب الى السرايا، ذات معدات عسكرية قديمة.

المجموعات المختلفة التي تتشكل منها المعارضة السورية بعيدة عن الوصول الى اتفاق على مستقبل سوريا بعد خلع الاسد. ظاهرا، محاولة خلق وثيقة تفاهم اعطت ثمارها السبت الماضي بعد ان وقعت المجموعتان المركزيتان بين معارضي النظام، "المجلس السوري الوطني" و"لجنة التنسيق الوطنية" على اتفاق تلتزمان فيه بخلق مستقبل ديمقراطي لسوريا. وحسب الوثيقة، بعد خلع الاسد سيعلن عن سنة انتقالية في نهايتها تجرى انتخابات للبرلمان وللرئاسة في ظل الحفاظ على حرية الدين لكل مواطني سوريا. ولكن لسبب غير واضح لم تضم المجموعتان الموقعتان على الوثيقة اليهما الاسعد ورجاله. بعد يوم من التوقيع على الاتفاق بدأ اعضاء مركزيون في المجموعتين وفي محافل المعارضة الاخرى بالتنكر لمضمونه.

ومع ذلك، فمحاولة وصف السيناريوهات بشأن مستقبل سوريا في عصر ما بعد بشار تطرح عدة امكانيات مشوقة. هذا الاسبوع اجرى "المركز المقدسي للشؤون العامة والسياسية" برئاسة د. دوري غولد، نقاشا بمشاركة عدة خبراء وباحثين من المركز لشؤون الشرق الاوسط. الامكانية الاكثر تطرفا، على حد قول العميد احتياط د. شمعون شبيرا، الذي كان السكرتير العسكري لبنيامين نتنياهو في ولايته الاولى كرئيس للوزراء، هي انه في اللحظة ما قبل خلعه سيحاول الاسد "ان يسجل في تاريخ العالم العربي كمن تجرأ على شن حرب ضد اسرائيل". وبتعبير آخر، فان الرئيس سيحاول اطلاق الصواريخ على اسرائيل.

بالنسبة للبدائل المحتملين الاخرين للاسد، على حد قول شبيرا معقول أن ينشأ ائتلاف لنخبة سنية (منقسمة اليوم بين مجموعات المعارضة التي توجد في دمشق وفي تركيا). وينبغي ان يضاف اليها نائب الرئيس السابق عبدالحليم خدام، ورئيس المجلس السوري الوطني برهان غليون. "فرضية عملي هي أن الطائفة العلوية ستفقد قوتها ومكانتها بعد سقوط بشار. توجد امكانية اخرى – سفك دماء طائفي، ينتهي باقامة ائتلاف سني".

سيناريو متطرف آخر، كان موضع خلاف داخل مجموعة الخبراء هو امكانية أن يوقع النظام الجديد على اتفاق سلام مع اسرائيل. وعلى حد قول شبيرا، اذا ما قام في سوريا نظام يحظى بتأييد واشنطن، فستحاول الادارة الامريكية أن تحقق بواسطته اتفاق سلام جديد في الشرق الاوسط. وهو لا يستبعد امكانية أن يوافق النظام الجديد على كل الترتيبات الامنية التي تطالب بها اسرائيل مقابل الانسحاب الكامل من الجولان، بما في ذلك سحب القوات السورية حتى دمشق. سمير نصار، احد قادة المجلس السوري الوطني قال هذا الاسبوع في مقابلة مع "واشنطن بوست" انه من المتوقع أن تقبل سوريا الجديدة المبادرة العربية للسلام.

العقيد احتياط جاك نارييه، الذي كان المستشار السياسي لرئيس الوزراء اسحق رابين، اختلف مع شبيرا وادعى بانه لا يرى النظام السوري الجديد يتطوع لان يكون الاول بين الانظمة الجديدة الذي يقيم سلاما مع اسرائيل. كما أن نارييه لا يؤمن في امكانية أن تصبح سوريا دولة كانتونات، في ضوء تركيبتها السكانية والدينية (نحو 80 في المائة سنة). وعلى حد قوله، فان الرمز الوطني في سوريا قوي جدا وكذا العنصر العلماني. "البنية المدنية للاخوان، التي كانت في مصر في عهد حسني مبارك، غير موجودة في سوريا. الاسلاميون هم جزء من الانتفاضة، ولكنهم ليسوا رأس حربتها"، ادعى قائلا.

وقال نارييه انه في ضوء الضعف المتوقع للنظام الجديد في سوريا، فانه لا يرى ايضا حربا مع اسرائيل في الافق. تسفي مزال، في الماضي سفير اسرائيل في مصر، يعتقد أن امكانية اخرى يجب أخذها بالحسبان هي أن ينجح بشار، الذي لا يزال يظهر قدرة سيطرة على الجيش في ان يبقى كجزء من تحالف جديد يقوم في سوريا. وعلى حد قول مزال، فان الفرضية في انه بعد 6 الاف قتيل لن توافق المعارضة على ابقاء الاسد تستند الى المنطق الغربي. وقال انه "توجد امكانية ان يكون بشار جزءا من تحالف قوى ونقل الحكم يتم بشكل مدروس وحذر. اضافة الى ذلك، يحتمل أن يسعى العلويون الى التخلص منه ويرتبطون بالسنة، دون مواجهة طائفية".

السيطرة

كل المشاركين في النقاش اتفقوا على أن حزب الله وايران سيكونان الخاسرين الاكبرين من سقوط الاسد. وعلى حد قول شبيرا، فقد بدأ حزب الله منذ الان بالاستعداد "لليوم التالي" ويوجد تخوف في ان ينقل جزءا هاما من صواريخ بعيدة المدى في حوزته الى الاراضي اللبنانية، بعد ان احتفظ بها في الماضي في منشآت في الجانب السوري من الحدود منعا لقصف اسرائيلي لها. وهو يقول انه من المعقول ان ينتقل جزء من مواد القتال الكيماوية التي بحوزة السوريين هي أيضا الى يد حزب الله. ولكن ليس واضحا كيف سيعمل حزب الله بعد خلع الاسد.

وعلى حد قول فريق الباحثين، توجد امكانية سيطرة عسكرية من حزب الله على لبنان، ولكن تصعيد التدخل السياسي للمنظمة ممكن ايضا. ومؤخرا فقط بدأ حزب الله يبادر الى تغيير اتفاق التقاسم الطائفي في لبنان والذي كان ساري المفعول منذ 1943، بحيث يحصل على تمثيل مناسب لقوته في الساحة السياسية (حسب الاتفاق، لا يمكن لمواطن من اصل شيعي أن يكون رئيسا أو رئيسا للوزراء). حزب الله يمكنه ان يقترح ذلك على البرلمان الحالي بل وان يمرر المشروع باغلبية الاصوات، ولكن عندها من المتوقع معارضة مسيحية بل وربما عنيفة.

برأي شبيرا، في حالة مطالبة حزب الله بالانتخابات بالطريقة الجديدة التي تناسب قوته وتسمح له بانتخاب رئيس، قد تنشأ حرب اهلية تؤدي الى تحول لبنان الى كانتونات.

المقدم احتياط ميكي سيغال، رجل الاستخبارات السابق الباحث في الساحة الايرانية ادعى بان امكانية أن يسقط الاسد تقلق السلطات في طهران. ولكن على حد قوله اليقظة الاسلامية في أرجاء الشرق الاسط تمنح الايرانيين تعويضا ما. في المنطقة الاسلامية كما يمكن الافتراض، سيكون لهم أسهل بلورة معسكر برئاستهم.

وعلى حد قول سيغال تستثمر ايران الان جهودا كبيرة لنشر الشيعة في "ساحتها الخلفية"، في البحرين، في المناطق الشيعية للسعودية وبالاساس في العراق. وهناك، كما يعتقد فريق الخبراء، تخصص ايران مقدرات ووسائل تشبه تلك التي استثمرتها في لبنان في الثمانينيات من القرن الماضي. ولا تستبعد امكانية أن يصبح العراق ما بعد خروج الجيش الامريكي العضو الجديد في المحور الراديكالي الذي تقوده ايران في المنطقة بدلا من سوريا.

انعدام الاستقرار في الجانب السوري يؤثر ايضا على اسرائيل من عدة جوانب. في المدى الفوري سجل في العام الماضي، في ايار وفي حزيران محاولتا عنف لمتظاهرين اجتياز الحدود في هضبة الجولان، انتهتا بعشرات القتلى بنار الجيش الاسرائيلي. من المتوقع ان تستمر الظاهرة بقوة اكبر كلما احتدمت الاضطرابات الداخلية في سوريا، وستتضمن ايضا محاولات القيام بعمليات من الحدود، مثلما سبق أن حصل في سيناء. وتتابع اسرائيل بقلق وضع ترسانة السلاح لدى الجيش السوري، سواء الصواريخ أم الاسلحة الكيماوية والبيولوجية.

توجد مسألة اخرى اجتذبت حتى الان اهتماما قليلا فقط: الى جانب التسلح المتصاعد بالصواريخ قاد الاسد في الاسنوات الاخيرة خطوة تسلح بصواريخ مضادة للطائرات والدبابات من انتاج روسي. والصواريخ المضادة للطائرات كفيلة بان تقيد حرية عمل سلاح الجو الاسرائيلي في الساحة الشمالية. التوتر في الجيش السوري، الى جانب التحسن في قدرته يزيدان خطر وقوع حادثة مع طائرات اسرائيلية في الشمال في هذه الفترة.