خبر علي بدوان يكبت / عن شهيد أسمه وسام خالد سعدية

الساعة 08:45 ص|06 يناير 2012

علي بدوان يكبت / عن شهيد أسمه وسام خالد سعدية

فلسطين اليوم- وكالات

في سلسلة كتب «كواكب التحرير»، أصدرت دارا القدس والمصير بدمشق نهاية عام 2011، كراساً بعنوان الشهيد «وسام خالد سعدية»، من إعداد الطبيبة الفلسطينية دلال السلطي، ومحمد شاهين.

الكراس تناول في ثناياه قطوفاً من نثريات وأشعار ومحاولات تركها بخط اليد، الشهيد وسام سعدية، ابن الستة عشر ربيعاً، والطالب في المرحلة الثانوية، وقد استشهد على جبهة الجولان أثناء العبور السوري الفلسطيني لمئات الشبان والمواطنين من سورية وفلسطين باتجاه فلسطين من معبر بلدة مجدل شمس السورية المحتلة يوم الخامس من حزيران 1967.

في ملحمة العبور إلى فلسطين، قضى وسام سعدية شهيداً مساء الخامس من حزيران عام 2011، كانت بالنسبة له ملحمة العبور المقدس إلى فلسطين، عندما عبرها للمرة الأولى في الخامس عشر من أيار ومن الموقع ذاته، محاولاً الوصول إلى طبريا موطنه الأصلي في فلسطين.

في النصوص التي تركها بخط يده، نقرأ نصوصاً نثرية وشعرية، ومحاولات تخفي في داخلها طاقة كامنة هائلة لحالة واعدة، كان لها أن تكون حالة فلسطينية متميزة.

الشهيد وسام خالد سعدية، من مواليد مخيم اليرموك 1995، والده من طبريا، ووالدته من يافا. درس المرحلة الابتدائية في مدرسة النقب التابعة لوكالة الأونروا، والمرحلة الإعدادية في مدرسة الكرمل التابعة للأونروا أيضاً.
أما المرحلة الثانوية، فكان قد بدأها في ثانوية الشهيد فايز منصور التابعة لتربية دمشق، والواقعة في منطقة الحلبوني وسط دمشق. واستشهد وهو في الصف العاشر «الأول الثانوي» أثناء الإعداد لفترة الامتحانات الفصلية الثانية للعام الدراسي 2010/2011.

كان وسيم خالد سعدية، شاباً وسيماً اسماً ومضموناً. كان فتى فلسطينياً رائعاً، يحمل قسمات وطن استثنائي، لشعب استثنائي، ينتمي للشعب الفلسطيني الواحد الموحد في الداخل والشتات، ولفلسطينيي سورية، الذين باتوا «أعرف من التعريف» في الوطنية والالتزام، وفي الإقدام والشهادة من أجل وطنهم التاريخي رغم السنوات الطويلة من عمر النكبة والولادة خارج فلسطين في ديار المنافي والشتات.

تحول الفتى وسام، إلى حالة شبابية فلسطينية صاعدة، فكان ألمعياً في جيله الصاعد، ذكياً، طيب السيرة والسريرة، يحمل موهبة شاعر، وموسيقي، محبوب، خفيف الدم، صاحب إحساس مرهف، خلوق في معشره.يحمل حماساً منقطع النظير لفلسطين. كتب في نثرياته يقول:

 

أنا من فلسطين... قصيدتي وترنيمي... عهدي وتصميمي... بعدي عنها يبكيني
وحبها يرويني... جرحها يدميني... وسقمها يعنيني... وقصتي مع فلسطين...
قصة العاشق المتيم بدأت منذ عشرات السنين... أرجوك سجل عندك ولا تخف...
سجلها شامخة كالجبال... وخطها من دم شراييني... سـأقولها وبأعلى صوت
... سجل أنا من فلسطين

 

كانت نكسة ونكبة أبويه، أنه وحيدهم إلى جانب شقيقتين وقد استشهد بيد عدو فاشي لم يرتدع حتى الآن، فبكاهبحسرة كل أبناء مخيم اليرموك، لكن لوعة البكاء زادتهم إصراراً على السير قدماً في الطريق المقدس نحو فلسطين طال الزمن أم قصر.

الشهيد الوسيم وسام خالد سعدية، كتب ديوانه الشعري الأول وهو على مقاعد مدرسة النقب التابعة للأونروا، وهو في الصف التاسع، وفي مقدمة ديوانه الشعري المخطوط بقلمه وبيده يقول في نثرية تحت عنوان (يا لذيذ يارايق):

 


إن شاء اللـه تعرف تقرأ خطي المفشكل
هادا طبيعي حتى بالبيت أهلي بغراضي بتتشركل
حتى أوراقي أهوى منظرها على الأرض عندما أرميها وبتتكعبل
كتبي هنا، وهنا حقيبتي، وحتى ملابسي تعرفني هنا وهنا
وأنا وأمي دائماً في مشكل
هذا أنا طالب الثانوية.. وسام خالد سعدية
فهل من حل لعقلي المبعثر

 

في نثرياته ومحاولاته يكتب إلى وطنه فلسطين، وإلى مدينته طبريا، التي استشهد حالماً بها دون أن يكتمل حلمه برؤيتها كما أراد عندما عبر بلدة مجدل شمس، مردداً صوت جده من والده ينادي «وينك ياسمك طبريا». بينما كان جده والد والدته «من عائلة سباح» الذي قضى تسعة وثلاثين عاماً من عمره في صفوف جيش التحرير الفلسطيني في سورية يقول له: أنا لم أصطد من سمك طبريا، بل كنت ألعب على شاطئ يافا.

حارب جده والد والدته في حرب تشرين على جبهة الجولان في صفوف جيش التحرير الفلسطيني، وفي حرب الاستنزاف، وكان من المقاتلين البواسل أثناء حصار بيروت عام 1982، وتوفي وهو يغني لحفيده وسام عن فلسطين، ويرد على أسئلته التي لا تنتهي. لينطلق ويكتب لفلسطين، التي أصبحت بعرفه ليست ككل بقاع الأرض، وفضاؤها ليس كأي فضاء، فهي الأقدس على وجه المعمورة، فلسطين «إن فيها قوماً جبارين».

وسام خالد سعدية، كوكب دري، له من العمر ستة عشر ربيعاً، أبى إلا وأن ينضم إلى تلك النجوم الساطعة في سماء فلسطين.

ذهب إلى الجولان، ليعبر نحو فلسطين، وإلى بحيرة طبريا، التي عشق سيرتها الشفوية من أسرة والده ومن جديه من والده ومن والدته. فسعى هذا الكنعاني من قلب الشتات ليكسر زمن القيء والزهري والسعال، سعى ليرسم بابتسامته الحزينة وجه فلسطين الجديد وليبني بربيع عمره سقف السماء.

أخته الكبرى دانيا، خاطبته في وداعه في مخيم اليرموك وأمام جموع الناس أثناء تأبينه، قائلة له: أنت بنيت هرماً لعزة عائلتنا، لقد أخذت طفولتي، وشبابي وتركت لي حسرة وألماً، وتركت لي فخراً سيتوارثه أولادي من بعدي، فخر لا يموت... حبيبي أبو السيم: معك السلامة، يا أخي وصديقي وخليل الأيام الجميلة.

والدته، تقول، كان يرى في فلسطين نور الجنة، يرتدي ملابسه كل صباح وصوته يرن بأذن والدته، ويقول لها: أنا حلو يا أمي، فتقول له «بتوخد العقل».

كتب لأمه في أشعاره ونثرياته تحت عنوان «تؤبر قلبي» :

 


أمي تسلب مني كياني
لمستك أمي على جبيني
تخجلني.. كلماتك تلهب بركاني
لن أعاندك يابحر الحنان
أنت التي يحق لك أن تدخلي عليّ
دون استئذان
تقتربين مني وأضع رأسي على حضنك
تهمسين همساً يشبه السحر
فأنجذب إليك، أحسب نفسي في الجنان
خوفك عليّ دائماً في ذاكرتي، ويجعلني أعاني
قفي أمي بجانبي دوماً وغني لي أجمل الألحان
الصدق الذي ينبع من قلبك يجعلني أعشقك
عشق محمد للقرآن.. رحماك ربي
احميها لي يارب الأكوان
فأنت من جعلت الجنة تحت أقدامها
فبرضاها أنا في الجنان
إليك أمي الحبيبة من وسام