خبر الكتابات على الحائط .. هآرتس

الساعة 11:27 ص|02 يناير 2012

بقلم: جدعون ليفي

(المضمون: اسرائيل لا تريد السلام برغم اعتدال المواقف الفلسطينية وبرغم تصريح حماس بأنها تتخلى عن الارهاب فما الذي تريده اسرائيلٍ - المصدر).

الكتابات منقوشة في الحائط واحدة بعد اخرى، حادة وواضحة: فقد أمر خالد مشعل بوقف الارهاب على اسرائيل ويقول ان منظمته ستكتفي باحتجاج شعبي؛ وتصرح حماس بأنها تؤيد دولة فلسطينية في حدود 1967؛ وتخلت السلطة الفلسطينية عن تجميد الاستيطان باعتباره شرطا لتجديد المحادثات مقابل اطلاق سراح 100 سجين، فماذا نطلب بعد؟.

ومن الجانب الثاني ايضا الكتابات واضحة وحادة: فاسرائيل تتجاهل تغييرات المواقف الفلسطينية، وأكثر وسائل الاعلام تعُميها بصورة منهجية، وتقول مصادر أمنية: "لا نعلم" و"الحديث عن تغيير تكتيكي فقط". وترفض اسرائيل ايضا شرط السلطة الضئيل لتجديد المحادثات. لا، لا، لا كما كان الرفض الاسرائيلي في أوضح صوره.

لكن اسرائيل هذه المرة لا تكتفي بهذا: ففجأة وفي الذكرى الثالثة لعملية "الرصاص المصبوب" تصدر عن جوقة القيادة الامنية تهديدات بهجوم على غزة. فرئيس هيئة الاركان، وقائد المنطقة الجنوبية السابق وقائد اللواء الجنوبي، كلهم يقولون انه لا مناص من الخروج لعملية "الرصاص المصبوب الثانية"، بل ان قائد اللواء وعد بأن تكون "أكثر ايلاما" و"أقوى" من سابقتها. أهي أكثر ايلاما من "الرصاص المصبوب" الفظيعة يا قائد اللواء؟ هذا هو رفض السلام الاسرائيلي الدائم – فنحن ننظر الى الفلسطينيين بجدية حينما يتحدثون عن الحرب والارهاب فقط، لكن حينما يتحدثون عن السلام والتفاوض نرفض كلامهم. لكن لماذا الهجوم على غزة؟ لماذا، ما الذي حدث؟ هل يستطيع أحد ان يفسر اصوات طبول الحرب المؤذية والخاسرة سوى بحاجة اسرائيل الراسخة الى التهديد؟ لكن التجربة تعلمنا ان اسرائيل لا تنبح فقط وأن لتهديداتها حراكا ذاتيا.

نُذكر رئيس هيئة الاركان المهدِّد وقائد اللواء المتحمس بأن "الرصاص المصبوب" الاولى سببت لاسرائيل ضررا عظيما. ربما لا يرون هذا من الثكنات العسكرية لكن الرأي العام في العالم غيّر على أثرها علاقته باسرائيل بصورة حادة. فأصبحت اسرائيل معزولة كما لم تكن قط، وانتقشت صور غزة عميقا في وعي العالم. ونُذكر الضباط بشيء آخر وهو ان مصر جديدة أخذت تنشأ أمام أعيننا، مصر التي يبدو أنها لن تقف جانبا ازاء هجوم وحشي آخر على قطاع غزة الذي عاد ليقوم في ساحتها الخلفية. والاخوان المسلمون الصاعدون هم إخوة حماس ويحسن ألا نتحرش بهم لغير حاجة. افتخر الجيش الاسرائيلي في نهاية الاسبوع بأن قواته قتلت 100 فلسطيني في غزة في السنة الاخيرة، وهي سنة لم يُقتل فيها اسرائيلي واحد، والحمد لله. وهكذا "حسّنا" التناسب المخيف لقتلى "الرصاص المصبوب": حيث كانت النسبة 1: 100 في تلك العملية وأصبحت صفرا: 100 في السنة التالية بعدها. وهذه أسعار حملة تنزيلات. وجاءت رشقات الصواريخ على الجنوب غير المحتملة في الحقيقة كلها تقريبا ردا على عمليات اغتيال الجيش الاسرائيلي في غزة، فما لنا والحرب الآن؟.

لو ان اسرائيل كانت تبحث عن السلام بصورة أكثر بقليل لسارعت الى مباركة تغييرات المواقف الفلسطينية، وما كان هذا ليضر بمصالحها الحقيقية قيد أنملة. ولو أنها كانت أكثر منطقية بقليل لحاولت ان تتحداهم على الأقل بأن تقول هلّم نطلق 100 من أسرى فتح من غير اختطاف جندي هذه المرة ولنعد الى طاولة المباحثات التي نكثر الحديث عنها. لكن بدل تشجيع الاعتدال الحقيقي أو الوهمي والاستراتيجي أو التكتيكي تسارع اسرائيل الى خنقه في مهده. ولماذا تعتدل حماس اذا كان الرد الاسرائيلي تهديدا لغزة؟ ولماذا تُليّن السلطة مواقفها اذا كان الرد هو الرفض؟.

ان اسرائيل مشغولة الآن بالبصقة في شارع "هحزون إيش" وليس لها اهتمام بحل مشكلاتها الاخرى التي هي أكثر مصيرية. لكن ليس لها الآن أي سبب يدعوها للخروج الى هجوم آخر على غزة، وقد رأينا ما الذي فعله سابقه. أصبح من الممل شيئا ما ان نكتب هذا (وان نقرأه ايضا): لا شيء يعرض اسرائيل للخطر أكثر من عدم وجود تسوية مع الفلسطينيين. ولا يقل عن هذا مللا ان نعود ونسأل: اذا كان لا يوجد إلا الرفض القاطع فما الذي تريدونه؟ لا تريدون السلطة ولا حماس ولا عباس ولا مشعل ولا اوروبا ولا امريكا ايضا، فمن تريدون؟ وفوق كل ذلك الى أين نتجه؟ ان الكتابات على الحائط منقوشة واحدة تلو اخرى حادة واضحة وهي تثير الكآبة وهي مقلقة جدا.