خبر مدريد – جولة ثانية .. هآرتس

الساعة 11:24 ص|02 يناير 2012

بقلم: ايتان بنتسور

(المضمون: الدعوة الى تجديد مؤتمر مدريد بصورة محدثة مع اختبار كل الامكانات من اجل التوصل الى سلام بين جميع الأطراف - المصدر).

بعد عشرين سنة من مؤتمر السلام في مدريد يمكن النظر الى الوراء بغضب وتوق وخشية شديدة. كان مؤتمر مدريد من الاحداث المهمة في تاريخ دولة اسرائيل والشرق الاوسط، فلاول مرة تم تهيئة الارض وتم انشاء اطار تفاوض شامل لسلام بين اسرائيل والفلسطينيين والدول العربية. هذا الى انه بدأ التباحث في تحديات المنطقة – الماء والبيئة والاقتصاد واللاجئين ورقابة السلاح. وقد حدد رئيس الولايات المتحدة آنذاك جورج بوش الأب ووزير الخارجية جيمس بيكر مباديء التفاوض وأهدافه وهي ان الامن والاراضي والسلام مقرون بعضها ببعض.

قُضي بأنه ينبغي اجراء التفاوض في عدل مع توجه براغماتي للمصالحة، وأنه ينبغي ان توجد طرق لاحراز هدف السلام بالمعنى الغني، أي بعلاقات دبلوماسية واقتصادية وتجارية وثقافية بين اسرائيل والدول العربية والفلسطينيين. وأوضح بوش وبيكر ان الحديث عن مسيرة مركبة طويلة مرصوفة بالعقبات. على هذا النحو فقط يمكن التقدم نحو الهدف الذي البديل عنه الاضطراب والهرج. ويمكن ان نتذكر في توق روح الأمل التي غطت المنطقة، والسلام والنماء والتقدم.

كان ذلك بدء شرق اوسط جديد. ان مجتمع الاعمال العالمي مستعد للاسهام بنصيبه في ان يدفع الى الأمام بمشروعات باستثمارات ضخمة جدا. وقد شهد مؤتمرا الدار البيضاء وعمان على هذا التوجه الذي لو تم استنفاده لغيّر وجه الشرق الاوسط ورفع مستوى عيش سكانه. لكن الطريق الواعدة الى سلام شامل أُغلقت. ووجه النشاط السياسي الى المسار الضيق لتفاوض في المسار الفلسطيني مع تخلي عن تفاوض في سلام شامل. ولم ينجح هذا التوجه نجاحا حسنا، بحساب تاريخي.

يمكن ان نغضب على أخطاء واضاعة فرص وارهاب فتاك وجر أقدام. ويمكن ان نغضب لأن اقتراح رئيس الحكومة السابق اهود اولمرت المبالغ فيه على رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس لم يحظ برد مناسب من عباس بحجة باطلة، وهذه شهادة اخرى على أمد بقاء خائب. لكن في حين بقي كل شيء في الصعيد الاسرائيلي الفلسطيني يراوح مكانه فان الخطر على ثبات السلام بين اسرائيل ومصر والاردن أخذ يزداد. فالشرق الاوسط أخذ يبتعد ويترك طريق السلام نحو الغليان والاشتعال.

ان الثورة العربية التي هي موضوع أمل كثيرين، تثير مخاوف شديدة من الانزلاق الى تأجيج غرائز الاسلام المتطرف. وشبيه هتلر في القرن الواحد والعشرين في ايران يهدد بالقضاء على اسرائيل ويحشد قدرة لاحراز هذا الهدف. وانظمة الحكم في الدول العربية المعتدلة تتضعضع وتتعرض لهجوم التطرف الاسلامي. كل شيء يغلي واسرائيل في عزلة غير براقة. ان الدارة في الغابة محاصرة.

يجب على المجتمع الدولي ان يعمل في الحال وان يحاول وقف هذا التوجه الخطير. وقد أيد المجتمع الدولي ثورة الربيع العربي مع اخلاص لقيمها الاجتماعية والسياسية حتى بالمخالفة عن مصالح واضحة. في اجتماع في شأن مؤتمر مدريد تم في واشنطن قبل شهرين، ذكر بيكر مبارك باعتباره كان حليفا مخلصا للسلام في الشرق الاوسط. ويجب على المجتمع الدولي ان يطلب الى الدول التي تمت فيها الثورات بمساعدة منه ألا تنحرف عن طريق السلام وان يوجهها الى مسار مدريد.

ينبغي انشاء آخر جسر فوق الماء العكر في المنطقة وتجديد مسيرة مدريد بصورة محدثة لتكون معادلة للتوجه العسكري المتطرف المعادي لاسرائيل. وينبغي ان يُحث من جديد تفاوض توضح فيه جميع الشؤون والامكانات: الامن وحدود قابلة للدفاع عنها وعناصر المبادرة السعودية والاقتصاد والتطوير الاقليمي. وينبغي دعوة مشاركات جديدات كليبيا والعراق. وينبغي انشاء لجنة خاصة برئاسة الولايات المتحدة وروسيا من اجل التربية على التسامح وحقوق الانسان. وفي هذا الاطار ينبغي تجديد التفاوض مع الفلسطينيين. ويدعى للمشاركة كل من يؤيد السلام ومباديء وأهداف مدريد.

يوجد ما لا يحصى من اسباب المعارضة والشك والتخلي عن المبادرة: سيزعمون أنها وهم وأنه لا بقاء لها وأن الفرق لا يمكن التقريب بينه. وتستطيع الدارة في الغابة ان تحصر عنايتها في الخيار العسكري الذي يقوم على توازن رعب. لكن مسيرة مدريد المجددة هي آخر جسر فوق الماء الهادر من اجل جعل مسارات السلام والتطوير الاقليمي ذات جدوى. ان طريقا طويلا كثير العقبات والتناقضات نحو نوع من السلام في المنطقة أفضل من طريق قصير يؤدي الى تحطمها. وان امتحان الوهم في امتحان الواقع أفضل من انتظار التسونامي بصورة واعية.