خبر منظمة التحرير نحو آفاق جديدة .. طلال عوكل

الساعة 07:52 ص|01 يناير 2012

منظمة التحرير نحو آفاق جديدة .. طلال عوكل

خطوة أخرى على الرغم من أبعادها الاستراتيجية، إلا أنها لم تبدد الشكوك بشأن إمكانية نجاح المصالحة الفلسطينية، فضلاً عن أنها لم تبدل مزاج الشارع الفلسطيني الذي لا يزال يبدي مشاعر اللامبالاة والتشاؤم، طالما لم تتشكل الحكومة الموعودة التي تتفهم الجماعات والفصائل الأسباب التي يوردها الرئيس محمود عباس، لتأجيل إعلانها إلى ما بعد السادس والعشرين من شهر يناير العام المقبل.

 

اجتماع الإطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير الفلسطينية بحضور كل الأمناء العامين للفصائل، بما في ذلك وأساساً حركتا حماس والجهاد الإسلامي، يشكل مجرد بداية لمرحلة فلسطينية جديدة في ما يتصل بأهم مفاصل العمل الوطني والتي تتصل بالتمثيل والشرعية، وبناء الشراكة السياسية، بناء لمعادلات وتوازن قوى وآمال مختلفة.

 

منذ أن تأسست حركة حماس في الرابع عشر من ديسمبر 1987، وحتى قبل ذلك حين كانت لا تزال تعمل تحت يافطة المجمع الإسلامي، وهي لا تعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب الفلسطيني، ذلك أنها طرحت نفسها كبديل للمنظمة من موقع الاختلاف الإيديولوجي والسياسي. وتجسيداً لتلك الوجهة، كانت حركة حماس خلال الانتفاضة الشعبية الكبرى التي اندلعت في فلسطين عام 1987، واستمرت نحو 6 سنوات، تعمل ضمن إطار منفرد موازٍ للقيادة الوطنية الموحدة التي كانت تضم فصائل منظمة التحرير الفلسطينية.

 

ويبدو أن ثلاثة عوامل أساسية أسهمت في إقناع أو دفع حركة حماس للقبول بمبدأ الانخراط في إطار منظمة التحرير، مع أننا نتحدث عن بدايات لا تزال تعترضها عقبات كثيرة، حتى تصبح الحركات الإسلامية جزءاً لا يتجزأ من المنظمة برنامجاً وإطاراً وآليات عمل.

 

العامل الأول يتصل بصمود منظمة التحرير الفلسطينية على الرغم من محاولات شطبها والأزمات التي عانت منها في المرحلة الممتدة من عام 1982، وحتى توقيع اتفاقية أوسلو في العام 1993.

 

وعلى الرغم مما اعترى المنظمة ودورها، وهياكلها وآليات عملها من تراجع وترهل وضعف خلال المرحلة التي تلت قيام السلطة الوطنية الفلسطينية في مايو 1994، إلا أن الأحداث المتلاحقة وفشل عملية السلام، جاءت لتؤكد وجودها كضرورة وطنية وتاريخية، ولكن لتؤكد أيضاً صعوبة، إن لم يكن استحالة، النيل من قوة وشرعية تمثيلها للشعب الفلسطيني على مختلف الصعد.

 

وفي هذا الإطار يمكن القول إن فوز حركة حماس بأغلبية مقاعد المجلس التشريعي في الانتخابات التي جرت في يناير 2006، وما تلا ذلك من أحداث داخلية وانقسام خطير، لم يسعف حركة حماس على تجاوز المنظمة، ذلك أنها على الرغم من مرور خمس سنوات على تلك الانتخابات، إلا أن الحركة لم تنجح في الحصول على الشرعية العربية والدولية.

 

العامل الثاني له علاقة بتغير موازين القوى الداخلية، فالفارق كبير بين أن تلتحق حركة حماس بمنظمة التحرير الفلسطينية، في ظل هيمنة حركة فتح على المنظمة ومؤسساتها، وبين أن تنخرط فيها وهي تملك قوى موازية تقريباً لقوة حركة فتح، وتشكل نداً قوياً وعنيداً لها، ووفق شروط أيضاً مختلفة لا تخضع لها من موقع الضعف، وإنما تشارك في صياغتها.

 

هذا يعني أن حركة حماس، قد اتخذت قراراً بخوض المنافسة مع حركة فتح، والفصائل الأخرى الموجودة تاريخياً في منظمة التحرير، على من يسيطر على المنظمة، واستناداً إلى آليات الديمقراطية والانتخابات. إذا صدقت النوايا، والتزمت كافة الأطراف بالنهج الديمقراطي لإعادة تطوير وتفعيل منظمة التحرير ومؤسساتها، وبرنامجها وخياراتها، فإن حركة حماس ستضمن لنفسها دوراً أساسياً وفاعلاً، وقد تنجح في أن تكون القوة الأكثر تأثيراً بما يمكنها من الاستيلاء على المنظمة بكل ما تمثل.

 

العامل الثالث له علاقة ببعض دروس الربيع العربي، إذ لم يعد ممكناً أو مقبولاً استمرار ظاهرة حكم الحزب الواحد. بعد النموذج التركي لحكم الإسلام السياسي، تقدم كل من تونس ومصر والمغرب تجارب جديدة في نظام الشراكة السياسية، التي تلعب فيها جماعات الإخوان المسلمين التي تنتمي إليها حركة حماس، دور الشريك الأكبر، والمستعد لتغيير الصورة والانطباعات النمطية للإسلام السياسي.

 

وإذا كانت هذه هي العوامل الأساسية التي تدفع حركة حماس للقبول بخوض "مغامرة" الانخراط في منظمة التحرير، وخوض المنافسة ديمقراطياً على الإطار الوطني الأهم في مرحلة التحرر، فإن هذه الخطوة تشكل من ناحية أخرى، ضربة قوية وتاريخية للمخططات الإسرائيلية التي راهنت منذ فترة طويلة على "وغذت" الانشقاق والصراع الفلسطيني حول مسألة التمثيل السياسي والشعبي والوطني

 

. إن "إسرائيل" التي تلاعبت بالانشقاق والخلاف الفلسطيني على التمثيل، لم تتمالك نفسها ولم تخف فرحها الشديد، بوقوع الانقسام والصراع في يونيو عام 2007، ذلك الانقسام الذي اعتبره رئيس دولة "إسرائيل" شمعون بيريز، واحداً من أهم ثلاثة إنجازات تاريخية حققتها "إسرائيل".

 

ضربتان في الرأس توجعان، فاتفاق الفلسطينيين على إنهاء الانقسام، والتوجه نحو المصالحة، وإعادة، بناء الوحدة الوطنية، وبداية تكريس وتوحيد الفلسطينيين في إطار منظمة التحرير الفلسطينية كقيادة ومرجعية وكيان معنوي، وممثله الشرعي والوحيد، كل هذا يكفي لأن يستفز مشاعر الغضب والرغبة في الانتقام لدى القيادة الإسرائيلية المتطرفة.

 

الرد الإسرائيلي الفوري اتخذ اتجاهات عدة، إذ يناقش الكنيست مشروع قانون يتعلق باعتبار القدس عاصمة للشعب اليهودي، بعد أن كان الكنيست اتخذ قراراً في يوليو 1980، باعتبارها عاصمة أبدية موحدة ل"إسرائيل"، وفي الوقت ذاته تعلن الحكومة الإسرائيلية عن مخططات لبناء نحو 24 ألف وحدة سكنية في الضفة الغربية، بما في ذلك القدس.

 

ليس هذا فحسب، بل يعلن نتنياهو أن الرئيس الفلسطيني لم يعد شريكاً، وأن "إسرائيل" لن تتابع العملية السياسية في حال شاركت حماس في السلطة والمنظمة، هذا بالإضافة إلى تصاعد لهجة التهديد بارتكاب عدوان عسكري واسع ضد قطاع غزة. والحال هو أن على الفلسطينيين المتوجهين نحو المصالحة وإعادة بناء الوحدة عبر منظمة التحرير الفلسطينية، عليهم الإدراك، بأن تحقيق هذه الإنجازات.

 

وهي طبيعة تاريخية، يتطلب إظهار الاستعداد المشترك لدفع الثمن، الأمر الذي يستدعي الثبات على المواقف، وتمكين الإرادة الوطنية الجماعية، وتحصين عملية الصمود، ومجابهة التحديات الإسرائيلية الخطرة. إن تصحيح الأخطاء أو الخطايا الكبرى، لا يمكن أن يمر من دون أثمان، فقد يتسامح الفلسطينيون بين بعضهم البعض، ولكن لا يمكنهم انتظار التسامح من قبل عدو له خصوصية العدو الإسرائيلي.