خبر ألم نبالغ مع الحريديين؟ -هآرتس

الساعة 09:00 ص|29 ديسمبر 2011

ألم نبالغ مع الحريديين؟ -هآرتس

بقلم: جدعون ليفي

(المضمون: الضجة في المجتمع الاسرائيلي على الحريديين مبالغ فيها وفي المجتمع اشياء وجماعات أخطر كثيرا على صبغة الدولة ومستقبلها من الحريديين لا يحتج عليها أحد - المصدر).

        خرجت حملة التهييج على الحريديين، كل الحريديين عن كل تناسب، كما كان متوقعا. لكن ليُفرخ روعكم، ففضيحة هذا الاسبوع ستخفت سريعا. ستعود الكلمة المقلقة "استبعاد" الى المعجم وستعود بيت شيمش الى عزلتها ومجهوليتها وستختفي مثلهما ايضا دقائق المجد لأبطال الساعة، البنت التي بصقوا عليها والمرأة التي جلست في مقدمة الحافلة؛ وستعود اللافتات قرب كنيس "تولدوت اهارون" الى مكانها في شارع هحزون إيش، وستعود المرأة الحريدية الى طبيعة حياتها التي تبدو مظلمة واهية في نظر الأكثرية وسنصبح جميعا مشغولين بالفضيحة التالية، وقد يكون هذا أفضل.

        كانت تلك عاصفة مفتعلة: فاللافتات كانت هناك سنين الى ان التقطتها آلة تصوير التلفاز. وكانت البصقة مهينة لكن الفضيحة كانت مبالغا فيها – لأن رصاصة قاتلة في رأس بنت فلسطينية في المناطق لم تُثر قط عاصفة كهذه. والاضطراب الضخم الذي نشب في يوم الاثنين من هذا الاسبوع في بيت شيمش، والشرطي الجريح والحريديين المعتقلين، انفجر فقط لأن وسائل الاعلام جاءت الى هناك. وستُنسى هذه الحادثة ايضا. كنت هناك وتهشم البيض قُربي، وهتف بي الحريديون قائلين "نازي، نازي"، ولم أنجح مع كل ذلك في ان أغضب عليهم أو أكرههم. ثار المجتمع العلماني عليهم بكراهية متقدة كاسحة وردوا عليه بمشاعر مشابهة.

        ان بيت شيمش تصبح حريدية، فما الذي نستطيع ان نفعله. من حق الحريديين ان يسكنوا فيها وأن يعيشوا فيها كما يريدون ما لم يفرضوا صبغة حياتهم على العلمانيين ولم يضروا بهم. وانطبع في ذهني أنه يوجد في القرية الحريدية كثيرون لا يريدون سوى ان يدعوهم وشأنهم. والتقيت هناك مع سكان غير قليلين تحدثوا في الغرف المغلقة وفي غرف الحريديين في خوف ومنطق وعبروا عن رغبة في الحياة معا. وهم ايضا ضحايا عنف وارهاب أقلية من المتطرفين ينبغي علاجهم هم فقط. أما حشر الحريديين جميعا في الزاوية وتأجيج الغرائز المنحط عليهم فلا يقل انحطاطا عن تأجيج الغرائز على العلمانيين ولن يفضي سوى الى تطرف والى توحد المعسكر الحريدي كله على العلمانيين ولن يخدم هذا شيئا.

        قد تكون اسرائيل ايضا تتحول الى الحريدية. وهذه بالطبع أخبار سيئة تهدد كل علماني باحث عن الحرية، لكن لا يمكن وقف هذا الاتجاه بالقوة. فمن حق الحريديين ان يسكنوا في كل مكان، في رمات افيف وفي بيت شيمش. ومن الواجب على الأكثرية العلمانية ان تناضل للحفاظ على صبغة حياتها لكن دون ان تغير صبغة حياتهم لأنه لن يمكن التغيير بالقوة.

        بخلاف ما يحب العلمانيون توهمه في أنفسهم، ليس كل شيء أسود في حياة الحريديين، كما أنه ليس كل شيء أبيض ناصعا في حياة العلمانيين. وما لم يضر الحريديون بانسان فمن الواجب احترام نهج حياتهم. فبخلاف المستوطنين مثلا الذين يضرون بأبناء شعب كامل (ولا يكادون يثورون عليهم) بمجرد عيشهم في المناطق، لا يضر أكثر الحريديين بذبابة. فليُصلوا ولينطووا على أنفسهم وليتحدثوا بلغة اخرى وليلبسوا بصورة مختلفة وليتصرفوا تصرفا مختلفا: يجب قبول هذا.

        اسرائيل الآن في حرب ثقافية وربما ايضا في حرب دينية، في اطار طريقها الطويل الى صوغ مجتمعها وصوغ هويتها. وستكون نتائج هذه الحرب مصيرية، فاننا سنعلم في نهايتها هل يكون لنا هنا مجتمع علماني أم ديني وديمقراطي أو ثيوقراطي أو فاشي، وغربي أو غيره. وكل هذا اسئلة ما تزال بعيدة عن الحسم.

        للأسف الشديد ليس الحريديون هم وحدهم أعداء التنور والحرية حولنا، وأشك في ان يكونوا الأشد خطرا. لكنهم كيس ملاكمة سهل ومريح. لم يُثر أي سن قانون معاد للديمقراطية من قبل ممثلي حزب التنور كديما هنا الكراهية والغضب والخوف مثل اللافتة البائسة في شارع "هحزون إيش". بيد أن هذه القوانين أكثر تهديدا لاسرائيل وصبغتها بكثير من اللافتة التي تدعو النساء الى التحول عن الرصيف.

        ربما يجب ان نكافح اللافتة بالقدر المتواضع الذي تستحقه، لكن هذا كفاح هامشي. فالمشكلة هي أن الكفاحات المهمة والحلبات التي هي أشد خطرا تتركها اسرائيل. في هذا المجال العام الذي نهض حتى بنيامين نتنياهو للدفاع عنه الآن توجد أخطار أكثر تهديدا لا تثور عليها مجموعات الاحتجاج.