خبر هل هي حكومة مصالحة فعلاً؟ ..د. ناجي صادق شراب

الساعة 08:02 ص|27 ديسمبر 2011

هل هي حكومة مصالحة فعلاً؟  ..د. ناجي صادق شراب

 

 

 

تبدو المصالحة الفلسطينية لا تحتل أولوية عليا لدى كل من القوتين الرئيستين فتح وحماس انطلاقاً من فرضية أن كلاً منهما تعتقد أنها على صواب والأخرى على خطأ، ومن فرضية أن واقع الانقسام البنيوي الذي تجذر مع حالة الانقسام السياسي بين شطري الوطن الفلسطيني قد أوجد قوى ومنافع ليس من السهل التخلي عنها، من أجل مصالحة يرى أنها ليست مستعجلة في هذه المرحلة التي تمر بها المنطقة بتحولات كبيرة قد تدفع في اتجاه مصلحة إحداهما، إضافة إلى عامل الوقت لانتزاع مزيد من المكاسب السياسية التي يتم تحقيقها نتيجة الانقسام السياسي.

 

ومن هذه المنافع التي تثير جدلاً قوياً وتدور حولها لقاءات المصالحة في دائرة مفرغة وجود حكومة في غزة وأخرى في الضفة، وكل حكومة تعتقد أنها حققت إنجازات لا يمكن التنازل عنها بسهولة لمصالحة قد تعيد الوضع إلى الوراء، أو قد يترتب عليها فقدان لبعضها، وأهمها وهو رئاسة الحكومة في الحالتين.

 

ومن هذا المنظور تشكل عقبة الحكومة تحدياً خطراً قد يجهض أي محاولة لمصالحة حقيقية. وهنا التساؤل: هل الأولوية لبقاء الحكومة أم للمصالحة؟ الإجابة المعلنة أن الأولوية للمصالحة، وليست إلى أي من الحكومتين اللتين تحتاجان مثل بقية مؤسسات السلطة السياسية إلى تجديد للشرعية السياسية من خلال انتخابات شعبية حقيقية. وخروجاً من مأزق الحكومة والمصالحة تتعدد الرؤى والمقترحات والحلول وكل منها قد يشكل هروباً من الحل الجذري الذي يقوم على استئصال كل أسباب الانقسام تحت أي ذريعة من الذرائع غير المبررة. ومن هذه الاقتراحات بقاء الحكومتين مع الموافقة والتسليم بإجراء الانتخابات في موعدها المتفق عليه في مايو/أيار المقبل، وهي فترة قصيرة لإجراء الانتخابات، لأن المصالحة تحتاج إلى ما هو أبعد من التوقيع على ورقة مصالحة، لأنها تحتاج إلى مصالحة مجتمعية، وإجراءات ومواقف وسياسات متعدده تعالج كل التناقضات المجتمعية، وأبرزها إزالة العداوة والكراهية والتنافر المجتمعي بين أبناء الشعب الواحد. وهذه مشكلة وإن كانت ليست سهلة، لكنها في الوقت ذاته ليست صعبة الحل والعودة بالمجتمع الفلسطيني إلى فطرته الأولى من المصالحة مع الذات. 

 

والمقصود بذلك عودة روح المصالحة إلى جسد مزقتة وسممته حالة الانقسام السياسي الطويلة، وغرست في داخله قيم الرفض والنفور والتصادم والاستعلاء تسببت بها سياسات أمنية قاسية، وروح من الانتقام والملاحقة لكل من ينتمي إلى أي من القوتين. وعلى الرغم من أن هذا اقتراح قد يعكس وجهتي نظر متعارضتين، الأولى تعطي المصالحة أولوية وترى أنه لا مانع من بقاء الحكومتين إذا كان وجودهما يقودها أو يحققها، والثانية التي قد تضمر نيّات غير تصالحية، التي ترى أن في بقاء الحكومتين ما يضمن أن تحافظ كل منهما على المكاسب التي حققتها على الأرض، وأن في بقائهما خط رجعة عن أي خطوة للمصالحة قد تتعارض مع المصالح التنظيمية الضيقة.

 

وحتى لا تكون عقبة الحكومة سداً لا يمكن زحزحته أمام قطار المصالحة المتعثر، فإن هذا الخيار في حد ذاته لن يحقق المصالحة في حد ذاتها بل قد يكرس حالة الانقسام البنيوي الذي أحد أهم سماته هذه التركيبة الحكومية المتناقضة بين الضفة وغزة، ولكن للتغلب على محاذير هذا الاقتراح، لا بد من تشكيل قيادة تنسيق عليا تكون مرجعية مؤقتة لحكومتين حتى يتم إجراء الانتخابات وتشكيل مرجعية سياسية شرعية جديدة.

 

وحبذا لو تحولت الحكومتان إلى لجنتين ذاتي طبيعة إدارية فنية عليا تعمل تحت إشرافهما عدد من اللجان الوظيفية المتفق عليها في شتى المجالات، وتكون مهمة هذه اللجان الوظيفية العمل على تقديم الحلول والتصورات لحل كل التناقضات في المجالات الإدارية والوظيفية والقانونية التي أوجدتها حالة الانقسام. وفى الوقت ذاته يتم تفعيل دور المجلس التشريعي على أن تكون مهامه مراجعة كل القوانين السابقة التي من شأنها أن تعمق التضارب والفوضى القانونية، والعمل على إصدار قوانين ذات طبيعة تصالحية وتوافقية. وألا يقتصر الأمر على هذا النحو، بل أن يتم تفعيل مبادرة المصالحة التي تم التوقيع عليها من خلال تفعيل الدور المصري والعربي، من خلال جامعة الدول العربية لحل المشكلات المتعلقة بالبنية الأمنية المعقدة والمتنافرة والمتباعدة في كل من الضفة وغزة.

 

في إطار هذه المحددات يمكن تصور بقاء الحكومتين إذا كان الهدف الحقيقي هو المصالحة الوطنية. وليت تشكيل حكومة أو حتى هيئة فنية إدارية عليا مشتركة يتم تحت مسمى حكومة تجسد المصالحة الوطنية، وتعمل بأسلوب المنهاج الوظيفى وصولاً إلى المصالحة السياسية في شكل الانتخابات التي هدفها فرز شرعية سياسية جديدة الكل يفتقدها من دون المصالحة، وليتق الجميع مصلحة الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية التي تبتلعها آلة الانقسام المتوحشة.

 

* أكاديمي وكاتب عربي