خبر مصر... والسؤال الذي نسارع للإجابة عليه../ عبد اللطيف مهنا

الساعة 11:54 ص|26 ديسمبر 2011

مصر... والسؤال الذي نسارع للإجابة عليه عبد اللطيف مهنا

على ضوء ما يجري وما جرى في الأيام القليلة الماضية في مصر، لابد من وقفة تفكُّر... ما جرى في ميدان التحرير، وقبله في شارع محمد محمود، ثم ما كان من ارتكابات بحق المتظاهرين سُطّرت دماً مسفوحاً في شارع الشيخ ريحان وعلى أرصفة مقرمجلس الوزراء، ولاحقاً سحلاً للنساء في ميدان التحرير، وتعريجاً على يوميات مستشفى القصر العيني الدامية وما يدور من حوله، وما سيكون من حال الأيام القادمة، ومصر لا يفصلها أكثر من شهر عن قدوم الذكرى الأولى لثورة 25 يناير، التي، وبإجماع أغلب المصريين، لم يتحقق من أهدافها أكثر من إسقاط رأس النظام مع بقاء بقايا جدثه وذيوله وفلوله... بيانات المجلس العسكري الأخيرة التصعيدية اللهجة، الانتخابات وانقسامات القوى السياسية وانشغالها بانقساماتها وحساباتها على ضوئها، خساراتها ومغانمها، التناقص المتوالي في عديد الآلاف الآمّة لميدان التحرىر، وارتفاع الأصوات المطالبة مداورةً بالاكتفاء بنصف ثورة، وصولاً الى الانقسام الشعبي، ليس على الثورة، وإنما بين من هم مع التصعيد الثوري حتى تحقيق كامل أهداف الثورة ووفاءً لشهدائها ومن ينشدون استقراراً يخفف بعضاً من معاناتهم أو خوفاً منهم من مجهول ينتظرالبلد... كل شؤون وشجون الصراع الدائر والمحتدم الآن بين المِصرين، مصر ميدان التحرير، شباب الثورة، ومصرالأمس، أو ظل الغائب الحاضر، الراحل المقيم، أو من أسقطت رأسه الثورة... على ضوء كل هذا، وما قد يجيزه لنا حرصنا على مصر العرب من قلقٍ مشروعٍ، نجد أنفسنا مع المصريين نطرح على أنفسنا مثل هذا السؤال: ترى هل تخلت مصر، أو هل من الممكن تصوّرأنها قد تتخلى عن ثوارها؟!

 

عندما نقول ثوارها، نعني بهم تحديداً هؤلاء المعروفين الآن في مصر بشباب الثورة، أو شباب ميادين التحرير المصرّين على المرابطة في ساحاتها حتى تحقيق كامل أهداف الثورة... الثورة التي هم مفجروها ومن رووا شعلتها المجيدة بدمائهم الزكية، ومن وبدوا الآن، في خضّم بازارات التجاذب بين القوى السياسية والحزبية المتصدرة راهناً للمشهد السياسي المصري والمجلس العسكري الحاكم، وكأنهم المعزولون بعد أن إنفضّ أكثرراكبي تضحياتهم من السياسيين الذين كانوا يركضون من خلفهم من حولهم، أو باتوا وكأنما هم قد أصبحوا خارج حسابات كل من الشرعيتين المتساومتين، شرعية الوصاية العسكرية والشرعية الانتخاببة الحزبية المتحفزة، وبعضها المتهالكة، لاستلام زمام السلطة أو نيل نصيبها منها، أو هذا المنتظر الموعود من الأولى والعاضة عليه حتى الآن بالنواجذ...

 

... ونحن إذ نضطر مكرهين لطرح مثل هذا السؤال، ولسنا وحدنا من يطرحه الآن، فالمُطمّئِن أننا لا نجد ثمة ما يمنعنا من أن نسارع للإجابة عليه، فنقول جازمين، إن الصيرورة التغييرية العربية الراهنة، التي تعيش مصر الآن أهم تجلياتها بل وأخطرها، ثم طبيعة مسارات التحولات ذات السمة المصيرية الحاملة للأبعاد الإستراتيجية والغالية الأثمان والأكثر تعقيداً دائماً، لاسيما منها هذه التي يرفدها عميق التوق الشعبي إلى الحرية والكرامة والعدالة ونشدان الانعتاق من كل من كان هو النقيض لهذه التطلعات ولا يزال، واستناداً إلى منطق الثورة الشعبية، واستجابة لما نمت باسقةً في ميادينها من آمال وأحلام منذ اندلاعها في الخامس والعشرين من يناير، والتي سقتها الدماء ورعت نبتها المعاناة المديدة، وتعهدها سغب الجوعى وغضب المهمشين... نسارع فنقول، لا، لم ولن تتخلى مصرالشعب عن ثوارها الشباب، لأنه ليس في إمكانها الركون إلى نصف ثورة... وليس من الممكن تصور إمكانية تخليها عن ما بعثته فيها ثورتها الضرورة من روح بعد موات، وما منحتها من ثقة بعد مدلهم احباط، مهما تطلب منها ذلك من دفع لباهظ الأثمان أو توجَّب عليها إزاءه من غالي التضحيات.

 

إنه ليس من الصعب على متابع في هذه الأيام، التي تلت بدء الانتخابات وتعقيداتها وانشغال القوى والأحزاب بوقائعها وتوقعاتها وحساباتها لما قد يتبعها أو ما بعدها، ملاحظة تصاعد حملة التشهير الجارية والمتوازية مع شن حملات القمع العنيف استهدافاً لشباب الثورة في ميادينها واستفراداً بهم، بدءاً باتهامهم بانعدام الخبرة السياسية، والتسبب زوراً، من خلال التظاهرات والإعتصامات، باستفحال الأزمة الاقتصادية، التي يجري تضخيمها والمبالغة فيه، والتي لاناقة ولا جمل لهم بها، وحتى محاولات تلفيق تهمة البلطجة بأنبل ما أنجبتهم مصر عبر دس العناصرالمشبوهة بين صفوفهم، وسائر مثل هذه المزاعم والافتراءات والأحابيل، التي على الرغم من أنه من السهل على المُستهدَفين بها تفنيدها وفضحها، ونضرب هنا مثلاً هو حكاية شهادات الأطفال المصوّرة والذي ثبت أنهم كانوا معتقلين لدى السلطات قبل حدوث ما طلب منهم أن يشهدوا بشأنه. إلا أنه، ومن أسف، قد تلق هذه الحملات وتجد استهدافاتها قبولاً ما لدى شرائح شعبية واسعة، هى من تلك التي إما ينقصها الوعي، أو تقع لبساطتها بسهولة تحت طائلة التضليل المبرمج، أو من تلك التي أصلاً لا ترى لها مصلحة في الثورة... ومع كل هذا نقول: إن عجلة التغيير في أم الدنيا قد دارت، ومصر العرب التي هشّم شبابها ومعهم كامل من لهم مصلحة في التغييرمن جماهيرها العريضة قمقم الاستكانة وحطموا إسار النظام البائد، لن تتخلى عن مفجري ثورتها الضروره وستحميهم....

 

 نقول هذا على الرغم مما نشهده من استشراسٍ متصاعدٍ للامتدادا ت المباركية المتحكمة حتى اللحظة في دفة المسار الرسمي الانتقالي المتباطئ والمتخبط وغير المتضح، بالتوازي مع سفور وفجور مظاهرهجمة تحالف جبهة أطراف الثورة المضادة، وجاري رفدها البائن والخفي وغير المحدود من قبل خارجٍ مخادع متآمرٍ يظل الداعم، إن لم يكن الراعي والمُوَّجِه، لكل من يتطوَّع لخدمه وتحقيق سياساته المعادية في الداخل، بقصد أو من دونه، بوضع عصاً في دولاب التغيير محاولةً منه لإعاقة دوران هذا التحول الثوري الدائر في أرض الكنانة، أو تأخير انطلاق السفينة المصرية أو محاولة إعاقة وصولها المرجو والآمن إلى ضفة غدها المنشود ما استطاع هذا الخارج الى ذلك سبيلا... هذا الغد، الذي، وكما كانت مصرالفرعونية بالأمس تقدم صباياها قرابين لفيضانات نيلها المتدفق العظيم، تقدم مصر الأمة اليوم بسخاء دماء شبابها وشاباتها الزكية الطهورة شهداءً أبراراً انتظاراً منها لقدومه المحتوم.