خبر هذا يحدث في إسرائيل../ ماجد كيالي

الساعة 10:38 ص|23 ديسمبر 2011

هذا يحدث في إسرائيل ماجد كيالي

منذ قيامها حرصت إسرائيل على احتكار مكانة الضحية في الوجدان العالمي لإضفاء مشروعية أخلاقية على قيامها، علاوة على المشروعية السياسية التي تأسّست على القوّة والقسر وتغييب أهل البلد الأصليين، كما حرصت على الترويج لنفسها باعتبارها واحة للحداثة والديمقراطية في "شرق أوسط" يقبع في أسر الظلامة والاستبداد؛ وكل ذلك من أجل تحسين صورتها أمام الرأي العام العالمي وجلب التعاطف والدعم لها وجذب مزيد من المهاجرين اليهود إليها.

 

واضح أن إسرائيل حقّقت نجاحاً هائلاً على هذه الصعد الثلاث ما مكّنها من التغطية على المظالم التي نشأت عن قيامها بحقّ الفلسطينيين، وإضفاء صبغة دفاعية على حروبها العدوانية والتوسعية، كما على إجراءاتها العنصرية والقمعية بحق الفلسطينيين.

 

لكن الانتفاضة الشعبية الأولى (1987ـ1993)، التي عرفت باسم "انتفاضة الحجارة"، كشفت إسرائيل على حقيقتها باعتبارها مجرد دولة استعمارية ـ استيطانية أخرى، تحاول فرض سيطرتها على شعب آخر، ومصادرة حقوقه وحريته ومستقبله، بوسائل القوة العسكرية الغاشمة.

 

وقد حصل أن هذه الانتفاضة العظيمة، بالتضحيات التي بذلت فيها، استطاعت كسر احتكار إسرائيل لمكانة الضحية، في الرأي العام العالمي، وهي المكانة التي كانت موضع جدال في السابق، نظراً لرؤية الغرب للمظالم التي ارتكبت بحق اليهود إبان الحرب العالمية الثانية، وباعتبار إسرائيل مجرد دولة صغيرة ومعزولة في محيط عربي معاد لها.

 

على أي حال ففي مرحلة لاحقة استطاع الفلسطينيون احتلال مكانة الضحية، عبر تضحياتهم ونضالاتهم، بإزاحة إسرائيل من هذه المكانة. فهم وقّعوا اتفاق التسوية (أوسلو 1993) لكن إسرائيل هي التي تملّصت من هذا الاتفاق رغم كل الاجحافات المتضمنة فيه بالنسبة لحقوق الفلسطينيين؛ بمواصلتها الأنشطة الاستيطانية، وبإصرارها على تهويد القدس، وبقيامها بأعمال القتل والاستخدام المفرط للقوة لكبح نضالات الفلسطينيين الرامية لتحقيق الحرية والاستقلال.

 

ثمة عاملان شديدا الأهمية ساعدا الفلسطينيين في هذا المجال أولهما، الثورة في وسائل الإعلام والاتصالات والمعلوماتية، التي أتاحت للعالم مشاهدة ما تقوم به إسرائيل بحقّ الفلسطينيين.

 

وثانيها، صعود دور شبكات المجتمع المدني على الصعيد العالمي، بفعل مسارات العولمة، فهذه الشبكات باتت تلعب دورا كبيرا في الانتصار لقيم الحرية والعدالة والمساواة ومكافحة التمييز والعنصرية والظلم.

 

الآن، ومع اندلاع الثورات العربية، ومع كل التحولات الجارية في إسرائيل، يبدو أن إسرائيل تتجه لخسارة صورتها كواحة للديمقراطية والحداثة، وباعتبارها الديمقراطية الوحيدة في المنطقة، بعد أن خسرت مكانتها كضحية.

 

هذا يحصل حقاً، بغض النظر عن رغباتنا، فهذه هيلاري كلينتون (وزيرة الخارجية الأميركية) صرّحت عن "خشيتها على مستقبل الديمقراطية في إسرائيل وحقوق النساء فيها" في تصريحات أدلت بها أخيرا في منتدى "سابان" (في واشنطن). وكانت كلينتون تقصد مجموعة مشاريع القرارات التي اقترحها أعضاء من التيار اليميني في حكومة نتنياهو، والتي تتضمن تقييد حريات الصحافيين والتضييق على أنشطة منظمات المجتمع المدني، وتعزيز الإكراه الديني في الحياة العامة وفي مجالي التعليم والجيش والتي تمسّ حقوق المرأة، فضلا عن القرارات التي تتضمن التمييز ضد العرب (في السكن واللغة والآذان وتملك الأراضي)، وتغيير تعريف إسرائيل من كونها دولة "يهودية وديمقراطية" إلى اعتبارها "الدولة القومية للشعب اليهودي"؛ على مافي التعريف الأول من مخاتلة وتناقض.

 

وبرأي صحيفة "هآرتس" فإن هذه القوانين تؤدي إلى عزل إسرائيل، وظهورها بمظهر دولة شرق أوسطية أخرى. ذلك أن "التطرف القومي والديني في إسرائيل ليس فقط مشكلة داخلية" وإنما هو يعرّض "للخطر علاقات إسرائيل مع مؤيديها في الغرب ولا سيما مع المؤسّسة السياسية ويهود الولايات المتحدة...الدعم الأميركي حيوي لوجود أمن وازدهار إسرائيل... العلاقات الخاصة بين الدولتين علّلت دوماً بالقيم المشتركة بين القوة العظمى القوية في العالم والديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط...إسرائيل القلقة من "الربيع العربي"...تشعر بنفسها مهجورة وتتبنّى بالتدريج الأعراف المتبعة في الشرق الأوسط، في ظل الابتعاد عن قواعد تأييدها في الدول الديمقراطية في الغرب". ("هآرتس"، 9/12)

 

على أي حال فإن القلق من جملة القوانين "اللاديمقراطية" الإسرائيلية استدعى نوعا من الاستنفار من قبل الرئيس الإسرائيلي شمعون بيرس الذي عبّر صراحة عن شعوره بالخجل من عدد من مشروعات القوانين التي قدمها اليمين مؤخرا، ووصفها بأنها "مسيرة للبلهاء"، وقال إنه تلقى اتصالات هاتفية من عدد من القيادات العالمية ومعارفه الذين أزعجتهم "موجة التشريعات".

 

وثمة محللون إسرائيليون يرون بأن إسرائيل باتت تتشبّه بمحيطها، أي دينية ولا حداثية ولا ديمقراطية. وبحسب آري شبيط فإن "متطرفي الله اليهود يخرجون الآن في هجوم...ضد الأقلية وضد الفرد وضد حقوق الإنسان. وهم يحاصرون المحكمة العليا والصحافة الحرة والمجتمع المفتوح. هناك طوفان لم يسبق له مثيل من العنصرية على العرب وكراهية العلمانيين واضطهاد النساء يهدد بجعل إسرائيل المتنورة إسرائيل الظلامية. وفي حين يحتارون هل يجب على إسرائيل أن تقصف إيران، يوجد من يحاولون جعل إسرائيل إيران. إن ما يُحدثه الإخوان المسلمون في تونس وليبيا ومصر والأردن وسورية، يريد «الإخوان اليهود» إحداثه في دولة اليهود...في البلدان العربية وفي إسرائيل أيضا لم يتم فصل حقيقي بين الدين والدولة، فالمسجد والكنيس لم يُبعدا عن السياسة، ولهذا بقي عنصر ديني عميق في الهوية العربية والهوية اليهودية أيضا...حان الوقت ليفهم اليمين العلماني أنه إذا تحولت إسرائيل إلى إيران، فلن يكون لها أي أمل. ستتقوض عُراها من الداخل وتُبتلع في الظلام الديني الإقليمي". ("هآرتس" 1/12)

 

وهذا ايتان هابر يذكّر محذّرا: "مرة، قبل عشر سنين أو أكثر، كتبت هنا شيئا يشبه "العرب صاروا يهودا اليهود صاروا عربا". ("يديعوت أحرونوت"، 1/10). ويعتقد خبير الاقتصاد البروفيسور دان بن دافيد أن "إسرائيل إذا أصبحت دولة من العالم الثالث، فسيكون ذلك نهاية المشروع كله". (عنات فيشبن،"يديعوت أحرونوت"، 29/10)

 

على ذلك فإن إسرائيل باتت تقف على أعتاب تحول تاريخي في طبيعتها ومكانتها، بحيث تظهر باعتبارها دولة قهرية وعنصرية وظلاميّة واستعمارية، هذا يحدث بفضل التحولات الدولية، وأيضا بفضل التحولات في البيئة العربية المحمولة على رياح الثورات الشعبية.