خبر حفل موسيقي للجيش والاسلام -هآرتس

الساعة 09:00 ص|19 ديسمبر 2011

حفل موسيقي للجيش والاسلام -هآرتس

بقلم: تسفي برئيل

        (المضمون: يصعب على جيش مصر ان يهضم التحول السياسي في الدولة الذي سيكون الاخوان المسلمون في نهايته أرباب المنزل الذين سيضطر للخضوع لهم - المصدر).

        يُذكر احراق معهد البحث الذي انشأه نابليون في القاهرة في سنة 1798 وضياع مخطوطات تاريخية نادرة جدا بالسطو على المتحف القومي في بغداد مع دخول القوات الامريكية الى العاصمة العراقية في سنة 2003. فليس هذا حريقا "مفهوما" لمكاتب حكومية على أيدي معارضي النظام القديم – برغم ان هذه المباني ايضا أصابتها زجاجات حارقة – بل فقدان سيطرة يخلطه شعور بخيبة الأمل والغضب، على النظام الجديد هذه المرة وعلى الجيش خاصة. والبرهان على هذا ان الجيش غير قادر حتى على حماية تاريخ مصر. وهذا هو الجيش الذي كان قبل اشهر معدودة حليفا للمتظاهرين وحركات الاحتجاج، أما في الاسابيع الاخيرة فأصبح يُرى عدوا للثورة.

        ان نتائج الجولة الثانية من انتخابات مجلس الشعب الذي أخذت تُثبت مكان الاخوان المسلمين باعتبارهم أكبر حزب في مجلس الشعب، تضاعف في الحقيقة خوف الليبراليين والعلمانيين من سيطرة دينية على الدولة، لكن ازاء عجز الجيش والأخطاء الشديدة التي قام بها حتى الآن في ادارة شؤون الدولة، تشير الحركات الليبرالية ايضا الى الاخوان المسلمين باعتبارهم الجهة الأكثر تنظيما ونجوعا والتي تستطيع – مع هذه الحركات – اعادة الدولة الى مسار صحيح بشرط أن يدعها الجيش تفعل هذا.

        ان "مقياس الاسلام"، ويُفحص بحسبه الآن عن نتائج الانتخابات في حين معظم الخوف من انضمام حزب الحرية والعدالة التابع للاخوان وحزب النور السلفي بعضهما الى بعض، هو مقياس شعبي. وهو مقياس يلائم من يريد ان يصبغ مصر بألوان خضراء ويصنفها بذلك بأنها دولة اخرى سقطت ضحية للاسلام. وأهم منه كثيرا مقياس القابلية للحكم ويُفحص بحسبه الآن عن الجيش وبحسبه سيُفحص عن الحكومة المصرية ورئيسها.

        بخلاف الحركة السلفية التي حظيت بنصيب يزيد على 30 في المائة من الاصوات في الجولة الحالية والتي يراها الاخوان خصما عقائديا وسياسيا، يجهد حزب الحرية والعدالة التابع للاخوان ان يسير في استقرار على الحبل الدقيق بين التعاون مع الجيش وبين الحفاظ على مكانتها باعتبارها قائدة أهلا للثورة، في فترة يفقد فيها الجيش مجده باعتباره مدافعا عن المسيرة الديمقراطية.

        ما تزال حركة الاخوان المسلمين تثبت في مكانة سيكون فيها عليها ان تُشرك حركات الاحتجاج العلمانية والأقباط في الائتلاف، كي لا تضطر الى مواجهة مظاهرات في ميدان التحرير حينما تنشأ الحكومة التي سيكون لها فيها أكثرية. وهذا هو نفس المنطق الذي وجه الشيعة في العراق الى ضم السنيين الى مجلس الشعب والى الحكومة.

        وتحتاج الحركة ايضا الى دعم الجيش لمتابعة سيرها وليس من رأيها ان تخسر الذخر الأهم الذي حظيت به في الثورة ألا وهو الاعتراف بها أنها حركة رسمية. وعلى هذا فان الحركة تمتنع من ان تتهم الجيش مباشرة بالمسؤولية عن الأحداث القاتلة التي جرت في الايام الثلاثة الماضية، وهي لا تشترك في المظاهرات وتتابع الاستعداد للجولة القادمة من الانتخابات. وفي نفس الوقت اعتزلت الحركة المجلس الاستشاري الذي انشأه الجيش لأن هذا المجلس كما ترى يرمي الى اضعاف قوة مجلس الشعب باعتباره جهة ستصوغ الدستور. وبهذا تعترض الحركة ايضا على شرعية المجلس الاستشاري الذي هدد اعضاؤه أمس بالاستقالة منه اذا لم يتوقف فورا عن استعمال القوة على المتظاهرين.

        في مقابلة هذا، يصعب على الجيش نفسه كما يبدو ان يهضم التحول السياسي الذي سيكون في نهايته الاخوان المسلمون (وشركاؤهم في مجلس الشعب) أرباب المنزل الذين سيضطر الجيش الى الخضوع لهم.

        أصبح الجيش بسلسلة خطواته الاخيرة "شيئا مريبا"، ومتهما بمحاولة سرقة الثورة والمسؤول الرئيس عن الاضطرابات: من نشر وثيقة مباديء الدستور الى انشاء المجلس الاستشاري الذي يرمي الى سلب الاخوان تأثيرا حاسما في صوغ الدستور، وعدم انشاء حكومة مؤقتة مستقلة وابقاء سلطات التشريع والتنفيذ في يد المجلس العسكري الأعلى، الى تأجيل موعد انتخابات الرئاسة واستعمال السلاح الحي ضد المتظاهرين. كل هذا بدل ان يقوم خارج اللعبة السياسية ويكتفي بالدور المهم وهو الحفاظ على أمن الدولة والجمهور.

        سيكون نصف السنة التالي، حتى انتخاب الرئيس، الفترة الحرجة لتحديد مكانة ووزن الحركات السياسية وتحديد مكانة الجيش. فاذا لم يبادر الجيش الى نقل السلطة الى حكومة مدنية فورا مع انقضاء جولة الانتخابات الاخيرة في شهر كانون الثاني فقد تصبح هذه فترة عنيفة غير مسيطر عليها يكون فيها "تهديد الاسلام" هو القلق الأصغر.