خبر الربيع العربي والفرار من العراق- معاريف

الساعة 09:53 ص|18 ديسمبر 2011

 

الربيع العربي والفرار من العراق- معاريف

بقلم: عوديد غرانوت

الذكرى السنوية الاولى للربيع العربي تتطابق تماما تقريبا مع موعد طي القوات الامريكية علمها في العراق وعودتها الى الديار. بعد تسع سنوات، 4.500 قتيل، 30 ألف جريح واكثر من مائة الف عراقي فقدوا حياتهم.

ما بدأ قبل تسع سنوات كاستنفار امريكي يستهدف الاطاحة بصدام الدكتاتور، الذي امتلك، زعما، اسلحة الدمار الشامل، اقامة ديمقراطية حقيقية في العراق وجعله حليف واشنطن في الشرق الاوسط تقلص تحت حكم اوباما الى هدف أكثر تركيزا: "الانصراف من العراق بكرامة" وبالحد الادنى من الاهانة بشكل يسهل على انتخاب اوباما لولاية ثانية.

أسلحة الدمار الشامل، كما هو معروف لم يعثر عليها في العراق. القوات الامريكية تترك خلفها عراق ليس مستقرا حقا مع بنية تحتية سياسية متهالكة وتوتر طائفي؛ عرضة للتآمر المتعاظم والنفوذ القوي من جانب ايران الشيعية المجاورة. الاستنتاج: أسهل قطع رأس دكتاتور عربي بوسائل عسكرية من تغيير ميزان القوى الداخلي في أي دولة لخلق قاعدة للديمقراطية واحترام حقوق الانسان بالتدخل الخارجي.

لقد سبق أن قلنا انه لو فهمت الادارة الامريكية هذا الدرس العراقي لما سارعت قبل سنة الى غرس سكين في ظهر الدكتاتور مبارك ومطالبته بحزم بالتنحية فورا، قبل أن تتأكد من نشوب الاساس لاقامة ديمقراطية حقيقية في مصر، يتمتع فيها المواطنين، بمن فيهم الاقليات، بالحقوق الكاملة وبالمساواة.

إذ ان ما حصل في هذه الاثناء في مصر هو أنه في جولتين، ديمقراطيتين ظاهرا، من الانتخابات البرلمانية التي جرت في الشهرين الاخيرين، احتل المكان الاول بالذات الاخوان المسلمون، ممن ليسوا من العاطفين على أمريكا، والمكان الثاني احتله الاسوأ منهم: المتطرفون السلفيون. وهؤلاء يعتقدون بان في عالمنا لا مكان لمن ليس مسلما. وهم يؤمنون بانه يجب الشروع في احراق كنائس المسيحيين الاقباط داخل مصر وبعد ذلك المواصلة ايضا نحو الكفار خلف البحر.

ولكن الناطق بلسان البيت الابيض لا يزال على حاله: "ليست نتائج الانتخابات في مصر هي الهامة"، قال الناطق، "بل العملية نفسها". يا لها من سذاجة. يا له من بؤس. ينبغي فقط النظر الى صور شبكة التلفزيون المصرية، التي وثقت نشطاء من الاخوان المسلمين يشرحون للنساء المحجبات كيف سينتخبن "القائمة الصحيحة"، كي يفهم المرء ان ليست فقط نتائج الانتخابات يمكن تزويرها بل ويمكن ايضا حتى سرقة "العملية".

ويمكن رؤية ذلك على النحو التالي ايضا: الاطاحة بصدام حسين على أيدي الامريكيين اطلقت "الشيطان الشيعي" في العراق من القمقم واخافت الاقلية السنية. الاطاحة بمبارك بضغط من واشنطن أطلقت "الشيطان السلفي" في مصر وتفرض الرعب الان على ابناء الاقلية القبطية. هكذا هو الحال عند التدخل من الخارج.

ولعله لا سبيل آخر لفهم الصدامات الدموية في نهاية الاسبوع الماضي في القاهرة بين الجيش والمتظاهرين غير فهم المجلس العسكري الحاكم في مصر بانه محظور باي حال الخضوع لضغوط الشارع – ذاك الذي يطالب بتسليم الحكم الى اياد مدنية غير واضحة – وايداع مصر في الفوضى برعاية انتخابات ديمقراطية او بضغوط جهات خارجية.

* * *

بمرور سنة، لا يزال الربيع العربي بعيدا عن نهايته رغم أن الشتاء قد حل. الوضع في ليبيا، في تونس وفي اليمن لا يزال هشا. في مصر لا يزال الطريق طويلا الى أن يستقر الوضع. في سوريا تسفك الدماء. لايران لم يصل "الربيع" بعد، كون قوى الشارع لا تزال تختنق تحت رعب الحرس الثوري وقوات الامن.

ولكن الاتجاه العام لا يبشر بالخير للغرب ولاسرائيل. التدخل الامريكي للاطاحة بالدكتاتوريين في الشرق الاوسط واستبدالهم بانظمة ديمقراطية لم يثبت نفسه بعد كأمر ناجع، مع صعود التيارات الاسلامية، ولم يجعل امريكا حبيبة الشارع العربي.

الفرار من العراق وامتناع واشنطن عن عمل حازم ضد ايران المتحولة نوويا مسا جدا بصورة الولايات المتحدة كقوة عظمى مصممة على الدفاع بكل ثمن عن مصالحها وعن حلفائها في المنطقة.

السعودية، الحليف الافضل لامريكا في الشرق الاوسط، فهمت منذ الان بان ليس لديها على من تعتمد في المواجهة مع ايران وبدأت تتصرف ككبير مسؤول في المنطقة: فقد بعثت بقوات عسكرية الى البحرين لمنع سقوطها في يد القوات المؤيدة لايران؛ ضمت الاردن كجزء من المحافل المعتدلة في المنطقة، الى الحلف الدفاعي لدول الخليج؛ وتنكرت تماما لبشار الاسد، الذي ارتبط بمحور الشر.

عاجلا أم آجلا، كفيلة اسرائيل ايضا بالوصول الى الاستنتاج في أنه من المجدي أقل الاعتماد على التدخل الامريكي لحماية المصالح الحيوية، والمجدي أكثر العمل بالتعاون والارتباط بالعناصر المعتدلة في العالم العربي، برئاسة السعودية ودول الخليج التي ترى في ايران تهديدا جسيما. الثمن الذي يتعين على اسرائيل أن تدفعه سينطوي على تحسين العلاقات مع الاردن والسعي الى تسوية سلمية مع الفلسطينيين، وسيكون هذا ايضا الجواب على تعزيز القوات الاسلامية المناهضة لاسرائيل في العالم العربي.