خبر غنغريتش.. الصهيوني الثاني بعد هرتزل .. طلال عوكل

الساعة 12:44 م|17 ديسمبر 2011

غنغريتش.. الصهيوني الثاني بعد هرتزل .. طلال عوكل

مع الإدراك بوجود فارق بين موقف الإنسان، ارتباطاً بالوظيفة التي يشغلها وأحياناً بسبب تغير الظروف، إلا أن ثمة ما يدعو للقلق إزاء مواقف وتصريحات تتجاوز كل الخطوط الحمراء، حين تصدر عن مرشح محتمل، وربما مرجح لإشغال وظيفة رئيس الدولة الأعظم حتى الآن، وهي الولايات المتحدة الأميركية.

 

الرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر، على سبيل المثال لا الحصر، أصبح من أهم المناصرين لحق الشعب الفلسطيني في أن تكون له دولته المستقلة على الأراضي المحتلة منذ عام 1967، وهو موقف لم يكن ممكناً أن يصدر عنه حين كان رئيساً للولايات المتحدة، رغم أنه عراب اتفاقية كامب ديفيد للسلام بين مصر و"إسرائيل"، والتي تضمنت حكماً ذاتياً للفلسطينيين.

 

حتى الرئيس الحالي باراك أوباما، تغير موقفه إزاء مطالبته لإسرائيل في مستهل حكمه، بضرورة الوقف الكامل للاستيطان بما في ذلك لأغراض النمو الطبيعي، وهو اليوم مستعد لأن يبتلع لسانه، وأن يغدق على إسرائيل بالمزيد من المكافآت والعطاءات والدعم والحماية، ولأن يتناسى كل وعوده للفلسطينيين، مقابل أن يحصل، وقد لا يحصل، على دعم "إسرائيل" واللوبي اليهودي الأميركي، للفوز بولاية رئاسية ثانية في الانتخابات التي ستجرى نهاية العام المقبل.

 

حزينة قصة الذين راهنوا، وربما لا يزالون يراهنون على دور أميركي فعال، نزيه ومنصف، إزاء حصول الفلسطينيين ولو على الحد الأدنى من حقوقهم الوطنية.

 

نيوت غينغريتش، المرشح الرئاسي المحتمل عن الحزب الجمهوري الأميركي، استهل حملته بتصريحات لا تخطر في بال أحد، وتتميز بعنصرية وعدائية مطلقة تجاه الفلسطينيين، الذين اعتبرهم مجرد جماعات إرهابية، وأنهم شعب تم اختراعه، ولم يسبق أن كانت لهم دولة! لا يكتفي غينغريتش بذلك، بل إنه يلقي على الرئيس أوباما باللائمة لأنه يتعامل مع الفلسطينيين والإسرائيليين على قدم المساواة. يتجاهل المرشح الجمهوري المحتمل، أن أوباما وإدارته بريئان من هذه "التهمة"، إذ إنه تحمل الكثير من الإهانات التي وجهها له ولمسؤولين في إدارته، عدد من المسؤولين الإسرائيليين الرسميين. والحال أن القضية الفلسطينية لا تشكل بعد جزءاً من أولويات واهتمامات معظم الناخبين الأميركيين، حتى نتوقع مثلاً، أن يعاقب الناخب الأميركي غينغريتش على تصريحاته العنصرية والمعادية للشعب الفلسطيني وحقوقه، ولذلك يصبح المضمون أن يكسب هذا المرشح الصوت اليهودي الأميركي، بما في ذلك تأثيراته على أصوات ناخبين آخرين، من مواقع التأثير الذي يحظى به اللوبي اليهودي، وباعتباره الطرف الذي سيستلم رسالة غينغريتش بكل سرور.

 

ومن المؤكد أن هذه التصريحات، ستجد لدى الحكومة الإسرائيلية المتطرفة والأحزاب اليمينية، كل ترحيب ودعم، لكونها تنطوي على أفق يحررهم من كل مقولات ومحاولات البحث عن سلام، تؤكد الممارسة الإسرائيلية يومياً وبمختلف الوسائل والطرق، أنه يتناقض مع تطلعاتهم واستراتيجياتهم ومصالحهم.

 

وفي ضوء هذه التصريحات، على المرء أن يتوقع من قبل الحكومة الإسرائيلية، المزيد من التشدد إزاء المحاولات التي تجربها الرباعية الدولية والولايات المتحدة، من أجل تأمين ظروف وشروط استئناف المفاوضات، التي تسعى إدارة أوباما لتجنب إعلان فشلها.

 

غير أن تصرياحت غينغريتش لا تتوقف عند هذا الحد، بل إنها تشجع صناع القرار السياسي في إسرائيل، على إعادة النظر جذرياً في مركبات الاستراتيجية الإسرائيلية، التي تضطر للاعتراف بحقيقة وجود الشعب الفلسطيني على الخارطة السياسية، وترفض الاعتراف بحقه في الحصول على استقلاله وإقامة دولته على جزء من أرضه المحتلة، والتحول عن ذلك نحو سياسات تشجع على الترانسفير والوطن البديل.

 

المرشح الجمهوري المحتمل، يعود بقضية الصراع الفلسطيني والعربي/ الصهيوني إلى جذوره وبداياته الأولى، حين رفعت الحركة الصهيونية شعار "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض"، كعنوان لتنفيذ مخططاتها الإجلائية الاستيطانية، بالاستيلاء على الأراضي الفلسطينية، وإقامة دولة اليهود عليها. يخالف غينغريتش حركة التاريخ، ويحاول أن يشطب عشرات السنوات التي حاولت خلالها إسرائيل، بدعم كامل من قبل الولايات المتحدة والدول الاستعمارية، تبديد القضية الفلسطينية وتشريد الفلسطينيين، وتوطينهم في البلدان التي يقيمون فيها كضيوف.

 

إدارة أوباما صمتت أمام تصريحات المنافس الأميركي، فهي إن أيدتها تكون قد خرجت عن محددات السياسة الأميركية، التي تعترف حتى الآن بوجود الشعب الفلسطيني وتتبنى رؤية الدولتين، وتتعامل رسمياً مع منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية، وترى فيها شريكاً في عملية السلام.. وإن خالفتها فهي ستثير غضب الجماعات اليهودية وإسرائيل، في وقت تحتاج فيه هذه الإدارة للفوز برضى هذه الأطراف. وفي ظل السباق المحموم المتوقع على كرسي الرئاسة الأميركية، فإن إدارة أوباما قد تأخذ بسلوك متطرف لجهة تأكيد مصداقية دعمها العملي الملموس لإسرائيل، وسياستها وأولوياتها ومصالحها كما تراها الحكومة الإسرائيلية المتطرفة، حتى لو أن ذلك يتعارض لبعض الوقت، مع الاستراتيجيات والمصالح الأميركية في منطقة الشرق الأوسط.

 

وإذا كانت تصريحات غينغريتش قد استثارت غضب الفلسطينيين والجامعة العربية، إلا أن عليهم أن يتداركوا ما يمكن أن يحمله المستقبل لهم ولقضيتهم، فيما لو قدر لهذا المرشح أن يفوز بمقعد الرئاسة الأميركية في الانتخابات المقبلة.

 

إن التصريحات وحدها لا تكفي، وبداية لابد من مطالبة الإدارة الأميركية الحالية، بإعلان موقف واضح، إن هي لا تزال مهتمة بالسعي من أجل استئناف المفاوضات والعملية السلمية، لكن الأهم من ذلك يكمن في ضرورة البدء الفوري والعملي بتنفيذ اتفاق المصالحة الفلسطينية، واستعادة الوحدة، لتعزيز صمود الفلسطينيين على أرضهم والتمسك بحقوقهم، ومن أجل تجنيد الوضع العربي والإسلامي والدولي، لمجابهة المخاطر المحتملة في حال فوز هذا المرشح، وهو احتمال وارد ومرجح.

 

هنا يترتب على القيادات السياسية الفلسطينية، أن تتجاوز حساباتها الفصائلية، وحتى خلافاتها السياسية التكتيكية، ذلك أن ما ترمي إليه تصريحات غينغريتش لا يتوقف على عناوين الفعل السياسي الجاري، فهي بأبعادها لا تمس فقط الشعب الفلسطيني، وإنما تشكل تهديداً حقيقياً لشعوب المنطقة وتطلعاتها ومصالحها وحقوقها، بل إنها تنطوي على تهديدات جدية لوجود بعض الدول والشعوب.. ليستحق غينغريتش لقب الصهيوني الثاني بعد هرتزل، والأول في القرن الحادي والعشرين.