خبر إلى أين ستذهب الانتخابات في مصر؟ .. ناجي صادق شراب

الساعة 08:22 ص|16 ديسمبر 2011

من المتعارف عليه في أدبيات التنمية السياسية أو الديمقراطية أن الانتخابات هي أعلى درجات المشاركة السياسية، وأنها ركيزة أي نظام ديمقراطي، لكن الانتخابات في حد ذاتها لا تكفي، صحيح أن الانتخابات ترادف المشاركة السياسية التي ترادف بدورها الديمقراطية، لكن لكي تحقق الانتخابات الهدف منها فهذا يحتاج إلى توافر أمور كثيرة منها الثقافة الديمقراطية، والالتزام بقواعد الممارسة الديمقراطية من دورية الانتخابات وتداول السلطة، والالتزام بالإطار السياسي العام الذي تفرضه الديمقراطية بوصفها مرجعيةً سياسيةً ملزمةً لجميع القوى السياسية المشاركة في الانتخابات الفائزة منها أو الخاسرة .

وفي حالتنا العربية عموماً يوجد الكثير من التحديات التي لا تحلها الانتخابات، منها غياب الثقافة الديمقراطية، وضعف الشرعية السياسية الملزمة، والنظر إلى الانتخابات على أنها وسيلة للوصول إلى السلطة فقط، ومحاولة فرض مرجعية من يفوز في الحكم .

هذه المقدمة كان لابد منها ونحن نتحدث عن الانتخابات التي تشهدها مصر لأول مرة بعد الثورة بل وفي تاريخها السياسي المعاصر . فهذه هي أول انتخابات تتم بعد الثورة المصرية، وهي إجمالاً فترة قصيرة لم تتبلور ملامحها بعد، ومع ذلك بدأت هذه الانتخابات في مرحلتها الأولى في أجواء صحية، والكل يشيد بنزاهتها حتى هذه اللحظة، وهي أول انتخابات تتم في ظل تعددية سياسية شديدة قد يصعب على المواطن المصري العادي الذي يعاني من نقص في مستوى التعليم أن يميز بين برامجها، وهو الأمر الذي قد يشكل فرصة أكبر للقوى الدينية، لأن أكثر ما يلتصق في ذهن المواطن البسيط في الريف هو الإسلام، وهو يعني زيادة احتمالات فوز حركة الإخوان المسلمين بأكثرية المقاعد لكن دون حسمها بالكامل لمصلحتها .

والسؤال هنا هل تجرى الانتخابات في بيئة سياسية ديمقراطية؟ وما شكل الخارطة السياسية التي يمكن أن تتمخض عنها هذه الانتخابات التي في حال نجاحها سترسخ لنظام حكم أكثر ديمقراطية؟ وما شكل الحكومة المقبلة؟ والسؤال الأهم ما التحديات التي ستواجه أي حكومة قادمة وخصوصاً إذا كانت حكومة يسيطر عليها الإخوان؟

أولاً وقبل الإجابة عن هذه التساؤلات لا بد من إبداء عدد من الملاحظات: أولاها أن مصر أكبر من أي انتخابات، وأكبر من أي قوة سياسية ستأتي للحكم، ثانياً أن هذه الانتخابات تأتي في ظل تغيرات دراماتيكية وشاملة في بيئة النظام السياسي المصري، فهي تأتي في ظل تراجع كل مظاهر الحكم السابق من أحادية الحكم والحزب وسقوطها، وهذه أول حقيقة ينبغي أن تستوعبها كل القوى السياسية وخصوصاً “الإخوان”، أي أن النظام السياسي لن يعود إلى الوراء ثانية بأي شكل من الأشكال . ثالثة هذه الملاحظات الدور الشعبي الواضح الذي لن يتوقف مع أي انتخابات، ومع أي حكومة جديدة مهما كانت درجة شرعيتها الانتخابية، فظاهرة المليونيات والاحتجاجات ستبقى سمة واضحه، وبقدر التزام أي حكومة بالشرعية السياسية العامة يكون الرضى والقبول بها . رابعاً الدور القوي للقوي والأحزاب السياسية الجديدة والقديمة، ودور مؤسسات المجتمع المدني، وتحديداً دور الصحافة ووسائل الإعلام . فأي حكومة جديدة لن تأتي إلى فراغ سياسي ستعمل على ملئه، بل توجد قوى ومكونات كثيرة للنظام السياسي المصري لا يمكن تجاهلها . خامسة هذه الملاحظات أن مصر دولة مركزية وإقليمية مهمة تربطها شبكة معقدة من العلاقات الخارجية، والاتفاقات الدولية ولها أمنها القومي الذي لا يمكن لقوة سياسية واحدة أن تفرضه من منظورها، وخصوصاً ما يتعلق بمعاهدة السلام مع “إسرائيل” . والملاحظة السادسة التي ينبغي تأكيدها هي قوة المؤسسة العسكرية ودورها الذي سيبقى الحصن المنيع والحامي للثورة من أي إنحرافات يمكن أن تكون نتيجتها الانتخابات.

أكتفي بهذه الملاحظات، وأنتقل إلى السؤال ماذا تريد هذه الانتخابات لمصر؟ المطلوب مصر الدولة القوية المركزية والرائدة في إقليمها القدوة في نظامها العربي بوصفها دولة ديمقراطيةً حضاريةً تسترجع دورها الحضاري والعلمي المغذي لمن حولها، وهذا يتطلب الالتزام بنظام الحكم الديمقراطي بكل مظاهره، ولذلك على من يفوز في هذه الانتخابات وخصوصاً “الإخوان” أن يقدموا نموذجاً إسلامياً لا يتعارض مع أسس النظام الديمقراطي، ويأخذ في الحسبان خصوصية الحالة المصرية بكل مقوماتها التاريخية والحضارية والسكانية والدينية، بعيداً عن النظام المطلق، وإلا ستعود الأمور إلى الوراء من جديد في شكل ثورة جديدة، قد تفسح المجال في النهاية لإخفاق التجربة الانتخابية والعودة للحكم المطلق .

وأضح من كل ذلك أن الانتخابات هي إحدى نتائج الثورة المصرية وتداعياتها وثمارها التي لم يكن لأي قوة سياسية الفضل الأول فيها، وفي هذا السياق هل ترقى الانتخابات إلى مستوى الثورة المصرية؟ وهل ستأخذ الانتخابات مصر، أم أن مصر تأخذ الانتخابات إلى ما تريده هي؟ هذا   هو التحدي الأكبر للانتخابات الحالية في مصر، وهو التحدي ذاته لأي قوة سياسية تفوز في الانتخابات، لأن مصر ستبقى أكبر من الجميع.