خبر كلنا مُختَرَعون -يديعوت

الساعة 09:46 ص|12 ديسمبر 2011

كلنا مُختَرَعون -يديعوت

بقلم: يارون لندن

(المضمون: المرشح الجمهوري للرئاسة الامريكية نيوت غينغريتش صادق في زعمه ان الشعب الفلسطيني شعب مخترع، ولكنه يقول ايضا ان الشعوب كلها مخترعة ومنها الشعب اليهودي تحت راية الصهيونية - المصدر).

        قال نيوت غينغريتش ان الشعب الفلسطيني هو اختراع. "نحن"، زعم قاصدا ساسة بلاده، "ساعدنا في جعل الأكذوبة حقيقة سياسية عظيمة التأثير". وانقضضنا على كلامه كأننا وجدنا غنيمة كبيرة. فها هو ذا السياسي المهم يلاحظ الاختلاق الفلسطيني ويكشف عورة مُحدثيه.

        انه فصيح كثير الأفكار. في شبيبته لم يكشف المحاضر في تاريخ اوروبا الحديثة أي اهتمام بالله. بعد ذلك تعلق بالعقيدة المعمدانية، والآن أصبح كاثوليكيا مؤمنا بتأثير زوجته الثالثة. ومن يعلم، ربما يستطيع ان يتزوج امرأة رابعة مسلمة فيسلم ويعترف بأن محمد هو خاتم الأنبياء. وبرغم تحولاته الاعتقادية يعتبر مفكرا سياسيا أصيلا ومرشحا ذا احتمالات لأن يفوز بترشيح الحزب الجمهوري إياه للرئاسة.

        من الواضح ان الخاطرة المتعلقة بالفلسطينيين قد صدرت عنه كي يُلذ آذان اليهود. ووزن هذا الجمهور النسبي بين المصوتين والمانحين أثقل كثيرا من نسبته من السكان. فاذا تم انتخابه مرشحا عن حزبه واذا كان الفرق بينه وبين الرئيس العامل اصواتا قليلة فقط فقد يفوز بفضل انحراف طفيف عن طراز التصويت التقليدي لليهود في عدد من الولايات الرئيسة. لكن التلاعب المكشوف لا يشوش على صدق الدعوى: فالفلسطينيون شعب مخترع حقا. ولا حاجة لنعلم هذا الى عقل عبقري كعقل الرجل الذي اسم عائلته نيوتن، ولا الى عقل كعقل افيغدور ليبرمان. فقد اعترف الدكتور عزمي بشارة ايضا مؤسس حزب التجمع وقائده سابقا بذلك بلا شيء من الحرج. ففي نهاية التسعينيات وقبل ان يغرق في السياسة وقبل ان يهرب من اسرائيل بكثير عرّف نشوء الحركة القومية الفلسطينية بأنها اختراع يرمي الى اقامة موقف مماثل يعادل موقف الصهيونية.

        والصهيونية كما قال هي اختراع لبرجوازيين يهود في اوروبا ولا تنبع من كون اليهود "شعبا طبيعيا". ولا يوجد فلسطينيون ايضا. فماذا يوجد؟ توجد أمة عربية. وليس عرب ارض اسرائيل سوى "سوريين جنوبيين". فاذا كان الامر كذلك فما هو تسويغ "حق العودة"؟ قال بشارة ان التسويغ لا ينبع من حق شعب غير موجود في العودة الى بلاده بل من حق مسلوبين في ان يستردوا أملاكهم التي ضاعت نتيجة عدوان اليهود. فهذه مسألة حقوق انسان لا حقوق شعب.

        وقد خيّب آمال يهود يؤيدون حق الفلسطينيين في وطن يخصهم. وأفرح يهودا يكفرون بهذا الحق. لأنه اذا لم يوجد شعب فلسطيني فان النضال اذا هو عن أملاك أفراد ويمكن التخلص منه في الظاهر بواسطة ترتيبات تعويض وما أشبه. اليوم يعمل الدكتور بشارة محللا في صحف وشبكات تلفاز في العالم العربي. فاذا كان مقبولا عند العرب فكيف يمكن الاحتجاج على امريكي يقول عن نية مختلفة ما قاله ذاك؟.

        لكن بشارة وغينغريتش صادقان ومخطئان ايضا خطأ مخزيا، وخطأهما مخز بأضعاف مضاعفة لأن الاول فيلسوف سياسي والثاني مؤرخ العصر الحديث الذي أنتج "شعوبا" كثيرة. وخطأهما هو الخطأ الضمني القائل انه توجد "شعوب حقيقية" و"شعوب مخترعة". والحقيقة ان الجميع مخترعون، والسؤال هو متى تم اختراعهم وما هي قوة نضالهم عن التمسك باختراعهم وما هي نسبة التأييد الدولي التي نجحوا في تجنيدها لأجله. ان 200 دولة أصبحت اعضاء في الامم المتحدة وكلها تقريبا دول قومية يقوم حقها المعترف به في الوجود على تهيئة علمانية لأساطير قديمة أو جديدة من الفرن.

        ان اليهود هم مجموعة تردد حكايات هوية قديمة جدا، لكن مشروع تركيبها لتصبح عقيدة قومية تناسب العصر الحديث قد بدأ قبل نحو من 200 سنة فقط، أما الهوية القومية الفلسطينية فأكثر شبابا كثيرا ومن شبه المؤكد أنها ما كانت لتتشكل لولا اللقاء المأساوي بين عرب ارض اسرائيل والصهيونية. وهي قد تختفي وقد تبقى وكذلك ايضا هويتنا برغم حصون قدمها.