خبر عدوان بلا ذرائع .. أمجد عرار

الساعة 08:01 م|11 ديسمبر 2011

لليوم الرابع على التوالي تشن “إسرائيل” غارات جوية على قطاع غزة . يسقط شهداء وجرحى . وتدمر غربان سلاح الجو منازل وورشاً صغيرة في قطاع من أشد الأماكن فقراً والأكثر كثافة سكانية على وجه الأرض . لا تحتاج “إسرائيل” إلى ذرائع لكي تعتدي، لكنّها في العادة تستخدم الذرائع وتوظّفها في تنفيذ سياسة ممنهجة، أو تخلق الذرائع بنفسها لنفسها .

هذه المرة تشن عدوانها اليومي بلا ذرائع، ولكن لتحقيق نتائج بالتأكيد . إنها، وعلى بلاطة، تريد تخريب المصالحة الفلسطينية التي توشك على التحقق بغض النظر عن الأساس الذي ستقوم عليه هذه المصالحة . كانت في ذروة السعادة والنشوة طالما أن الفلسطينيين منقسمون، وهي لا تريد لأي مستوى من الوحدة الفلسطينية أن يفسد نشوتها .

عندما طبّق ارييل شارون خطته المسماة “الانسحاب من جانب واحد من قطاع غزة”، فرح بعض الفلسطينيين للخطوة . اتفقوا على الفرح واختلفوا في التفسير، كل أراد أن يجيّرها لمصلحة خطّه السياسي . فريق اعتبر أن ما تم دليل على ما يمكن أن ينتج عن الخيار الدبلوماسي، ولم يكترث بأن الخطوة كانت من جانب واحد، وفريق ثان اعتبرها نتاجاً لمنهج المقاومة الذي فرض على “إسرائيل” ترك غزة . وكان هناك فريق ثالث لم ينتبه أحد لصوته رأى في خطة شارون فعلاً خبيثاً له ما بعده، بل حذّر هذا الفريق من أن غزة بعد تلك الخطوة ستنزف المزيد من الدماء . وهذا ما كانت عليه النتيجة حيث سفكت “إسرائيل” من الدماء في غزة خلال أسابيع أكثر مما سفكت منذ سنة ،67 مضافاً إليه إحداث الانقسام العمودي الأسوأ في التاريخ الفلسطيني الطويل .

ها هي “إسرائيل” تصعّد العدوان وتقتل الناس يومياً في غزة لتقول للفلسطينيين إنكم ستدفعون ثمن المصالحة فابقوا منقسمين شراذم متناكفين واغرقوا في الاتهامات المتبادلة . تريد أن تقول لهم إنها هي من يحدد مصيرهم، ليس العرب وجامعتهم العقيمة حين يتعلّق الأمر ب”إسرائيل”، وليس المسلمون ومنظمة تعاونهم الوهمي، وليست أمريكا الأشد صهيونية من هيرتزل وبن غوريون، وليست دول أوروبا الحاجب الأكثر ولاء على بوابة “إسرائيل” .

لقد سمع قادة “إسرائيل”، كما سمع الجميع، بعض أسس التقارب بين حركتي “فتح” و”حماس”، وهي أقرب لسياسة الأولى، حيث اعتماد دولة ال67 وخيار “المقاومة الشعبية السلمية”، وهما المبدآن اللذان مهّدا لاتفاق أوسلو وملحقاته رغم أن “إسرائيل” أخذت ما تريده منها ولم تعط الفلسطينيين شيئاً .

عندما تعتدي “إسرائيل” تكون ذريعتها جاهزة، تسوّقها في العالم عبر آلة إعلامية ضخمة تعمل ليلاً نهاراً، وهي آلة تتشكّل من مؤسسات إعلامية وإعلاميين وحتى مسؤولين نجحت الصهيونية في وضعهم تحت إبطها بشتى الوسائل ومنها المال والغرائز، فتحوّلوا علناً أو سراً يكسّرون الحطب لمواقدها، من دون أن يعلموا، حيث أصبحوا مماسح، أنهم بعد انتهاء مهمّتهم سيكونون حطباً في المواقد نفسها .

يكفي أن نمر في استعراض سريع على الفضائيات ونلاحظ أين أصبح موقع الخبر المتعلّق بفلسطين، إن كان له موقع . لنتأمّل في طبيعة اللهجة “الودودة” المستخدمة تجاه “إسرائيل” حتى من جانب أولئك الذين تظاهروا أو كانوا يوماً ما يصنّفونها كعدو واليوم يعدونها بأنهم سيكونون “عقلاء” في التعامل معها . بعضهم يفسّرها بمنطق يساري بأن يكون صفراً على اليسار، والبعض الآخر يقدم تفسيره الخاص لقول القرآن الكريم “كنتم خير أمة أخرجت للناس”، باعتبار أن “كنتم” فعل ماض ناقص .