خبر حرب ثقافية في اسرائيل- هآرتس

الساعة 10:02 ص|11 ديسمبر 2011

 

حرب ثقافية في اسرائيل- هآرتس

بقلم: جدعون ليفي

(المضمون: ليس ما يجري في اسرائيل الآن مجرد قوانين عنصرية يريد اليمين اجازتها بل الحديث عن حرب ثقافية شاملة في مجالات عديدة لتغيير صورة الدولة وصبغتها - المصدر).

        ان من يقول ان الحديث عن عدد من القوانين لا أهمية لها، يُضلل؛ ومن يزعم ان الحديث عن اجراء يمكن عكسه يُحيّر؛ ومن يُسكن النفوس قائلا ان الحديث عن موجة عابرة يُسيرنا في التيه. بل ان من يعتقد ان الحديث فقط عن محاولة لتغيير النظام يضل في الأوهام. ان ما يجري إزاء أعيننا الآن هو ح – ر – ب. ففي هذا الخريف نشبت حرب ثقافة في اسرائيل لا أقل من ذلك وهي تشتعل في جبهات أوسع وأعمق كثيرا مما يبدو للناظر. وليس الموجود في دائرة الفعل هو نظام الدولة فقط الذي هو أمر مصيري ايضا بل الحديث عن صورة اسرائيل. ان مناهج حياتنا توشك ان تتغير من الولادة الى الموت. ولهذا قد تصبح هذه المعركة الأكثر مصيرية في تاريخ الدولة منذ كانت حرب الاستقلال.

        علمنا دائما ان بضع سني هدوء أمني قد تزعزع المجتمع في اسرائيل. فما ان يزول التهديد الخارجي حتى توشك الدروز الدقيقة ان تتفرى: فحينما تصمت المدافع تنطلق الشياطين. لكنه لا أحد تنبأ بطوفان الشياطين هذا ان تندفع بمرة واحدة في مجالات كثيرة. ان الهجوم على النظام القائم هو هجوم شامل في جميع الجبهات وهو تسونامي سياسي وطوفان ثقافي وزلزال اجتماعي وديني نحن في أوله فقط. والذين يقولون ان الحديث عن مبالغة قد يُنومونكم. فالهزائم والانتصارات التي قد سجلت ستبت أمر ما يأتي بعد: وسيكون لنا في نهايتها بلد مختلف. ان ادعاء أننا ديمقراطية غربية مستنيرة يُستبدل به بسرعة مخيفة واقع مختلف لدولة دينية وجاهلة وأصولية وعنصرية وقومية وظلامية. لم نأمل اندماجا كهذا في المنطقة.

        ان الهجوم المتعدد الأذرع الأهوج ينجح بصورة جيدة. وهو موجه على النساء والعرب واليساريين والاجانب والجمعيات والصحافة وجهاز القضاء وكل من يقفون في طريق الثورة الثقافية. من الموسيقى التي نستمع اليها الى برامج التلفاز التي نشاهدها؛ ومن الحافلة التي نسافر فيها الى الجنازة التي نشارك فيها – كل شيء يوشك ان يتغير. فالجيش الاسرائيلي يتغير والمحكمة تتزعزع ومكانة المرأة تُرجم بالحجارة والعرب يُدفعون الى ما وراء الجدار ومهاجرو العمل الى معسكرات تجميع. ان اسرائيل تنطوي بين أسلاك شائكة وأسوار وكأنها تقول ليذهب العالم الى الجحيم.

        ليست يد واحدة هي التي تطبخ هذا السم الفوار، فان أيدي كثيرة تقلب الثورة لكن لها جميعا قاسم مشترك هو الطموح الى اسرائيل اخرى، غير غربية وغير مفتوحة وغير حرة وغير علمانية. ان اليد القومية تسن القوانين المعادية للديمقراطية والفاشية الجديدة، واليد الحريدية تضعضع سلوك الفرد ومساواة المرأة، واليد العنصرية تعمل على مجابهة غير اليهود، واليد الاستيطانية تزيد في تعزيز قبضتها على اسرائيل في الداخل ايضا، ويدا اخرى تقلب في التربية والثقافة والفن.

        لم نعد نرى الغابة من كثرة الاشجار، والغابة كثيفة ومظلمة. خذوا مثلا صحيفة أول أمس. استعرضت صفحات صحيفة "هآرتس" الاخبارية عددا من هذه الاشجار العفنة: ان عشرات من المشاغل في سدروت التزمت ان تستعمل عمالا بلباس محتشم؛ والانتخابات في مئه شعاريم مفصولة، وطلب الى العمال العلمانيين في القدس ان يعتمروا القبعات الدينية، وتحولت مدرسة بلماح في كرمئيل الى مدرسة دينية ومدراس؛ وتمييز الطالبات الشرقيات في القدس وموديعين العليا وبيتار العليا وبني براك؛ واشترطت التخفيفات الضريبية بالغاء الاستكمال للاطباء الفلسطينيين؛ وخطة حكومية جديدة لمحاربة المتسللين وفي النهاية: أحل وزير الخارجية وباء الانتخابات البوتينية في روسيا.

        في 1948 نشأت دولة وفي 2011 نشبت المعركة على صبغتها التي لم تُصغ وتبلور نهائيا قط. وبين هاتين السنتين تزعزعت الدولة بين أمواج هجرة وحكومات مختلفة وتوجهات متناقضة أثقلت عليها جميعا الحروب. ونشأت فيها جزر مختلفة عدد منها جميل وكان يبدو احيانا انه تنشأ هنا دولة مفتوحة ومستنيرة ويوشك هذا الايمان ان يتحطم الآن. تولى اليمين الحكم منذ زمن في الحقيقة، لكن تعوزه الثقة بالذات كي يمنع هذا الهجوم المصيري. لكن الآن في سنته الـ 35 في الحكم وفي سنة الدولة الـ 64 يتجه الى ان يصوغ من جديد صورتها ولم يعد يقف في وجهه أحد. الى اللقاء بعد بضع سنين في اسرائيل الاخرى والمختلفة والمشوهة التي لن تُمكن معرفتها.