خبر أكان سلام..أستكون حرب؟- هآرتس

الساعة 10:31 ص|09 ديسمبر 2011

أكان سلام..أستكون حرب؟- هآرتس

بقلم: عاموس هرئيل

ما الذي تبقى اليوم من اتفاق السلام الاسرائيلي – المصري بعد اكثر من 32 سنة من التوقيع عليه؟ فحص دقيق للاتفاق وملاحقه، في الاسبوع الذي حظيت فيه الاحزاب الاسلامية بانجازات كبيرة في الجولة الاولى من الانتخابات في مصر سيظهر صورة مقلقة للغاية. هذا واقع تفضل القيادة السياسية في اسرائيل ابعاده عن نظر الجمهور، في محاولة للحفاظ على ما تبقى من العلاقات مع القاهرة.

من سلام بارد انتقلت اسرائيل ومصر الى واقع وقف نار، هو أيضا ليس كاملا ويخرق احيانا بهجمات ارهابية من سيناء باتجاه الاراضي الاسرائيلية. الوضع الحالي هو الاخر، حيث يوجد تنسيق أمني جزئي بين الطرفين، أفضل بلا قياس من وضع الحرب الذي ساد حتى التوقيع على الاتفاق في العام 1979. ولا يزال من الصعب عدم التفكير في امكانية وقوع تدهور اضافي، اذا ما انتقل الحكم حقا من الحكام المؤقتين المتمثلين بالجنرالات المصريين الى أحزاب مدنية في ظل النفوذ المتعاظم لحركة الاخوان المسلمين.

المس بعلاقات الدولتين لا ينحصر في المجال الامني. فهو ملموس في سلسلة طويلة من المجالات، منها العلاقات التجارية، السياحة والعلاقات الدبلوماسية. واحيانا تكون هذه نتيجة الوضع الامني في سيناء، واحيانا أثر لسياسة مصرية مقصودة. هكذا يبدو ملموسا المس الشديد بالتجارة في معابر الحدود. اسرائيل ومصر موقعتان على اتفاقات "كويز" التي ترتب التصدير المشترك لبضائع انتجت في الدولتين الى الولايات المتحدة، في ظل امتيازات جمركية كبيرة يقدمها الامريكيون. ولكن في الاشهر الاخيرة تطلق خلايا بدوية النار على الشاحنات في الطرق نحو المعابر في سيناء وارساليات "كويز" تعلق في معظمها.

توريد الغاز من مصر الى اسرائيل مشلول تماما. في نهاية تشرين الثاني سجل في سيناء الانفجار التاسع في انبوب الغاز الى اسرائيل في غضون اقل من سنة. هذه العمليات هي الاخرى مسؤولة عنها جماعات بدوية تعمل على ما يبدو بدوافع مختلطة، تخريبية واقتصادية – الرغبة في انتزاع بدل حماية (خاوة) من النظام مقابل التعهد بالامتناع عن المس بالانبوب. الانفجار التاسع وقع بعد بضعة ايام من الانفجار الثامن، على ما يبدو لان الهجمة السابقة لم تعطل الانبوب تماما. عمليا، توريد الغاز مجمد منذ فترة طويلة، ومشكوك جدا أن يستأنف.

ليس مريحا للنظام في القاهرة التوريد المنتظم للغاز الى اسرائيل، فما بالك انه في وسائل الاعلام المصرية تنشر كل الوقت اتهامات حول صفقة في الظلام عقدها الرئيس السابق حسني مبارك ومقربوه، سمحت لاسرائيل أن تشتري الغاز بسعر زهيد. حتى لو نجحوا في استئناف التوريد الى اسرائيل، يبدو أن المصريين يرغبون في فتح الاتفاق بشكل يسمح لهم بجباية ثمن أعلى بكثير، مثلما حصل مؤخرا مع التوريد الى الاردن. مهما يكن من أمر، اسرائيل لا يمكنها أن تعتمد الان على توريد الغاز المصري. رئيس شركة الكهرباء يفتح رون – طال، قال هذا الاسبوع ان سعر الغاز للمستهلك الاسرائيلي سيرتفع في السنة القادمة بقدر كبير.

السياحة بين الدولتين قضت نحبها. سياح مصريون ظهروا في اسرائيل، باعداد قليلة، فور الاتفاق فقط. السياحة الاسرائيلية الى القاهرة (باستثناء العرب الاسرائيليين) انطفأت هي ايضا في غضون سنوات قليلة. الفوضى في سيناء في الاشهر الاخيرة فعلت ما لم تفعله سنوات من العمليات والاخطارات من جانب قيادة مكافحة الارهاب: اسرائيليون قلائل فقط يواصلون اليوم التوجه للاستجمام في سيناء.

سفن اسرائيلية لا تزال يمكنها التحرك عبر قنوات السويس، ولكن يحتمل ان يكون هذا مؤقتا. الحركة في القناة، للسفن من كل الدول، معطلة بسبب اضرابات العمال المصريين، ولكن الخطر العملي أكبر. في نيسان أوقفت اسرائيل ارسالية ايرانية لصواريخ شاطيء – بحر من طراز 704 سي، من ايران الى قطاع غزة. يمكن فقط التخمين كيف ستؤثر ارساليات مشابهة على حركة السفن في القناة، اذا ما وصلت الى خلايا بدوية في غربي سيناء.

ماذا تبقى

اسرائيل ومصر تواصلان عقد اتصال دبلوماسي وأمني، ولكنه ليس علنيا. السفارة الاسرائيلية في القاهرة اغلقت بعد هجوم جماهيري عليها في شهر ايلول، وفي هذا اللحظة من الصعب رؤية اذا كانت ومتى ستفتح من جديد. المندوب الاسرائيلي الكبير في القاهرة، في ظل لا يظهر، هو نائب السفير. السفير السابق، اسحق ليفانون، أنهى ولايته ومن سيحل محله، يعقوب اميتاي، لم يستقبل بعد في مصر. عندما كانت اسرائيل بحاجة عاجلة الى الجنرال محمد حسين طنطاوي لانقاذ الحراس من السفارة المحاصرة، لم يرد الحاكم المصري على المكالمات وكان مطلوبا تدخل مباشر من الادارة الامريكية.

بمفاهيم عديدة فان تجريد سيناء العسكري هو العنصر الامني الاهم في الاتفاق، ولكن من الذي تبقى للرقابة عليه؟ قوة المراقبين متعددة الجنسيات في سيناء مهددة على نحو دائم من البدو. الخلايا الارهابية تطلق النار على قواعدها وتزرع عبوات ناسفة لقوافلها. وانتقل الامريكيون مؤخرا الى نقل رجالهم جوا بالمروحيات، بأمل تقليص المس بالقوافل. قبل بضعة اشهر هاجمت عصابة بدو قاعدة مصرية في العريش وقتلت ضابطين وعشرة أفراد من الشرطة. هجوم مشابه على قاعدة القوة متعددة الجنسيات من شأنه أن يؤدي الى اخلاء المراقبين. في الجانب الاسرائيلي يلاحظو مؤخرا بوادر اثارة اعصاب متصاعدة في قيادة القوة.

هكذا ايضا، فان اتفاقات تخفيف حجم القوات تخرق بشكل فظ منذ بضع سنوات، وبقوة أكبر في السنة الاخيرة. بدأ هذا بعد فك الارتباط عن قطاع غزة في 2005، حين طلبت اسرائيل من مصر مساعدتها في منع تهريب السلاح في الانفاق من سيناء الى رفح. واشترطت مصر ذلك برفع مستوى القوات المنتشرة على طول محور فيلادلفيا. وافقت اسرائيل على استبدال 750 شرطي مصري بعدد مشابه من رجال حرس الحدود لديهم، أكثر تسليحا وتدريبا. عمليا، ابقى المصريون في المنطقة القوتين وبعد ذلك تلقوا موافقة اسرائيلية على فتح قاعدة بحرية في العريش (لمكافحة التهريب البحري) وطيران مروحيات عسكرية غير مسلحة بصواريخ مضادة للدبابات على مقربة من الحدود – وهما بندان يخرقان اطار الاتفاق.

بعد ذلك جاءت الاحداث في ميدان التحرير في القاهرة والفوضى في سيناء في اعقابها. وطلبت مصر من اسرائيل السماح لها بادخال ست كتائب مشاه لفرض النظام في سيناء واستجيبت. والان ينتشر في سيناء اكثر من لوائين مصريين، اكثر من حجم القوات التي يسمح بها الاتفاق. اسرائيل تتجلد، وان كان الانتشار لم يساهم بشكل واضح في تقليص الاضطرابات، كبح جماح البدو أو منع العمليات من سيناء. كما ان وتيرة ادخال المهاجرين واللاجئين الافارقة الى اسرائيل، والتي تبلغ اليوم المئات في الشهر، تدل ليس فقط على أن الجدار الحدودي لم يستكمل بل على انعدام قدرة (وربما انعدام رغبة) المصريين في معالجة المشكلة.

لتفريغ اتفاقات السلام من محتواها في اعقاب الخليط الفتاك لتأثير التحرير وسيناء، توجد نتائج مقلقة بالنسبة للوضع الامني على الحدود. الحادثة في 18 آب، عندما قتلت خلية بدوية مدربة جيدا ثمانية مواطنين وجنود اسرائيليين على طريق 12 الى ايلات كانت نذر شؤم. فعلى أي حال يدور الحديث هنا عن تغيير ذي معنى استراتيجي تقريبا، اذ تتحول هذه من حدود كانت فيها أساسا نشاطات جنائية وتهريبات للسلاح الى خطر حقيقي بالعمليات. ولكن في مراحل لاحقة يتعين على اسرائيل ان تأخذ بالحسبان سيناريوهات أشد بكثير: المس بحرية المناورة للجيش الاسرائيلي في حالة التصعيد في غزة، ادخال فرق مصرية الى سيناء وفي المدى البعيد حتى خطر ما بحرب، وإن كان هذا يبدو حاليا سيناريو ضعيف.

علامة استفهام

مسألة حرجة، من الزاوية الاسرائيلية، هي ماذا يعني الامر بالنسبة لمجال المناورة العسكرية في جبهات اخرى. منذ التوقيع على اتفاق السلام اجتازت اسرائيل انتفاضتين وحربين مبادر اليهما في لبنان ومصر صمتت بشكل عام. بالمقابل، وان كانت عزت العملية من سيناء في آب الى مبادرة غزية، الا ان اسرائيل اكتفت برد فعل مكبوح الجماح اكثر مما ارادت، بسبب الضغط المصري. كيف ستتصرف مصر في حالة حملة اخرى على نمط رصاص مصبوب؟ العميد احتياط موشيه تشيكو تمير، قائد فرقة غزة سابقا، قال هذا الاسبوع في مؤتمر في معهد بحوث الامن القومي ان اسرائيل انطلقت الى رصاص مصبوب في ظروف مريحة بشكل غير عادي وان على الجيش الاسرائيلي أن يفترض بان هذه الفرصة لن تتكرر في المستقبل.

جيف فليدمان، مساعد وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون قال هذا الاسبوع لصحيفة "يديعوت احرونوت" ان "الاخوان المسلمين وعدوا باحترام اتفاق السلام مع اسرائيل". لا ينبغي تجاهل التوقع الامريكي، ولكن حتى اليوم أبدت ادارة اوباما فشلا مطلقا في التوقع والاداء في الساحة المصرية، بحيث انه من الافضل الاخذ بتوقعها بحذر.

في حالة مواجهة اخرى في غزة، سيتعين على اسرائيل أن تاخذ بالحسبان ضغطا مصريا فوريا لوقف حملة للجيش الاسرائيلي لدرجة التهديد بنقل فرقة مصرية الى سيناء، وان كان الامر يعني خرفا فظا لاتفاق السلام. اللواء يوآف غالنت قال هذا الاسبوع في جامعة تل أبيب ان "التآكل في اتفاق السلام يمكن ان يؤدي الى دخول جيش مصري الى سيناء"، وذكر بان حشد قوات مشابه كان سببا مركزيا لاندلاع حرب الايام الستة. فهذ ستعمل اسرائيل في مثل هذه الحالة؟ غالنت طرح "علامة استفهام كبيرة".

العقيد احتياط رونين كوهين، مسؤول كبير سابق في شعبة الاستخبارات العسكرية كان ضمن امور اخرى نائب رئيس دائرة البحوث في الشعبة قال لـ "هآرتس" ان "الهجمات من سيناء في الفترة الانتقالية لطنطاوي هي نتيجة قصور في الرقابة العسكرية المصرية. اذا ما تعاظم بالفعل نفوذ الاخوان المسلمين، فسنرى في السنوات القريبة القادمة عمليات اكثر تواترا، في ظل غض الحكم في القاهرة النظر بشكل مقصود. المصريون لن يتوجهوا الى مواجهة متعمدة معنا، وذلك ايضا لانهم يحتاجون على نحو يائس للمساعدة الاقتصادية من واشنطن كي يبقوا على قيد الحياة".

في السنوات الثلاثين الاخيرة كاد الجيش المصري يشطب من قائمة التهديدات التي أخذها الجيش الاسرائيلي بالحسبان في تخطيط بناء قوته. غالنت ذكر أنه في كل حرب عمل فيها الجيش المصري كانت كانت هي الجبهة الاخطر على اسرائيل. اليوم ايضا يدور الحديث عن جيش من مليون رجل، نحو نصفهم في الخدمة الالزامية، نحو 4 الاف دبابة، الفي فوهة مدفعية، مائتي طائرة اف 16، اكثر من 170 سفينة وبالاساس مساعدة عسكرية ملاصقة من الولايات المتحدة. في سنوات السلام ايضا ادار هذا الجيش مناورة كبرى كل سنة كانت موجهة ضد دولة مجهولة في الشرق، ليس ضد الجيران غير المستقرين في ليبيا وفي السودان.

ماذا تفعل اسرائيل في ضو التغييرات؟ الانعطافة البارزة هي تسريع العمل على بناء الجدار في الحدود المصرية. رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، يتحدث الان عن بناء جدار مشابه في القسم الجنوبي ايضا من الحدود الاردنية، ولا سيما خشية ان يبحث اللاجئون من افريقيا عن مسار بديل اذا ما سدت الطرق من سيناء في وجههم نحو اسرائيل.

منذ آب رفع الجيش الاسرائيلي مستوى انتشاره على الحدود المصرية، لمنع المزيد من التسلل. حجم القوات على الحدود تضاعف وفي المنطقة ينتشر الان بانتظام لواء مشاة نظامي. كما أن قدرة الفرقة اللوائية على الحدود (فرقة لوائية 80) رفع مستواها بقدر واضح. نائب رئيس الاركان، اللواء يئير نافيه، يدعي بان الفرقة تسمى فرقة لوائية 80 لانها تأخذ 80 في المائة من وقته. الجيش الاسرائيلي لا يزال يبحث في امكانية ان يقيم من جديد الفيلق الجنوبي الذي يستهدف استخدام القوات في سيناء عند الطوارىء.

رئيس الاركان بيني غانتس قال مؤخرا للضباط في عدة مناسبات ان الجيش "يجب أن يبدأ النظر جنوبا". هذا ليس اعلان حرب بالطبع. الشرك الذي يقف الجيش الاسرائيلي امامه معاكس: عليه أن يبدأ بالاستعداد بجدية لسيناريوهات متشائمة، ولكن ان يحذر من القيام بخطوة علنية على فرض أن كل خطوة كهذه ستهين المصريين وترفع مستوى التوتر بين الدولتين.

المشكلة الاساس هي ان الجيش الاسرائيلي نسي "الحديث بالمصري". في العقدين اللذين كان الانصات فيهما يعطى لساحات اخرى، نسيت معظم المعرفة المرتبطة بالمواجهة الصحراوية، الجنوبية وتعفنت عن عمد (وذلك ايضا بسبب المقدرات المحدودة) القدرات العملياتية وجمع المعلومات. الان ايضا، على الجيش أن يحذر في جمع المعلومات عن الدولة التي لا تزال تعرف كصديقة.

غالنت، في سنواته الخمسة كقائد للمنطقة الجنوبية، كان المحذر في موضوع الخطر المصري المستقبلي. في المستويات التي اعلى منه لم يتحمسوا للانشغال بذلك لضيق الوقت والمقدرات وكذا خشية اغضاب القيادة السياسية. والسياقات التي بدأت، للتفكير والجمع الاستخباري، بقيت في معظمها في مجال قيادة المنطقة الجنوبية، بينما كانت هيئة الاركان تغلق وحدات وقيادات. ووصف غالنت في حينه أعماله بانها "بوليصة تأمين بدفعة متدنية". الان على الجيش أن يدفع دفعة أعلى بكثير على امل الا يضطر في المستقبل بدفع كامل المخاطرة.

"على مدى السنين، كان التفكير هو أن الاستخبارات يمكنها أن توفر اخطارا مبكرا، لسنة أو سنتين، بتقلبات متوقعة في مصر"، قال ضابط الاستخبارات رونين كوهين. "ولكن دومينو ربيع الشعوب العربية انهار بأسرع من المتوقع. على اسرائيل أن تتناول سقوط نظام مبارك كاخطار استراتيجي بعيد المدى وان تستعد بما يتناسب مع ذلك. فهذا سيستدعي تحويل مصادر كبيرة في خطة متعددة السنوات، بالذات في الفترة التي اعاد فيها الاحتجاج الاجتماعي في الصيف النقاش الجماهيري الى مسألة التقليص في ميزانية الامن.