خبر هكذا اختفى السلام -هآرتس

الساعة 11:55 ص|08 ديسمبر 2011

 

هكذا اختفى السلام -هآرتس

بقلم: جدعون ليفي

        (المضمون: طُوي السلام بين اسرائيل والفلسطينيين عن حديث الاسرائيليين وخطابهم ولم يعد هناك سوى الحديث عن قصف ايران وفي هذا ما فيه من الخطر على اسرائيل نفسها - المصدر).

        يحدث هذا أكثر من مرة بأن تختفي شخصية كانت عظيمة القدر في حياتنا منها بالتدريج. لا بصفق الباب ولا بعد خصام مجلجل بل بغير حس تقريبا، على هيئة تلاشي بطيء الى ان نلاحظ ذات يوم فجأة أنها اختفت كليا.

        هكذا بالضبط اختفى السلام من حياتنا. لم يعد أحد يتحدث عنه حتى ان التفاوض فيه وهو الأطول في التاريخ قد مات رسميا ولم ننتبه. فلا سلام ولا تفاوض بل ولا حلم. والسياق الوحيد الذي يُذكر فيه اذا ذُكر أصلا، هو سياق الخطر الفظيع الكامن فيه: فلا يخطر في بال أحد أنه توجد ايضا شروط سلام حقيقية قليلة الأخطار وواعدة بواقع مختلف. وأنه لا تطلق النار في السلام مثلا بل في الحرب فقط.

        في الاسبوع الماضي قدم محمود عباس أجوبته المفصلة الى الرباعية ولم ينجح حتى في استخراج تثاؤبة هنا؛ بل ان القدس لم تجهد نفسها في الرد. هذا الاسبوع خطب رئيس الحكومة خطبته الخرطومية على قبر دافيد بن غوريون ولم يخطر حتى ببال أحد أنه يتحدث عن المفهوم المنسي أكثر من غيره في حياتنا.

        تحدث بنيامين نتنياهو عن "قرارات شجاعة"، كتلك التي "نحن هنا بفضلها"؛ وعن الوالد المؤسس، الذي "أدرك أن هناك ثمنا باهظا للقرار لكنه أدرك ان لعدم اتخاذ القرار ثمنا أبهظ" – وفهم الجميع ما الذي قصد اليه. هل "قرارات شجاعة" لدفع تسوية قُدما؟ هل "قرارات نحن هنا بفضلها" لانهاء الاحتلال؟ لا. قصد نتنياهو الى قصف ايران. كنا نخمن الى ما قبل بضع سنين أنه تحدث عن السلام وأصبح واضحا الآن أنه حينما يتحدث رئيس الحكومة عن قرارات تاريخية فانه يتحدث عن قصف.

        هكذا اختفى السلام عن سماء حياتنا. ففي البدء فقد الاسرائيليون الاهتمام به وبعد ذلك رُعاتهم الامريكيون ايضا. وانتشر مبعوثوهم في كل اتجاه، وشرط الفلسطينيين المفهوم من تلقاء نفسه وهو ان يتم تجميد البناء في المستوطنات في نهاية الامر، يستعمله نتنياهو ذريعة الى عدم اجراء حتى تفاوض وهمي، وبلغت لعبة "مصنع السلام" نهايتها. من الجيد في الظاهر ان حفل الأقنعة هذا قد انتهى لكن بقي مع ذلك خاطر مقلق يقول ما هو بدل ذلك؟ اذا لم يكن سلام ولا تفاوض فما الموجود؟ يوجد جواب حاسم واحد فقط: هذا الفراغ سيمتليء.

        اذا لم يكن سلام ولا حلم حتى ولا تفاوض – فسيملأ شيء آخر مكانها. واذا حُكم على أمل الفلسطينيين الضعيف بحياة حرية بالموت فسيضطرون مرة اخرى الى السير في طريق آخر، لأنه ماذا سيصنعون؟ هل ينتظرون لا يعملون شيئا جيلا آخر؟ هل يجلسون مكتوفي الأيدي جيلين آخرين؟ من المؤكد أن لا، سيملأ هذا الفراغ جولة سفك دماء اخرى أفظع من سابقاتها. كانت الهبة الاولى انتفاضة الحجارة والسكاكين وكانت الثانية انتفاضة الشحنات الناسفة والمنتحرين وستكون الثالثة بطبيعة الأمر أعنف كثيرا.

        انها لا تنتظر وراء الزاوية. فالشعب الفلسطيني منقسم ونازف وتعوزه الروح القتالية، وحياته الآن مريحة بصورة نسبية، لكن الجيل التالي لن يكتفي بما هو موجود. ولن تقعد الشعوب العربية ايضا لا تفعل شيئا؛ انها تقلقها الآن شؤونها الداخلية. لكن حينما تُحل وربما يصبح عندنا عدد من الشعوب العربية الحرة، سيجندون أنفسهم حينذاك لمساعدة اخوتهم غير الأحرار.

        مع مضي العاصفة وانقشاع الغيوم الكثيفة قد يصير لدينا شرق اوسط جديد يعيش فيه العرب الأشد قمعا تحت "الديمقراطية الوحيدة في الشرق الاوسط"، ولن يصمتوا آنئذ. ومثلهم العالم ايضا: فلن يكون ملايين السكان الذين لا يملكون حقوق مواطنة أمرا يحتمل في العالم الجديد.

        تكون للآمال الباطلة احيانا قيمة. انهم ما تحدثوا عندنا عن السلام وما أُجري التفاوض كان هناك أفق. كان مضللا وموهما وآخذا في الابتعاد لكنه كان هناك في مكان ما. وقد طُوي الآن عن سماء حياتنا وحياة الفلسطينيين وتتحمل حكومة اسرائيل مسؤولية مصيرية عن هذا. لا توجد عمليات تفجيرية ولا يوجد عرب، فالأمل في القصف، والقرار الشجاع الوحيد الذي يتخيله رئيس الحكومة هو الخروج في هجوم آخر والتفكير بأن هذا يمكن ان يستمر على هذا النحو الى الأبد يثير الرعب. يصعب تصديق أنني أكتب هكذا: أين جورج ميتشيل عندما نحتاج اليه؟ أين الوهم الذي نحتاجه الآن؟.