خبر بين موسكو والقدس -معاريف

الساعة 09:01 ص|07 ديسمبر 2011

بين موسكو والقدس -معاريف

بقلم: نداف ايال

(المضمون: بإسم القومية الروسية، فقدت روسيا الديمقراطية قصيرة العهد لديها في صالح إحساس زائف من انتصاب القامة الوطنية – هذا ما يحصل عندنا أيضا – المصدر).

الانتخابات في روسيا هذا الاسبوع رمزت أغلب الظن الى نهاية عصر. فللمرة الاولى منذ عقد من الزمان يبدو أن حزب "روسيا الموحدة" برئاسة بوتين يفقد قوته. الاغلبية التي حصل عليها في الدوما، المجلس الروسي الادنى، كانت طفيفة – ومن غير المستبعد ان يكون هذا النجاح موصوما بالتزييف المنظم. الاحساس بالقوة الذي منحه بوتين لروسيا بعد سنوات ضعف يلتسن لا يغطي الان الانطباع الجماهيري المتصاعد بوجود وضع راهن عفن ومتهالك.

من يرفع الى العالم التفاصيل عن الخروقات في الانتخابات في روسيا هي منظمة "غولوس". وهذه تلقى تمويلها من الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة. أعضاء الدوما من حزب بوتين ثاروا على الانتقاد الذي أطلقته "غولوس" وكانت لديهم حجة مظفرة: ما الذي جعل أمريكا وروسيا فجأة تتدخلان في الشؤون الداخلية لروسيا؟ غير معقول. دوافعهم كانت نقية جدا، بالطبع. في يوم الانتخابات نفسها أجرت محافل مجهولة عملية رقمية ضد "غولوس" وأسقطت موقع الانترنت للمجموعة الانتقادية. عندنا كانوا سيسمون هذه العملية بانها "شارة ثمن".

على روسيا مرت سياقات هدامة. بإسم القومية الروسية، فقدت روسيا الديمقراطية قصيرة العهد لديها في صالح إحساس زائف من انتصاب القامة الوطنية.  الانتقاد الداخلي في روسيا يعد مثابة الضعف. والمعارضة قدمت بصفتها خائنة. وكبح جماح الاعلام وفي النهاية اُخضع تماما.

في اسرائيل، يوجد نواب يتطلعون الى الكرملين كقدوة ناجعة لنظام قوي. كيف يعرفون؟ يحاولون محاكاة نظام بوتين بكل وسيلة. مع فارق واحد: في روسيا، منظمة مثل "غولوس" يمكنها أن تستمر في الوجود بشكل قانوني. لو كان هذا منوطا باوفير اكونيس ورفاقه في الكتلة المتطرفة في الليكود، فان منظمات اسرائيلية انتقادية تتلقى التمويل من الخارج كانت ستختفي.

هذا الاسبوع ظهر النائب اكونيس في برنامج "لندن وكرشنباوم" وسُئل عن التهمة بالمكارثية. وكان جوابه مذهل. فقد قال مقرب نتنياهو ان "هذا مشوق. كان محقا في كل كلمة. والدليل، كان هناك عملاء سوفييت". اكونيس، يعطي الانطباع من ردود فعله في وقت لاحق بانه لا يقف حقا خلف هذا القول. حسن أن هكذا. مكارثي دمر حياة مئات والاف الاشخاص – ليس فقط اولئك الذين استدعوا للشهادة وحقق معهم للاشتباه بالعلاقة بالشيوعية في زمن ما في ماضيهم بل وايضا اولئك الذين اشتبه بهم فقط، اشير اليهم من بعيد، عن حق أو عن غير حق. عائلات كاملة بقيت بلا عمل. ادباء تحولوا الى اعضاء في القائمة السوداء. ظواهر الوشاية والافتراء الكاذب طاردت الوعي الامريكي. نعم، كان عملاء سوفييت تسللوا الى المؤسسة الامريكية ولكن مكارثي ادعى ادعاءا أخطر – في أن الشيوعية توجد في كل مكان وان الثورة على الطريق. الجريمة التي ارتكبها مكارثي لم تكن فقط ضد الضحايا الابرياء، معظمهم ان لم يكونوا كلهم. الجريمة الفظيعة كانت ضد الفكرة الامريكية بالحرية. الفهم العبقري في أن حرية التعبير ليست فقط قيمة لعب لمدعي النفس الطيبة، بل حيوية لوجود أمة سليمة، وذلك لانه من خلالها يمكن للشعب أن يتخذ القرارات الاكثر حكمة. كانت هذه خطيئة مكارثي، وعلى هذا لا تغفر أمريكا.

مكارثي كان محقا، قال النائب في الكنيست، وكشف بذلك عن الوعي الباطني لظاهرة نشهدها في اسرائيل. في اساسها، هي السبيل الذي كفت فيه الاغلبية البرلمانية احترام قواعد اللعب الديمقراطية وتحطمها باسم المخاوف الدفينة بل واحيانا الوهمية. المجتمعات التي تتبنى الانتقاد هي مجتمعات قوية ومستقلة اكثر من تلك التي ترى في المعارضة نوعا من الضعف. هذا لم يفهمه مكارثي، لا يفهمه بوتين وكنيست اسرائيل الحالية لا تدركه هي ايضا.

"محظور علينا أن نخلط المعارضة بعدم الولاء"، قال الصحفي الشهير إد مورو عندما قرر أن يهاجم علنا مكارثي. "نحن لم نتجول في حالة خوف كل من زميله. لن نندفع من خلال الخوف الى عصر من انعدام المنطق، اذا ما نظرنا عميقا في تاريخنا وفكرنا وتذكرنا باننا لسنا أنسال الجبناء – لسنا أنسال أناس خافوا من أن يكتبوا، يتحدثوا، يتحدوا ويدافعوا عن أهداف بدت لهم في حينه غير شعبية".