خبر بعيد عن بن غوريون -معاريف

الساعة 09:45 ص|06 ديسمبر 2011

بعيد عن بن غوريون -معاريف

بقلم: عوفر شيلح

        (المضمون: بجدر برئيس الوزراء أن يتبنى بضعة أمور فعلها بن غوريون غير وقوفه ضد نصف العالم. ليس هذا إرث الختيار المصدر).

        لكل واحد دافيد بن غوريون، كما تبين مرة اخرى في احتفال الذكرى الرسمي لرئيس الوزراء الاول في سديه بوكر أول أمس: الرئيس شمعون بيرس جند معلمه وسيده كي يحذر من عمل اسرائيلي ضد رأي كل العالم ("كان حذرا من عزلة عالمية")، اما رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو فقد وجد في بن غوريون ما يساعده على الاتجاه المعاكس: اثناء القرار على اقامة الدولة، قال نتنياهو، سمع بن غوريون التحذيرات من الداخل ومن الخارج، ولكنه اتخذ القرار السليم في الوقت السليم.

        كلام الرجلين فسر بالطبع كتلميح لموقفهما من مسألة هجوم اسرائيلي في ايران. ما كان بن غوريون سيفعل في قضية ايران؟ لا أحد يعرف، من الغباء السؤال. ولكن ليس نافلا ان نذكر رئيس الوزراء بانه اذا كان يتعلق برجل استبعد أباه (أبا نتنياهو) وزملاءه في الفكر عن الاجماع، فلعله يجدر به، ان يتبنى بضعة أمور فعلها بن غوريون، فضلا عن القرار ضد نصف العالم. عمليا، نوع الزعامة التي جسدها بن غوريون هو السعي قبل كل شيء الى شرعية القرارات من النوع التي اتخذها.

        بن غوريون مثلا كان مواطنا اتخذ قرارات أمنية صرفة وفرض إمرة حقيقية على لبسي البزات. ومع أن الدولة كانت تقف امام خطر لا يقل في جسامته عن المخاطر التي تقف امامها اسرائيل اليوم، فقد قلص في ميزانية الجيش الاسرائيلي – وعندما أبلغه رئيس الاركان الثاني يغئال يدين بانه لا يوافق على التقليص، قبل استقالته. ولم يتردد بالقيام بثورات فكرية وشخصية في الجيش، عين شبانا مثل يدين وموشيه ديان للوقوف على رأسه. وقبل ذلك، في ذروة كفاح الاستقلال، تعمق في مسائل أمن ونفذ تحولا في القيادة. كان له مفهوم شامل عن سلم الاولويات، مكان الجيش في مجتمع بل وحتى مفهوم استخدامه. عمليا لم يتحدى أحد صياغاته حتى اليوم.

        ونتنياهو، الذي يتمسك بإرثه؟ في جلسة الحكومة التي سبقت سفره الى سديه بوكر دق مسمارا آخر في تابوت استنتاجات تريختنبرغ، الرجل الذي هو نفسه اطلقه على الدرب وزعم أنه تبنى تقريره. وحسب كل المؤشرات، فانه يوشك على أن يتراجع امام ضغط جهاز الامن ليصفي ما وافق عليه مدير عام ديوانه المنصرف ايال غباي (الذي هو أيضا عمل بتعليماته) فيما يتعلق بادارة ميزانية الدفاع والشفافية في الاعمال. نتنياهو تعلق بامور الجميع كان يعرفها مسبقا، لم يكن هناك شخص في جهاز الاستخبارات لم يتوقع انجاز الحركات الاسلامية في الانتخابات في مصر مثلا كي يتراجع عن اقوال قالها صراحة قبل بضعة اسابيع. ما بدأ كتغيير لسلم الاولويات ينتهي باعفاء جمرك على المشتريات في الانترنت.

        ما كان هذا ليحصل لبن غوريون. وبن غوريون، الذي لم يتردد في المناورات السياسية ولم يفوت الفرصة لان يكون تافها، كان قدوة في انماط حياته. فقد عرف بان شرعية الزعيم، حتى وان كان الاب المؤسس، تنبع أولا وقبل كل شيء من الاحساس بانه ينفذ على جلدته ما يطالب به الاخرين، وأن التضحية التي يطلبها من الجمهور الذي يقوده – وفي سنوات بن غوريون وراء الدفة طولب مواطنو اسرائيل بتضحيات بمستوى من الصعب تصورها اليوم – يجب أن تجد تعبيرها أيضا في حياته الشخصية.

        نتنياهو القى بخطابه على مسافة سمع عن الكوخ في سديه بوكر، والذي قضى فيه بن غوريون سنواته كتجسيد ذاتي لرؤيا وطنية لا يكلف زعماء اسرائيل أنفسهم العناء حتى للتعبير عنها. وتحدث أمام قبر رجل لم تطلق في جنازته طلقات الشرف، بناء على طلب صريح منه. في رؤياه، في أفعاله، في شجاعته العامة وفي قدوته الشخصية، طريق نتنياهو لان يكون بن غوريون لا يزال بعيدا جدا، لدرجة أن محاولاته التعلق بالذات بمصاعب خلفية بن غوريون امام الاغيار تبدو سخيفة.