خبر قصة عميل من غزة منذ أربعين عاماً!

الساعة 11:19 ص|05 ديسمبر 2011

قصة عميل من غزة منذ أربعين عاماً!

فلسطين اليوم-غزة

في عتمة الليل يتسلل كخفافيش الظلام..يبحث عن معلومة هنا.. وهدف هناك .. وفي النهار يقف على باب المسجد ينظف من أمامه .. وعيناه ترصدان كل حركة أو همسة .. في محاولة منه لصيد هدف ثمين..متناسياً أن الحقيقة ستنكشف يوماً ما، وأن ما حاول إخفاءه طوال 40 سنة من التخابر مع العدو الصهيوني، سيودي به في قبضة رجال الأمن الداخلي.

منذ السبعينيات

هناك .. في غياهب سجن الكتيبة غرب مدينة غزة التقت "الداخلية" بالمتخابر مع الاحتلال الصهيوني (ز.م) البالغ من العمر 62 عاماً، ليعرفنا على البداية، حيث قال: "كان عمري 18 عاماً عندما استطاع ضابط المخابرات إسقاطي في حبائله، بعدما اعتقلني في سجونه وحكموني بالسجن مدة عامين ونصف بتهمة انتمائي لإحدى التنظيمات".

ويروي (ز.م) كيف استغل الاحتلال حاجته للخروج من السجن والطعن في عرضه وشرفه حيث أبلغه أن أخته تزوجت سراً بأحد الأشخاص وأنها (دايرة على حل شعرها)، وأنهم سيساعدونه في الإفراج عنها ويتعاونوا معه على قتلها لتطهير شرفه، ليخرج حينها من السجن ويتفاجأ أن أخته معتقلة على خلفية انتمائها لذات التنظيم.

ومنذ أوائل السبعينيات حاول (ز.م) أن يبتعد عن طريق العمالة لكن ضابط المخابرات كان يهدده بفضحه عبر شريط مسجل له بصوته بأنه مستعد للتعاون معهم.

وأطرق رأسه ثم قال: "لم يقف عملي عند التخابر مع الاحتلال بل امتد بي الأمر لتعاطي المخدرات وشرب الكحول وتناول معظم أنواع "المكيّفات".

وأوضح (ز.م) انه كان يطلب منه معلومات عن شخصيات تسكن منطقته أو حتى خارجها، وذلك مقابل حوافز مالية كان يبلغني ضابط المخابرات الصهيوني بوجودها في مكان ما، مشيراً إلى أن أكبر مبلغ تقاضاه دفعة واحدة 3آلاف دولار.

ولفت إلى أن اتصال ضابط المخابرات الصهيوني به انقطع لفترة طويلة خاصة قبل انتفاضة الأقصى، "وكنت قد عزمت حينها أن أقطع صلتي بالاحتلال حتى لو هددني بالفضيحة، لكنه عرف من أين تؤكل الكتف".

وبتنهيدة حارة مضى يقول: "بعد أحداث انتفاضة الأقصى بعامين أو يزيد اتصل بي ضابط المخابرات يطلب مني معلومات عن بعض الشخصيات، وهنا رفضت وتمنعت فأغلق في وجهي المكالمة, وظننت أن الأمر انتهى، لكنه بعد يومين عاود الاتصال بي وقال: نحن نعلم أن ابنك يعمل مع فصيل (...) وإذا أردت أن تراه على قيد الحياة فعليك أن تكمل المشوار معنا وإلا قضيته صاروخ أباتشي".

وهنا أطرق (ز.م) رأسه بحسرة وألم وقال: "اضطررت خوفاً على ابني للعودة إلى التخابر معهم وتنفيذ ما كان يطلب مني".

توبة بعد فوات الأوان

وأعرب (ز.م) عن حزنه الشديد لما وصل إليه أمره "بعد هذا العمر"، وقال: "أشعر بالندم الشديد على ما اقترفته في حياتي بحق نفسي وأهلي ومجتمعي الذي لا أستطيع أن أرفع رأسي أمامه ولو لحظة واحدة، بعدما كانت علاقتي بهم علاقة جيدة وحميمة".

 

وأضاف: "كنت محبوباً بين جيراني الذين لم أكن أتخلف عن مساعدتهم عند الحاجة، كذلك كنت معروفاً في مسجد الحارة التي أسكنها، أنظف من أمامه وأساعد شبابه في العمل التطوعي".

 

واستدرك قائلاً: "لكنني اليوم للأسف لا أستطيع وصف شعوري بالخزي من الناس ومن أهلي الذين لا يزورني منهم سوى ابني وزوجتي اللذين أشعر أنهما يحضران لزيارتي وهما خجلان، كما أنني في ذات الوقت أشعر بالخجل من نفسي ولا أستطيع النظر في عينيهم، وربنا يصبرهم على مصيبتهم".

 

وتابع: "أنا خائف على أهلي من انتقام الاحتلال منهم بعدما انكشف أمره "أو أن يحاولوا استغلال نفسيتهم السيئة ويسقطوا أي أحد منهم".

 

وفي رد له على سؤالنا عن سبب عدم تسليمه لنفسه عندما أعلنت وزارة الداخلية عن حملة مكافحة التخابر مع العدو؟ أجاب: أنا نادم اليوم أشد الندم على أني لم أستغل تلك الفرصة خوفاً على ابني الذي كان يهددني الاحتلال بقتله".

 

وبعد تجربة كانت نهايتها مريرة توجه (ز.م) بنصيحته إلى الشباب المسلم بأن "انتبهوا لأنفسكم ومستقبلكم ولا تسيروا في طريق الوحل، داعياً المتخابرين مع الاحتلال أن يراجعوا أنفسهم وضميرهم وأن يسلّموا أنفسهم.

 

وفي نهاية لقاءنا به كانت أمنيته في هذه الحياة أن يغفر الله عزو جل ذنبه وينسي الناس فعلته حتى يستطيع اهله وذويه إكمال حياتهم ومستقبلهم.