خبر مطلوب من الإسلاميين الجدد ..أيمن خالد

الساعة 08:59 ص|05 ديسمبر 2011

مطلوب من الإسلاميين الجدد ..أيمن خالد

 

 

 القدس العربي

 

لم يكن مطلوبا من الزعماء العرب أو وزرائهم في حقبة ما قبل الثورة العربية أكثر من تنظيم السير في بلادهم، وفي أحسن الأحوال تنظيف الطرقات، ولكن حتى هذه لم يقوموا بها، فكان همهم الأول تنظيف الطرقات من المعارضين، وأما قوانين السير، فظلت تدور حول ضبط خطى الناس وفق إيقاع قادتهم السياسي.

في المرحلة القادمة سيكون الأمر مختلفاً، وسيواجه الإسلاميون الجدد في حكوماتهم ما لم يتوقعوه، فصوت الشعب سيكون مرتفعاً، وما لم يسمعوه من قبل من جرأة الشعب على حاكميه، سيسمعونه ويرونه منهم، بمعنى أن الحكومات الجديدة، لا يمكنها أن تكتفي بالوعود، ولا تستطيع التباطؤ والنوم، ولا حتى تستطيع أن تنجز ما

تعد به في وقته المناسب، فالناس ستراقب لحظة بلحظة، مراقبة دقيقة للعمل والأشخاص الذين في السلطة مراقبة متواصلة، وسنشهد العديد من التظاهرات في العديد من الدول والتي ستطالب بمحاسبة هذا المسؤول أو ذاك، وهو ما على الحكام الجدد أن يدركوه قبل أوانه، وهذا يعني أن عليهم أن يراقبوا- أعمالهم وعمالهم- مراقبة دقيقة، خوفا من الوقوف أمام صوت الجماهير الذي لا يرحم.

ليس مطلوباً من الإسلاميين الجدد الاهتمام بالإطار الحزبي الضيق، أو الأفكار الحزبية أي تكن هذه الأفكار، فالوقت الحالي مطلوب توجيهه بالكامل إلى حاجات الناس، وأهم حاجتهم هي رغيف الخبز، والتخلص من أدوات القمع السابقة، وفكرة القمع، التي لا تزال موجودة، ويمكن استغلال القانون ذاته، والدستور ذاته يمكن معاقبة الآخرين به، لكن العقاب لا ينفع في هذه اللحظات الحرجة، وعلى الإسلاميين

أن يفتحوا قلوبهم وصدورهم، وعليهم أن يتلقوا الصدمة تلو الصدمة والانتقاد تلو الانتقاد، وعليهم أن يتحملوا كثيراً من ردود فعل الناس البسطاء الذين سيجربون لأول

مرة في حياتهم قدرتهم على الكلام وأن لا يسعوا إلى إلزامهم بالصمت.

لأول مرة سيجد الإسلاميون أنفسهم في بعض الأمور وفق قناعتهم، وفي بعضها الآخر خارج نطاق الرؤية الدينية، وهو ما يعني عقبة كبيرة بالنسبة لمنهاجهم الفكري، وهذا هو المشكل الأول، فإذا استطاعوا استيعاب المرحلة، أمكنهم تجاوزها وتحقيق معادلة هامة في التقدم، وإذا كانت المسألة سوف يتم حلها بمعزل عن أراء الناس، فلا حل ولا طريق سوى التصادم، وإذا استطاعوا استيعاب المرحلة، فهم سيدركون أنهم ليسوا حكاماً فقط وإنما هم شركاء في الحكم، وهذه الشراكة ليست بالضرورة شراكة حزبية فحسب، لأن أصوات الشارع هي الشريك الحقيقي، الذي لا يستطيع احد نكرانه.

على الإسلاميين الجدد أن يفهموا أن الشارع الذي سيحكمونه ليس عليه أن ينصاع لهم بقوة القانون، فالناس التي تمردت على القوانين السابقة، تستطيع التمرد على أي قانون وأي دستور، وباختصار، فان الناس في تعاملها مع الإسلاميين، يحتاجون انصياعاً وفق منظومة أخلاقية أكثر من منظومة قانونية، خصوصاً في هذه المرحلة الانتقالية الحساسة. نحن عندنا مشكلة، لا بد أن تعيها كامل التيارات الإسلامية، وهذه تكمن، في عدم وجود نموذج إسلامي للحكم يمكن الاقتداء به، فنحن لسنا في مجتمع الصحابة، حتى نفرض على الناس تلك الحياة، ولسنا وراء أسوار مدن قديمة، يمكن أن نجعل الناس فيها تمشي على رجل واحدة أو اثنتين، فنحن في عالم متواصل متصل، وكل خطوة يراها الجميع، وعليك أن تقدم لشعبك أفضل الموجود، أو أن الناس لن تقبل بك، ولا يمكنك أن تصبح سجاناً من جديد، وتفرض على الناس قيودا لا يحتملوها.

على الإسلاميين الجدد أن يفهموا جيداً قصة عدم وجود نموذج إسلامي يمكنهم عرضه على الناس للاقتداء به، وعليهم أن يفهموا أيضاً أن فكرة الدولة الإسلامية هي أصلاً غير موجودة، وعليهم أن يستوعبوا جوهر فكرة الدولة الإسلامية، فالإسلام لم يأت بدولة إسلامية، ولكنه قدم نماذج وتشريعات أخلاقية، أصبحت أساس الدولة فيما بعد، فدولة المدينة المنورة هي ليست دولة القاهرة أو تونس، فما حدث في المدينة المنورة أن الناس اقتربت شيئا فشيئا من المنظومة الأخلاقية التي أتت بها الرسالة الإسلامية، وكان قبولهم لها متدرجاً، وهو ما أرسى فيما بعد تلك الدولة، التي لا نستطيع أن نطلبها الآن.

في دولة اليوم، الشركاء كثر، ومن يريد الحكم واستلام السلطة، فعليه أن يدرك أن شريك فقط، وليس ملكاً يصول ويجول كما يشاء.

 

' كاتب فلسطيني