خبر السلام ولد في 29 تشرين الثاني.. معاريف

الساعة 04:51 م|04 ديسمبر 2011

بقلم: مناحم بن

(المضمون: التسوية المركبة التي اقترحتها الامم المتحدة في 29 تشرين الثاني تنير بشكل تبسيطي، سخيف وخطير مطلب الرباعية من اسرائيل ترسيم الحدود منذ الان، وكأنه يمكن حقا ترسيم الحدود  دون معرفة الى أي كنيست او برلمان سيصوت ابناء القوميتين - المصدر).

عندي صديقة فلسطينية رائعة لم أرها منذ سنين. واسمها سلام ابو عواد. تعرفت عليها في مؤتمر سلام اسرائيلي – فلسطيني، عقد قبل نحو 15 سنة في رودس (في ذكرى اتفاقات الهدنة التي وقعت في الجزيرة في 1949). أنا دعيت كصحفي، وهي جاءت كمشاركة في الوفد الفلسطيني. وهي تعمل اليوم في بنك في رام الله، ونحن نتحدث بين الحين والاخر هاتفيا. في الاسبوع الماضي هنأتها، مثلما افعل كل سنة، بيوم ميلادها في 29 تشرين الثاني. عجيب أن تسمى شابة فلسطينية من أهلها سلام بالذات بالارتباط بتاريخ مولدها في 29 تشرين الثاني. رغم أن العرب رفضوا كما يذكر القرار وشرعوا في حرب ضده. ولكن هذه حقيقة. تاريخ ميلاد سلام واسمها هما ذكرى دائمة لامكانية السلام بيننا وبين الفلسطينيين، ولكن للدقة – بيننا وبين كل عرب بلاد اسرائيل (في حينه لم يكن تمييز بين عرب 48 وعرب 67).

لشدة العجب، كل من يقرأ اليوم قرار 29 تشرين الثاني الطويل والمفصل (نحو 20 صفحة) بكامله، سيكتشف أنه بعد 64 سنة من صياغته واقراره في مجلس الامن في الامم المتحدة يعطي اليوم ايضا، في بعض البنود المنسية جوابا ابداعيا ومناسبا لتقسيم البلاد بين كل اليهود وبين كل العرب في صياغات سلمية أصيلة، المركزية بينها في نظري تتعلق بحق الاقتراع للكنيست الاسرائيلية والبرلمان الفلسطيني. إذ يتبين انه حسب 29 تشرين الثاني، فان اليهود الذين سيبقون في نطاق الدولة العربية العتيدة (بالترجمة الى تعابير زماننا: المستوطنين في الدولة الفلسطينية المستقبلية) يمكنهم ان يصوتوا الى الكنيست الاسرائيلية (ولكن ليس للبرلمان الفلسطيني). وبذات القدر: العرب الذين يتبقوا في نطاق الدولة اليهودية (وبتعابير زماننا: عرب اسرائيل) يمكنهم ان يصوتوا للبرلمان الفلسطيني (ولكن في هذه الحالة ليس للكنيست الاسرائيلية).

وها هو مصاب هذا البند في قرار 29 تشرين الثاني على النحو التالي: "العرب الذين يسكنون في منطقة الدولة اليهودية المقترحة واليهود الذين يسكنون في منطقة الدولة العربية المقترحة، الذين وقعوا على بيان بشأن رغبتهم في اختيار مواطنة الدولة الثانية، سيكون من حقهم ان ينتخبوا في الانتخابات للمجلس المنتخب في تلك الدولة، وليس في الانتخابات للمجلس المنتخب في الدولة التي يسكنون فيها".

بند من هذا النوع، اذا ما صيغ بشكل جارف وأكثر الزاما، يفصل بين المواطنة التي ينتمي اليها الانسان وبين الدولة التي يسكن فيها، يوجد فيه معنى حاسم على مستويين: أولا، يلغي الخوف من تغيير ديمغرافي يهدد الاغلبية الاسرائيلية في الدولة الاسرائيلية او الاغلبية الفلسطينية في الدولة الفلسطينية؛ بمعنى انه حتى لو تكاثر جدا العرب في دولة اسرائيل، يمكنهم ان يكونوا مواطني الدولة الفلسطينية المستقبلية والتصويت للبرلمان الفلسطيني. وعليه فلن يكون معنى ديمغرافي لادراجهم في حدود دولة اسرائيل. لن يكونوا مواطنيها، بل مواطني دولة اخرى. لن يسمح لهم بالتصويت للكنيست بل فقط للبرلمان الفلسطيني، فيحل السلام على اسرائيل (ونعفى ضمن امور اخرى من النواب العرب الذين ينغصون عيشنا في الكنيست).

بذات القدر، فان سكان كل المستوطنات المندرجة في حدود الدولة الفلسطينية سيكونون، مثلما هم الان مواطنين اسرائيليين بكل معنى الكلمة وليس مواطنين فلسطينيين. فعلى أي حال السيادة المدنية الاسرائيلية يمكنها أن تنطبق على كل المستوطنات بلا استثناء، دون هدم أو اخلاء أي مستوطنة. كله بضمانة جيش دولي يرابط في المنطقة، دون ان يكون ممكنا اخلاؤه دون اتفاقا (إذ لن يوافق أي انسان سوي على ان يبقي بلا حماية جيوبا اسرائيلية في الدولة الفلسطينية المستقبلية)، تماما مثلما يمكن للسيادة المدنية الفلسطينية – في مجالات التعليم، القضاء واقرار البناء مثلا – ان تنطبق على كل البلدات الفللسطينية (بما فيها البلدات العربية في حدود دولة اسرائيل).

التسوية المركبة التي اقترحتها الامم المتحدة في 29 تشرين الثاني تنير بشكل تبسيطي، سخيف وخطير مطلب الرباعية من اسرائيل ترسيم الحدود منذ الان، وكأنه يمكن حقا ترسيم الحدود دون معرفة طبيعة الحدود بين الدولتين وبين الفئتين السكانيتين. هل هذه حدود على نمط اسرائيل – غزة، مثلا (وعندها محظور التنازل عن متر)، أم حدود مفتوحة على نمط اوروبا بضمان جيش دولي (الذي هو أمر آخر تماما)؟ دون معرفة طبيعة التسوية النهائية المقترحة، والى أي كنيست او الى أي برلمان يصوت كل واحد من ابناء القوميتين، لا يمكن ترسيم الحدود.