خبر فلسطين... الجريمة مستمرة .. سمير الحجاوي

الساعة 08:49 م|29 نوفمبر 2011

فلسطين... الجريمة مستمرة .. سمير الحجاوي

 

في مثل هذا اليوم قبل 64 عاماً قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة تقسيم فلسطين لإقامة دولتين يهودية على 57 في المائة من الأرض وعربية على 42 في المائة منها والقدس تحت الوصاية الدولية، في دورة خاصة عقدت بناء على طلب بريطانيا، التي أوصت بصفتها الدولة المنتدبة على فلسطين أعضاء الأمم المتحدة بالموافقة وتنفيذ مشروع التقسيم، ونص القرار على "أن يعتبر مجلس الأمن كل محاولة ترمي إلى تغيير التسوية التي يهدف إليها هذا القرار بالقوة تهديداً للسلم أو قطعاً أو خرقاً له أو عملاً عدوانياً.. وتدعو الجمعية العامة سكان فلسطين إلى اتخاذ جميع التدابير التي قد تكون ضرورية من ناحيتهم لوضع هذا المشروع موضع التنفيذ".

 

علاوة على كون هذا القرار جريمة بحق الشعب الفلسطيني فهو لا يخلو من وقاحة منقطعة النظير، فهو يطلب من الفلسطينيين ترك أرضهم ووطنهم وبلدهم وقراهم ومدنهم ومزارعهم لتسهيل إقامة دولة لليهود الذين لم يسكنوا فلسطين يوماً.

 

هذا القرار الذي اتخذ مساء "29-11-1947" جاء بعد 30 عاماً على وعد بلفور الذي أصدره وزير الخارجية البريطاني آرثر بلفور لإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، ومن أجل تنفيذ هذا الوعد قامت بريطانيا باحتلال فلسطين بمساعدة ومساندة ودعم فرنسا، وعملت على تمهيد الأرض وتوفير الظروف الملائمة لإقامة دولة لليهود في فلسطين، وعندما نضجت الظروف بنت مؤسسات لليهود وحولتهم إلى قوة مسلحة كبيرة ثم نقلت الملف إلى الأمم المتحدة التي تهيمن عليها دول الحلفاء المنتصرة في الحرب العالمية الثانية واستطاعت ذات مساء أن تنتزع موافقة 33 صوتاً لصالح التقسيم من بينها كل الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي والدول الأوروبية وعارضته 13 دولة عربية وإسلامية واليونان وكوبا والهند وامتنعت 10 دول عن التصويت.

 

لم يكن لقرار تقسيم فلسطين أن يتم لولا تحالف الغرب الاستعماري الذي رسم ونفذ الخطة ضد فلسطين، وهو يشكل جريمة كاملة لأنه أعطى أرض الشعب الفلسطيني لليهود، وتسبب بطرد الشعب الفلسطيني من وطنه الطبيعي وأقام دولة للغزاة على أساس ديني بما يخالف القانون الدولي والسلم والأمن الدوليين.

 

لم يتعامل الغرب ومعه الاتحاد السوفييتي مع القضية الفلسطينية على أساس قانوني، بل على أساس سياسي مصلحي استعماري لإقامة دولة لليهود في فلسطين مهما كانت الظروف والتداعيات، وهي مؤامرة تم التخطيط لها بدقة كبيرة، وهي نتاج تحالف الدول الاستعمارية المنتصرة في الحرب ورجال الأعمال الذين اشتروا موافقة كثير من الدول الفقيرة بالمال للحصول على أغلبية الثلثين لإقرار قرار التقسيم، وهو يأتي نتيجة جهود حثيثة لانتزاع فلسطين من أهلها ومنحها لليهود بدءاً من وعد بلفور عام 1917 وتقرير لجنة بل عام 1937 ولجنة وود هود 1938 اللتين دعتا إلى تقسيم فلسطين، وتم التنفيذ بعد 10 سنوات فقط عندما قررت بريطانيا سحب قواتها المحتلة وتسليم فلسطين للعصابات اليهودية الصهيونية التي تحولت إلى جيش قوي بفضل التدريب والتسليح البريطاني الأوروبي، وكانت النوايا اليهودية معلنة في الاستيلاء على كل فلسطين فقد أعلن الزعيم اليهودي ديفيد بن جوريون عام 1938 أمام قيادة الوكالة اليهودية عن نيّته إزالة تقسيم العربي-اليهودي والاستيلاء على كلّ فلسطين بعد أن تقوى شوكة اليهود بتأسيس وطن لهم، وهو ما جرى فعلاً في أعوام 1948 و1967 و1956 و1973 و1982، وهي السنوات التي شنت فيها "إسرائيل" حروباً احتلت فيها المزيد من الأراضي العربية.

 

قرار تقسيم فلسطين جريمة ارتكبها المجتمع الدولي "الحر" ضد الشعب الفلسطيني ووطنه وتاريخه ومستقبله، وهي جريمة لا تزال مستمرة، وهذا ما يتبدى بمنع الأمم المتحدة ومجلس الأمن من تنفيذ النصف الآخر من القرار ألا وهو "إقامة دولة فلسطينية"، ووصل الصلف الغربي الذي تقف الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا على رأسه إلى التهديد باستخدام حق النقض "الفيتو" لمنع التصويت على إقامة دولة فلسطينية.

 

بريطانيا وأمريكا ومن خلفهما الغرب لا تزال بلا ضمير ولا وازع أخلاقي ولا إنساني بحق الشعب الفلسطيني الذي يطالب بالعيش على أرضه الوطنية في وطنه الطبيعي، فهي لم تعتذر ولم تعترف بجريمتها، وهي لا تزال مستمرة بمحاربة الشعب الفلسطيني وتطلعاته وحقه في الاستقلال والحرية وإقامة دولته المستقلة على أرضه وأرض أجداده.

 

على الغرب أن يفهم أن الجرح الفلسطيني ما زال ينزف، وأن العلاقات العربية والإسلامية - الغربية، لن تتحسن ما لم يقم الغرب بدفع ثمن جريمته الكبرى والاعتذار وتعويض الشعب الفلسطيني عن معاناته وأحزانه.