خبر شارة ثمن التحرير -هآرتس

الساعة 09:29 ص|29 نوفمبر 2011

شارة ثمن التحرير -هآرتس

بقلم: تسفي بارئيل

(المضمون: في الوقت الذي يتمتع الباعة المتجولون في التحرير بالازهار – فان الاقتصاد المصري على شفا الانهيار: لا سياح، لا استثمار والانتاج توقف. رؤساء البنوك العربية يخشون من انتشار الازمة الاقتصادية الى كل المنطقة - المصدر).

        الشاي، القهوة، الذرة، الساندويشات والمشروبات الخفيفة هي الان الفرع الاقتصادي الاكثر جدوى في القاهرة. هذه هي الساعة الجميلة لعشرات الباعة المتجولين الذين يملأون ميدان التحرير ببساطتهم ويعرضون بضائعهم على مئات الاف المتظاهرين، الذين احتشدوا من كل أرجاء الدولة كي يغيروا وجهها. "في اليوم الضعيف أكسب ما لا يقل عن 50 جنيه. أما الان، فالحمد لله الرزق كثير"، قال أحد الباعة المتجولين لمراسلة "ايجبت جزيت". في الايام العادية، حين لا تكون مظاهرات، 50 جنيه مصري هي نحو 10 في المائة من الدخل المتوسط لذاك البائع المتجول، غير أن الجنيه المصري الذي يتحدث عنه لم يعد ذات الجنيه الذي كان ما قبل الثورة. فهو يباع بأكثر من 6 جنيه للدولار – أكثر من 10 في المائة أقل من قيمته السابقة. إذ أنه كلما كسب الباعة المتجولون في الميدان أكثر، فان الاقتصاد المصري يتقدم أكثر فأكثر نحو شفا الانهيار.

        رئيس الوزراء المصري الجديد – القديم، كمال الجنزوري الذي عينه في منصبه الاسبوع الماضي المجلس العسكري الاعلى، يعتبر رجل ادارة كفؤ واقتصادي (شهادة الدكتوراة في الاقتصاد تلقاها من جامعة ميشغن) حرص على مصلحة قليلي الدخل في مصر. في فترة ولايته السابقة (قبل نحو عشر سنوات) نجح في تطوير مشاريع اقتصادية هامة، بما فيها حملة الخصخصة التي انتهجت في حينه. ولكن في العرض الاخير اختفى تماما عن الساحة العامة، وفي عمر 78 سيتعين عليه أن يتصدى قبل كل شيء لمسائل دستورية، الاعداد للانتخابات وبالاساس لتشكيل حكومته المؤقتة. فهل يمكن أن يتصدى ايضا للوضع الصعب في مصر ويعد خطة اقتصادية مناسبة عندما تكون صلاحياته مؤقتة ومحدودة؟

        صندوق العملة الاجنبية في مصر آخذ في النفاد. فاذا كان في بداية 2011 يقدر احتياطي العملة الصعبة بنحو 36 مليار دولار، ففي تشرين الاول هبطت الى 22 مليار دولار، وليس واضحا من ان سيمتلىء. السياح اختفوا تماما تقريبا، والاستثمارات الاجنبية الجديدة لا تأتي، والانتاج المحلي تعرض لضربة قاضية بسبب عدم الاستقرار. هكذا، مثلا، قل انتاج الحديد والفولاذ بنحو 40 في المائة منذ كانون الثاني، وذلك لان مشاريع جديدة مثل بناء مصافي بترول بحجم 4 مليار دولار، وبشكل عام البناء والصناعة – تجمد. وكلاء العقارات المصريون رووا لصحيفة "الشروق" بانه لا يوجد مشترون للمنازل الجديدة. وبدلا من ذلك يفضل الازواج الشابة استئجار الشقق. ورغم ذلك يمتنع أصحاب المنازل والمقاولون عن تخفيض اسعار الشقق التي ينوون بيعها، على أمل أن تتغير السوق بعد الانتخابات.

        في هذه الاثناء سجلت حركة هجرة بالذات من الاحياء الجديدة التي في ضواحي القاهرة، والتي كانت حتى الثورة مناطق سكن مفضلة. والسبب هو أن هذه الاحياء بقيت دون حماية شرطية، وذلك لان معظم قوات الامن في القاهرة تحتشد في مركز المدينة وفي محيط ميدان التحرير، الواقع الذي يسمح لعصابات الزعران والكاسرين والخالعين بالعمل بحرية في الاحياء الجديدة.

        انعدام الامن يخيف، مثلما هو الحال دوما، المستثمرين الاجانب في البورصة ايضا، الذين سحبوا مؤخرا ايداعات بحجم مفزع وأدوا بذلك الى أنه في الشهر الاخير فقط فقدت البورصة نحو ثماني مليار دولار. مصر، التي تعيش عجزا في الميزانية عضال بنحو 8 في المائة بالنسبة للانتاج المحلي، ستجد صعوبة أكثر ليس فقط في اقامة مشاريع جديدة – بعد اغلاق اكثر من الف مصنع صغير ومتوسط في الاشهر الاخيرة – من شأنها ان تتعرض في غضون وقت قصير الى "مظاهرات المليون" لمعوزي العمل والتي ستحل محل مظاهرات محبي الديمقراطية.

        في الاسبوع الماضي، فهم رؤوساء مؤسسات التمويل والبنوك العربية ايضا بان الثورات الشعبية قد تدفع نحو أزمة اقتصادية عميقة ليس فقط في الدول التي تجري فيها بل وفي كل المنطقة. في اجتماع لرؤساء البنوك العربية الهامة، عقد يوم الخميس الماضي في بيروت، حذر جوزيف طربيه، رئيس الاتحاد الدولي للبنوك العربية من انه "اذا استمرت الازمة في المنطقة فان الربيع العربي سيصبح شتاءا اقتصاديا قارسا". ولاثبات توقعه القاتم روى بان حجم الاستثمارات الاجنبية في المنطقة كلها هبط بنحو 83 في المائة، من أكثر من 20 مليار دولار الى اقل من 5 مليار، وان النمو المتوقع في مصر، حسب معطيات البنك الدولي، لن يزيد عن 1.2 في المائة مقابل النمو في فترة مبارك والذي بلغ نحو 5.5 في المائة في السنة في ولايته الاخيرة.

        وبالتالي فان الثورات – اذا ما اضيف الى هذه المعطيات ايضا المصاعب الاقتصادية في تونس، اليمن، سوريا وليبيا – من شأنها أن تؤدي الى انهيار البنوك في المنطقة. في ضوء هذه التوقعات القاتمة، اقترح طربيه أن تقيم المؤسسات المالية الخاصة صندوق طواريء لدعم الدول الثورية. الاقتراح هام وحيوي، ولكن المسألة هي أي بنوك ستوافق على المشاركة في مثل هذا الصندوق. فهل هي البنوك اللبنانية، التي تعيش الان ايضا أزمة خطيرة بسبب الاحداث في سوريا؟ هل هي بنوك دول الخليج، التي تفضل القاء عبء المساعدة على حكوماتها؟ على مساعدة البنوك الاوروبية، من الصعب على أي حال الاعتماد، أما الادارة الامريكية فتنتظر أي نظام سيقوم في مصر.

        إلى أن يقام مثل هذا الصندوق، هذا اذا قام اصلا، تجتهد مصر لنيل مساعدة عاجلة سواء من صندوق النقد الدولي أم من حكومات عربية، فيما أنه في نفس الوقت قرر البنك المركزي أن يرفع الاسبوع الماضي معدل الفائدة على الودائع الى 9.25 في المائة والفائدة على القروض الى 10.25 في المائة وذلك في محاولة لان يصد قليلا التضخم المالي الذي يزيد عن 8 في المائة. يبدو أن في هذه الاثناء الباعة المتجولون في ميدان التحرير هم الذين سيواصلون إعالة الاقتصاد المصري.