خبر التصفية الضرورية للديمقراطية- هآرتس

الساعة 09:09 ص|28 نوفمبر 2011

 

التصفية الضرورية للديمقراطية- هآرتس

بقلم: عاموس شوكن

(المضمون: أيديولوجيا الاستيطان تنطوي على فكرة التمييز العنصري والسلب والترحيل للعرب وبالتالي ينبغي للقوى التي ترغب في ان تسود هذه الايديولوجيا ان تزيل كل العوائق القانونية وغير القانونية في طريقها، وعلى رأسها محكمة العدل العليا - المصدر).

        في خطاب للكنيست في كانون الثاني 1993، قال رئيس الوزراء اسحق رابين الامور التالية: "ايران توجد في المراحل الاولى من مساعي اقتناء قدرة غير تقليدية بشكل عام، ونووية بشكل خاص. نحن نقدر بانه يوجد لايران اليوم القوى البشرية المناسبة والمقدرات الكافية لاقتناء سلاح نووي في غضون عشر سنوات. نحن نتابع النشاط النووي الايراني، الى جانب جهات اخرى في الاسرة الدولية. وهم لم يخفوا حقيقة إمكانية أن تحوز ايران السلاح النووي يجب أن تقلق، وهذا هو أحد الاسباب التي ينبغي لنا بناءا عليها استغلال نافذة الفرص والتقدم نحو السلام".

        لقد كان لاسرائيل في حينه استراتيجية سياسية بداية تحققها في اتفاق اوسلو، في وقف التفضيل لمشروع الاستيطان، وتحسين الموقف من مواطني اسرائيل العرب ولو تطورت الامور على نحو مختلف فلعل مسألة ايران كانت ستكون مختلفة اليوم. غير أنه تبين أن استراتيجية اوسلو اصطدمت بايديولوجيا اخرى اقوى منها: ايديولوجيا غوش ايمونيم التي منذ السبعينيات، باستثناء فترة اوسلو وفترة فك الارتباط، هي الاساس لافعال حكومة اسرائيل. وحتى الحكومات التي كانت ظاهرا بعيدا عن استراتيجية غوش ايمونيم نفذتها عمليا. ايهود باراك تباهى غير مرة بانه خلافا لرؤساء وزراء آخرين، فانه لم يعد أرضا للفلسطينيين، ولا حاجة للاشارة الى الارتفاع في عدد المستوطنين في فترة ولايته كرئيس للوزراء. حكومة ايهود اولمرت، التي أعلن عن الانطواء في يهودا والسامرة (أسم آخر لفك الارتباط) أدارت محادثات مع فلسطينيين كبار عن تسوية، ولكنها لم توقف مشروع الاستيطان، الذي يتعارض مع كل تسوية.

        الاستراتيجية النابعة من ايديولوجيا غوش ايمونيم بسيطة وواضحة: اعتبار حرب الايام الستة استمرار لحرب الاستقلال، سواء من حيث الاستيلاء على الارض أم من حيث التأثير على السكان الفلسطينيين. هذه الاستراتيجية تعتقد بان حدود الاحتلال في حرب الايام الستة هي الحدود التي يجب أن تقررها اسرائيل لنفسها. وانه تجاه الفلسطينيين في المنطقة، اولئك الذين لم يهربوا أن يُطردوا، يجب اتخاذ سياسة قاسية تشجع على الهرب، تؤدي الى الطرد وتحرم الحقوق وتدفع المتبقين في المنطقة المحتلة لان يكونوا أناسا لا يعني مصيرهم أحد، بل انهم حتى ليسوا مواطنين من الدرجة الثانية. وهم مثل الفلسطينيين اللاجئين في حرب الاستقلال، ومرغوب فيهم أن يكونوا كذلك، ومن ليسوا لاجئين مرغوب تحويلهم الى غائبين. خلافا للفلسطينيين الذين تبقوا في اسرائيل بعد حرب الاستقلال واضح ان الفلسطينيين الذين في المناطق لن يحصلوا على حق المواطنة الاسرائيلية بسبب عددهم الكبير، ولكن هذا لا يعني احدا.

        ايديولوجيا غوش ايمونيم يحركها دافع ديني، وليس سياسيا. وحسب هذه الايديولوجيا فان اسرائيل هي لليهود. وليس فقط الفلسطينيون في المناطق غير ذوي صلة، بل حتى مواطني اسرائيل العرب يتعرضون للتمييز في حقوق المواطنة ونزع حقهم في المواطنة. هذه استراتيجية الاستيلاء على الارض واستراتيجية أبرتهايد. هذه استراتيجية تتجاهل الجوانب القانونية في الملكية على الارض وتتجاهل حقوق الانسان وتصريحات المساواة في اعلان الاستقلال. هذه استراتيجية ذات طول نفس قدر ما يلزم، المهم فيها هو التقدم الدائم. ولكن هذه ايضا استراتيجية لن تفوق أي فرصة تقع في يدها، مثل تشكيلة الكنيست الحالية والمواقف غير الواضحة لرئيس الوزراء.

        تعبير أبرتهايد يتناول طريقة حكم غير ديمقراطية من التمييز في الحقوق بين البيض والسود والتي كانت متبعة في جنوب افريقيا. ومع أنه يوجد فارق بين الابرتهايد هناك وبين ما يحصل في يهودا والسامرة، الا انه توجد أوجه شبه في هذا الاقليم من البلاد توجد فئتان سكانيتان – لواحدة توجد كل الحقوق والحمايات، اما الاخرى فمنزوعة الحقوق ومحكومة من الاولى. هذا وضع غير ديمقراطي على نحو ظاهر.

 منذ حرب الايام الستة لا يوجد في المجتمع الاسرائيلي جهة اخرى ذات قوة ايديولوجية مثل غوش ايمونيم ومواصلي دربها، وليس عجبا أن سياسيين كثيرين رأوا في ايديولوجيا غوش ايمونيم سلما لتحقيق تطلعات سياسية شخصية. زبولون هامر، الذي لاحظ هذه الايديولوجية كطريق لاحتلال رئاسة المفدال، وأريك شارون الذي لاحظ هذه الايديولوجية كطريق لاحتلال الليكود، كانا اثنين من بين كثيرين. ولكن كان هناك ويوجد سياسيون آخرون، مثل حنان بورات الراحل، الذي كان استخدام هذه الايديولوجية بالنسبة له هدفا لنشاطه السياسي.

هذه الايديولوجية ترى في خلق نظام أبرتهايد اسرائيلي أداة ضرورية لتحققها. ليس لها أي صعوبة في وجود نشاط غير قانوني وفي جريمة حقيقية، وذلك لانها تعتمد على القوانين العليا التي تبنتها، والتي ليس لها أي صلة بقوانين الدولة، وهي تعتمد على التفسير الخاص لليهودية. لديها نجاحات هامة. وحتى نشاطها المتعارض مع ارادة الحكومة يحظى بسرعة شديدة باسناد من جانب الحكومة. حقيقة ان الحكومة هي عمليا أداة لغوش ايمونيم ومواصلي دربها لا تغيب عن ناظر كل من لديه مصلحة مع المستوطنين، وهكذا نشأت ازدواجية قوة. نجاح كبير جدا كان لهذه الايديولوجيا بالذات في الولايات المتحدة. الرئيس بوش الاب كان يمكنه أن يمنع منح ضمانات لاسرائيل بسبب المستوطنات التي سمحت بها حكومة شمير (الذي قال انه مسموح الكذب من أجل تحقيق ايديولوجيا غوش ايمونيم؛ فهل خطاب "بار ايلان" هو كذبة كهذه ايضا؟)، ولكن الان المتنافسون على ترشيح الحزب الجمهوري للرئاسة يتنافسون بينهم من يؤيد اسرائيل والاحتلال اكثر. ومن تبنى منهم موقف بوش الاب، فان هذا سيؤدي الى تصفية ترشيحه. وسواء كان السبب هو عدد الافنجيليين أم السبب هو الاشكالية في علاقات الغرب مع الاسلام، أم هو قوة اللوبي اليهودي، المدمن تماما على ايديولوجيا غوش ايمونيم فان النتيجة واضحة. ليس هذا بسيطا بل ولعله ليس ممكنا للرئيس الامريكي أن يتخذ سياسة فاعلة ضد الابرتهايد الاسرائيلي.

ولكن بسبب عدم قانونيته العضوية، على الاقل بتعابير الديمقراطية، فان نظام الابرتهايد لا يمكنه أن يسمح بالاعتراض والانتقاد. ايديولوجيا غوش ايمونيم يجب أن تمنعهماه، وتمنع كل محاولة لوقف نشاطهما، حتى عندما يدور الحديث عن عمل غير قانوني بل واجرامي، وفي ظل الابرتهايد. النشاط غير القانوني يجب أن يصبح قانونيا، سواء من خلال تغيير القوانين ام من خلال تغيير التفسير القانوني للقوانين – وقد سبق لمثل هذا الامر ان حصل ايضا في اماكن وازمنة اخرى. على هذه الخلفية نحن نرى الان حملة التشريع والتشهير المنفلتة العقال ضد المحكمة العليا، ضد منظمات حقوق الانسان وضد الصحافة، وقانون المقاطعة الموجه لمنع امكانية معالجة الابرتهايد الاسرائيلي مثلما عولج الابرتهاد في جنوب افريقيا. على هذه الخلفية تطرح مشاريع قوانين ضد مواطني اسرائيل العرب، مثل قانون الولاء، والقانون الاساس: اسرائيل – الدولة القومية للشعب اليهودي. على هذه الخلفية تجري حملة تمزيق وتخويف ضد الانتقاد اللازم والمبرر الموجه من محافل في الاكاديمية.

المحكمة العليا، التي سمحت بالمشروع الاستيطانية وعمليا تعاونت مع ايديولوجيا غوش ايمونيم، أصبحت عائقا يجب ازالته، وبالاساس لانها ترفض الاعتراف بامكانية الاستيطان على ارض فلسطينية خاصة ولانها لم تحبط قرار الحكومة باخلاء غوش قطيف. لا مفر من اسكان المحكمة العليا بأناس يسكنون على أرض فلسطينية، وربما ايضا خاصة، وبأناس يفهمون بانه لا يوجد مفهوم كهذا يسمى "أرض بملكية خاصة فلسطينية" – فالارض هي لليهود حسب أمر رباني وتاريخي (من هذه الناحية توجد أوجه شبه بين غوش ايمونيم وحماس). كما أن التفسير الذي أعطته المحكمة العليا للقانون في مسائل حقوق الانسان ملزم بان يزال من الصيغة القائمة: قرارات مثل القرارات في قضية قعدان، بيع أراضي الصندوق القومي لمواطنين اسرائيليين عرب، التعديل على قانون المواطنة (الذي لم يرفض بعد، ولكن منذ القرار الاخير لاحت امكانية أغلبية ترفض القانون بصفته غير دستوري)، فتح طريق أمام الحركة الفلسطينية، كل هذا يتعارض والعنصر الحيوي في ايديولوجيا غوش ايمونيم: التمييز بين اليهود والفلسطينيين (داخل اسرائيل وفي المناطق)، وتحويل الفلسطينيين الى عديمي الحقوق، الى أشخاص من الدرجة الثانية، الى غائبين والافضل الى لاجئين.

فهل ثمة مستقبل لاسرائيل كهذه؟ فضلا عن مسألة اذا كانت الاخلاق اليهودية والتجربة اليهودية تسمحان بمثل هذا الوضع، واضح أن هذا وضع غير مستقر على نحو ظاهر بل وخطير؛ وضع يمنع اسرائيل من استنفاد طاقتها الكامنة الكبرى، وضع العيش على الحراب، والحراب يمكن أن تكون انتفاضة ثالثة، انهيار السلام مع مصر والنووي الايراني. اسحق رابين فهم هذا.