خبر وصفة للفوضى -معاريف

الساعة 09:39 ص|22 نوفمبر 2011

وصفة للفوضى -معاريف

بقلم: عوديد غرانوت

(المضمون: الطريق الوحيد لانقاذ مصر من الفوضى هو طريق الحل الوسط. يتعين على الجيش ان يقنع الشارع بانه لا يتطلع الى اعادة الدكتاتورية واحلال حاكم آخر وحيد محل مبارك. الشارع المصري يتعين عليه أن يعترف بان الجيش هو الضمانة الوحيدة لمنع انهيار الدولة - المصدر).

مثلما كان الحال قبل عشرة اشهر، في بداية أيام الانتفاضة المصرية، عادت الجموع لتسيطر من جديد على ميدان التحرير في القاهرة. ومثلما قبل عشرة اشهر دفعت شرطة الاضطرابات المكروهة برجالها ببزاتهم السوداء وطاساتهم الوقائية نحو الميدان، وهؤلاء بالغوا بضربهم للمتظاهرين. اطلقوا عليهم النار وقتلوا ما لا يقل عن خمسة وثلاثين منهم. وأصيب أكثر من الف شخص.

        مثلما كان قبل عشرة اشهر حاول أفراد الشرطة دفع المتظاهرين للهرب من الميدان ولكنهم فشلوا، وفي نهاية المطاف اضطروا هم أنفسهم الى الانسحاب من هناك والنجاة بحياتهم.

        الصور التي تصل في الايام الاخيرة من ميدان التحرير في القاهرة، ومن مدن اخرى، هي نسخة شبه دقيقة لما يسمى في مصر بثورة 25 يناير. تلك التي أجبرت مبارك على الاستقالة وفتحت، كما اعتقد الجميع، صفحة جديدة في تاريخ مصر الحديث.

        بفارق واحد كبير. في كانون الثاني من هذا العام كان الجيش المصري عزيز المتظاهرين. هو الذي أجبر مبارك على الاعتزال. هو الذي أبعد شرطة الاضطرابات عن الشوارع. هو الذي حمى بالدبابات وبالمركبات المدرعة سلامة اولئك الذين بقوا في الميدان. هو الذي وعد بمستقبل جديد من الحرية والديمقراطية لمواطني الدولة.

        ليس بعد الان. مع نهاية عشرة اشهر فان "شهر العسل" بين الشارع المصري والجيش المصري قد انتهى. صحيح أن الجيش لا يزال المؤسسة الاكثر احتراما من المصريين، ولكن الجنرالات، اعضاء المجلس العسكري الذي يدير مصر منذ ثورة كانون الثاني، فقدوا في غضون عشرة اشهر مكانتهم ومصداقيتهم وهم مشتبه بهم الان، بقدر غير قليل من الحق، كمن يحاولون "سرقة" انجازات الثورة.

        بعد عشرة اشهر توصل الشارع المصري، بعناصره المختلفة، الى الاستنتاج بان المجلس العسكري في واقع الامر يفعل كل ما في وسعه كي يمتنع عن تنفيذ ما وعد به: نقل الحكم في اقرب وقت ممكن الى اياد مدنية. وهو يحاول كسب الوقت. وهو يقرر بان الانتخابات الرئاسية لن تعقد الا بعد سنتين. وهو يسعى الى ان يضمن بانه في كل وضع سياسي ينشأ في مصر، تحفظ مكانة الجيش السائدة. شيء ما يذكر بالمكانة الرفيعة والحاسمة للجيش في تركيا، الى أن وصل اردوغان.

        القشة التي قسمت ظهر الشارع المصري وأخرجت الجماهير الى الشوارع كانت الوثيقة التي اعدت بالهام من الجيش كاساس للدستور المستقبلي لمصر، وتقررت فيها بان الجيش سيكون حصينا في المستقبل أيضا من الرقابة البرلمانية. وعندها تحطم السد. متظاهرو التحرير، الذين دعوا الى مظاهرة مليونية في الميدان يوم غد يطالبون الجيش بتعهد واضح بالتخلي عن الحكم في صالح مجلس رئاسي مدني مؤقت واجراء انتخابات رئاسية في أبعد مدى في نيسان من العام القادم.

يمكن ان نفهم لماذا يتمسك قادة الجيش بقرني المذبح. فتخلي الجيش عن مكانته الخاصة في الحاضر السياسي المصري معناه التخلي عن الامساك باملاك اقتصادية هائلة، مشاريع وشركات تساوي مئات ملايين الدولارات وكذا التخلي عن امتيازات عديدة محفوظة لضباط الجيش وجنوده.

ودون الحديث عن أن احدا ما في أعلى الطريق من شأنه فجأة ان يتذكر وان يذكر الجميع بان القيادة العسكرية عينها جميعها حسني مبارك والجنرال طنطاوي كان وزير الدفاع وحبيب الرئيس المخلوع.

القيادة العسكرية المصرية، التي اجتمعت امس في بحث طارىء للبحث في اقتراح استقالة الحكومة المصرية – الخطوة التي وحدها لن تنجح في تهدئة المتظاهرين – تقف أمام خيار صعب: من جهة – رفض الجيش الاستسلام لمطالب الجماهير والاصرار على الحفاظ على مكانته السائدة من شأنه أن يجرف مصر نحو صدامات عنيفة بين وحدات الجيش والمتظاهرين تؤدي الى سفك دماء كثير وعدم استقرار حتى اقامة نظام عسكري ليس واضحا كم يمكنه أن يصمد.

من جهة اخرى، اذا قرر المجلس العسكري الاستقالة من كل وظائفه وتسليم السلطة الى جهة مدنية ما – فلا يوجد أي ضمانة في أن تتمكن مثل هذه الجهة وحدها من اعادة مصر الى السكة، ولا سيما اذا اخذنا بالاعتبار كثرة الاحزاب والتيارات السياسية، التي نشأت فوق السطح بعد الاطاحة بمبارك. مثل هذا الوضع، الذي يتخلى فيه الجيش عن السيطرة ويعود الى ثكناته هو وصفة للفوضى وينطوي، بطبيعة الحال، على مخاطر عديدة على اتفاق السلام مع اسرائيل ايضا.

الطريق الوحيد لانقاذ مصر من الفوضى هو طريق الحل الوسط. يتعين على الجيش ان يقنع الشارع بانه لا يتطلع الى اعادة الدكتاتورية واحلال حاكم آخر وحيد محل مبارك. الشارع المصري يتعين عليه أن يعترف بان الجيش هو الضمانة الوحيدة لمنع انهيار الدولة التي كانت ذات مرة زعيمة العالم العربي.