خبر في غزة..أمطار الخير تُحول ليلة الحاجة مريم إلى شقاء

الساعة 10:22 ص|20 نوفمبر 2011

في غزة..أمطار الخير تُحول ليلة الحاجة مريم إلى شقاء

فلسطين اليوم- غزة "فلسطين عبد الكريم"

كانت ليلة شتاء قاسية بكافة معالمها مؤلمة بساعاتها وصعبة بكل دقيقة مرت بها ... فالمعتاد أن المطر خير وبركة للإنسانية، لكن الحال لم يكن كذلك لدى الحاجة الخمسينية " مريم " التي تعيش في بيت من " الزينكو" بأحد الشوارع الضيقة بحي الصبرة شرق مدينة غزة , حيث لا يوجد به أي معنى للسكن الصحي ، عندما تنظر بداخله تدرك من الوهلة الأولى بأن أصحاب البيت يعدون أنفسهم للرحيل ...جدرانه متشققة وأثاثه مهترىء قديم .

 

وجدت نفسها تستيقظ في حوالي الساعة الثانية بعد منتصف الليل... فقد أيقظها شلال الماء الذي تدفق بقوة من سقف الغرفة التي تعيش فيها هي وابنتها.. تبلل الفراش وانسابت مياه المطر كأنها شلال ... احتارت ماذا تفعل وأين تذهب ؟

 

لم تكن حجرات ومرافق البيت الأخرى بأفضل حال ... فقد ملئت زواياه بالكثير من الأوعية التي تحول دون سقوط المطر على الأرض وبالرغم من ذلك كان الماء يتراشق في كل مكان ..

 

ومع شدة انهمار المطر وقسوة الليل وبرد الشتاء ، صرخت " مريم " فجأة وهي تبكي " يارب لا نريد مطر... من قال أننا نريد مطر ؟؟.. وعادت لتستغفر ربها من جديد وتقول ": بالرغم من ذلك المطر نعمة من الله ولا أحد يرفض هذه النعمة ".

 

في هذا الوقت كانت ابنتها ترفع ماتبلل من فراش وتنظر إلى والدتها التي تشكو من رضوض وتمزق في قدمها منذ أسبوعين متتاليين ونصحها الطبيب المعالج بعدم التحرك أو المشي عليها ؟

 كيف تراها مستيقظة منتصف الليل وهي تبكي ألما من قسوة البرد... لقد اجتمع على قلبها ألمان كبيران ... ألم المطر الذي أغرق بيتها وحرمها النوم وابنتها، وألم قدمها التي انتفخت إثر تحركها المتواصل كلما هطلت المياه ...

 

الوضع لم يتوقف على قدر هطول الأمطار... فقد انقطع تيار الكهرباء وازدادت الأمور سوءا، فوجود الكهرباء أكثر مايمكن أن يهون عليها لتتمكن من محاولة منع تدفق المياه إلى باقي محتويات البيت وأثاثه القديم المهترىء .

 

وعلى أطراف أصابع أقدامها تحسست الابنة الطريق إلى لمبة الكاز ...أضاءتها بسرعة لكن عتمة الليل الممتزجة بغزارة المطر كان أشد قوة ...

 

جلست الحاجة "مريم " على كرسي ووقفت بجانبها ابنتها ... لقد أصبح البيت مزاريب مياه ... ولا توجد به زاوية يمكن الاحتماء بها ....فقد ابتلت الأرض بمياه المطر ...وغاب النوم عن عيني الأم وابنتها وكان الهم الوحيد الذي تترجاه كلاهما هو توقف هطول الشتاء وعودة التيار الكهربائي الذي زاد من المأساة ..

 

جاءها صوت ابنها الذي ينام بالغرفة الأخرى من البيت فقد أيقظته هو الآخر سقوط زخات المطر على وجهه فأفزعته من نومه ، قال بصوت مخنوق وهو يرجف من شدة البرد:" هو إحنا مكتوب علينا كل يوم وكل ليلة نصحى في عز أحلى نومة ... ايش هادى الهم ؟؟ ".

 

 قالت بصوت ممزوج بالبكاء الخفي ": كل الناس مرتاحين في بيوتهم لا تعترضهم مياه الشتاء في فراشهم ولا تنغص عليهم وقت راحتهم في ساعات الليل المتأخرة ، إلا نحن كتب علينا نغرق في مياه الشتاء ".

 

لقد مرت الساعات ثقيلة على الحاجة مريم وابنتها وابنها ، فهذا أول شتاء يكون بهذه الشدة والغزارة ..  وفي حوالي الساعة الرابعة والنص فجرا نطق الأذان بكلمة " الله أكبر" واضطر الجميع للصلاة في المطبخ فهو الوحيد الذي لم تستقر فيه المياه كثيرا وكانت فيه مساحة فارغة لأدائها.

 

هذه ليست الليلة الوحيدة التي تعاني فيها الحاجة مريم من دخول أمطار الشتاء على بيتها الذي تسكن فيه ، فقد كانت واحدة من بين ليالي كثيرة مضتها مستيقظة تنتظر رحمة الله ليس في نزول المطر كما ينتظره الآخرون ولكن في توقفه كونه يقلق راحتها ويغرق بيتها بالمياه .

 

وعقب أيام من اليقظة المتواصلة كل ليلة ومحاولات كثيرة للحول دون انسياب المياه إلى غرفة الحاجة مريم .... كانت قطعة من النايلون الخفيف أعلى سطح الغرفة كفيلة بأن تمنع تدفق المياه إليها لينام الجميع فيها ، فيما ظل حال الغرف الأخرى على حالها فالبيت قديم وحوائطه متشققة ومحاولات منع وصول المياه إلى الداخل ليست بالهينة وتحتاج مجهود كبير .

 

هكذا كان الحال لدى الحاجة مريم وأبنائها وهو بالتأكيد حال العديد من العائلات ذات البيوت المتواضعة التي تتضرر من قسوة برد الشتاء وشدة الأمطار المتساقطة... فلم يعد المطر وخيره سفيرا للإنسانية ، بل أصبح نقمة لا يرجوها الكثيرون ممن يعيشون حياة بسيطة في المخيمات والمعسكرات ذات المنازل القديمة والشوارع والأزقة الضيقة والمزدحمة والذين تتضرر بيوتهم بفعل أمطار الشتاء الغزيرة ليصبحوا على عكس غيرهم ممن يعيشون حياة هادئة في الشتاء أو الصيف على حد سواء . صبح نقمة لايرجوها أ