خبر الطريق للخروج من مأزق الخيارات الفلسطينية .. عريب الرنتاوي

الساعة 09:47 ص|17 نوفمبر 2011

الطريق للخروج من مأزق الخيارات الفلسطينية .. عريب الرنتاوي

في الخطاب الفلسطيني الدارج، ثمة ما يشبه الإجماع على فشل "خيار التفاوض" كوسيلة ورافعة لاسترداد الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني... حتى بعض القيادات الفلسطينية الأكثر حماسةً لهذا الخيار، بدأت تتحدث عن "طريق مسدود" و"نهاية مطاف" و"مرحلة جديدة".

 

لكن الملاحظ، أن القليل الأقل، يقال ويكتب عن مصائر الخيار الثاني: "خيار المقاومة"، أقله بالصورة التي قُدّم بها من قبل أنصاره والقائمين عليه، فهل الطريق أمام هذا الخيار ما زالت مفتوحاً؟... هل ما زالت "المقاومة" خياراً متاحاً أمام الشعب الفلسطيني، وبأي أشكال ووسائل، وتحت أية شروط؟.

 

لا جدال في أن الخيار التفاوضي قد بلغ طريقاً غير نافذ... والأرجح أن المستقبل المنظور، ما عاد يحمل في طيّاته، فرص استعادة هذا الخيار لحيويته وجدواه... "إسرائيل" "تنزاح" نحو اليمين والتطرف باطّراد... والمجتمع الإسرائيلي ما عاد يفرز غير حكومات على شاكلة حكومة نتنياهو- ليبرمان- باراك، وربما ما هو أسوأ منها... والانحياز الأمريكي ل"إسرائيل" لن يتبدل في المدى المنظور، إذ ليس للولايات المتحدة من "مصلحة" في المنطقة، تعلو على مصلحتها في حفظ أمن "إسرائيل" وتفوقها، أما اللاعبون الآخرون على المسرح الدولي فتتراوح أدوارهم ما بين "الدوبلير" و"الكومبارس" بلغة السينما وقواعدها.

 

أما خيار المقاومة، ومن قطاع غزة على وجه الخصوص، فقد أحيط بسلسلة من القواعد والقيود، التي تمنع اعتماده خياراً يمكن الركون إليه، فالمقاومة معزولة ومحاصرة في القطاع المنكوب... وهي لم تنجح في بناء "ميزان ردع" مع إسرائيل على طريقة لبنان وحزب الله... وثمن العمليات والصواريخ التي تنطلق من هناك، باهظٌ للغاية... حتى أن المقاومين أنفسهم، أصبحوا الأكثر حرصاً على تجديد التهدئة وتمديد الهدنة، وأحياناً كثيرة، يجري اللجوء لاستخدام القوة، لمنع الآخرين من ممارسة "مقاومتهم"... وفي كل مرة تقوم فيها "إسرائيل" بمقارفة جريمة في القطاع، يكون الرد على الخرق الإسرائيلي عليها بقليلٍ من الأفعال وكثيرٍ من "التهديدات المزلزلة".

 

لا يمكن للشعب الفلسطيني أن يركن إلى خيارين مأزومين لاسترداد حقوقه الوطنية المشروع... لقد امتد "صمت الضفة" إلى القطاع، وبات الحصار، كما الاحتلال، غير مكلفٍ أبداً... وقد يمتد المطاف بهما، لسنوات أخرى قادمة، من دون أن تجد "إسرائيل" حاجة ضاغطة لرفع حصارها ووقف استيطانها وإنهاء احتلالها... إنه احتلال رخيص و"سوبر ديلوكس"... إنه حصار غير مكلف على الإطلاق.

 

في الجدل المصاحب لمشاريع المصالحة ومحاولات استعادة الوحدة الوطنية، يبدو الانقسام حول هذه الخيارات المأزومة، كما لو كان انقساماً بين برنامجين، أو خطين متوازيين لا يلتقيان... مع أن الممارسة على الأرض، تقول إن النتيجة واحدة... "إسرائيل" لا تدفع ثمناً، وفي أحسن الأحوال، "إسرائيل" لا تدفع ثمناً لا تستطيع احتماله... أما نتيجة الخلاف الفلسطيني حول هذه النقطة، فهي تكريس الانقسام وإطالة أمده، من دون أن يترتب على ذلك قطف أي ثمار للتفاوض أو جني أية نتائج للمقاومة.

 

ما بين هذين الحدين/ الخيارين المعطلين، ثمة خيارات وآفاق ما زالت مفتوحة أمام الشعب الفلسطيني، وميزة هذه الخيارات، أنها تلقى تأييداً شعبياً واسعاً، ويمكن أن تشكل قاعدة التقاء وتوافق وطنية عريضة، بل ويمكن أن تحصد تفهماً ورضى واسعين في مختلف الأوساط السياسية والأهلية في المجتمعين العربي والدولي... إنها المقاومة الشعبية متعددة المسارات والأشكال... إنها المقاومة المستهلمة لروح "ربيع العرب" وأدواته الكفاحية التي ثبت أنها "جبّارة"، بل وقادرة على "زلزلة" الأرض من تحت أقدام نظم الاستبداد والفساد... والأهم أنها فعل مستدام ومستمر، وذو تأثيرات تراكمية عالية الأهمية، لا عملاً موسمياً، باهظ الكلفة وقليل المردود.

 

إن إطلاق هذه المقاومة، يجب أن يكون في صلب المشروع الوطني الفلسطيني الموحد، تحت راية منظمة التحرير الفلسطينية المُعاد بناؤها وهيكلتها، والتي تنضوي تحت راياتها جميع الفصائل، وبالذات حركتي فتح وحماس، باعتبارهما نقطتي ارتكاز الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة... ونقول مقاومة متعددة المسارات، لأن المطلوب منها ملاحقة إسرائيل في كل المحافل والمنابر والساحات، ونزع الشرعية عن سياساتها الاحتلالية والاستيطانية وحصارها الجائر للقطاع الجريح.

 

إن مقاومة كهذه، ستجعل الشعب الفلسطيني، مفجّر الثورات والانتفاضات، قادراً على الالتحاق بـ"ربيع العرب" بدل انتظاره كل هذه الأشهر والتخلف عن ركبه... مثل هذه المقاومة كفيلة بأن تعيد موضعة القضية الفلسطينية في صدارة الاهتمامات والأولويات الإقليمية والدولية... مثل هذه المقاومة، كفيلة بحقن الشوارع العربية، بجرعة إضافية من الاهتمام بـ"قضية العرب المركزية الأولى".

 

السلطتان الفلسطينيتان، في رام الله وغزة، وما أحاط بكل واحدة منهما من منظومات مصالح وفئات منتفعة، تخشيان هذه المقاومة على ما يبدو... في رام الله يجري اعتماد سياسة "المقاومة المختبرية" في نعلين وبلعين... وفي غزة تتصرف السلطة هناك، كما لو أن الشارع سينقلب عليها، إن ترك له العنان، وخرج على قانون الاجتماعات العامة سيىء الذكر، والذي اسقط "ربيع العرب"، العديد من القوانين، على صورته ومثاله.

 

والأرجح أن هاتين السلطتين لن تُقدما من تلقاء ذاتيهما، إلى إطلاق هذه المقاومة... إنهما تعملان على توزيع الصلاحيات والامتيازات فيما بينهما، تحت شعار المصالحة واستعادة الوحدة الوطنية... لا أحد يكترث بالاستراتيجية البديلة لاستراتيجية الانتظار والترقب المتبعة حالياً في غزة ورام الله.

 

وحده الشارع الفلسطيني، سيملي شروطه ويفرض استراتيجيته، عندما تأتي لحظة الانتفاضة على الاحتلال والاستيطان والحصار.. عندها وعندها فقط ستجد السلطتان نفسيهما أمام واحد من خيارين: إما الالتحاق بركب الشارع، وإما المقامرة بمواجهته ومواجهة المصير الذي انتهت إليه من قبل أنظمة وحكومات وحكام ليسوا حكماء... فلنضرع إلى الله جميعاً بان لا يطيل "غيبة" الشارع الفلسطيني، ففلسطين لا تستحق أن تدرج في قائمة "القاعدين".

 

صحيفة الدستور الأردنية