خبر لقاء عباس – مشعل../ هاني المصري

الساعة 08:16 ص|16 نوفمبر 2011

لقاء عباس – مشعل هاني المصري

 

كل الأنظار معلّقة على اللقاء المرتقب الذي طال انتظاره بين الرئيس محمود عبّاس وخالد مشعل، لأن مثل هذا اللقاء كان من الطبيعي أن يعقد مرات عديدة منذ توقيع اتفاق المصالحة في الرابع من أيار الماضي وحتى الآن.

 

لقد أصبح اللقاء هدفًا بحد ذاته بعد التأجيل المتكرر لعقده، حيث تعددت التصريحات طوال الأشهر الماضية عن لقاء سيعقد بعد أيام أو في بداية الشهر المقبل أو بعد عيد الفطر أو الأضحى أو بعد استحقاق أيلول، ولكن الأيام والأسابيع والأشهر مضت دون عقد اللقاء.

 

إنّ السبب المعلن لتبرير تأجيل عقد اللقاء حتى الآن هو الخلاف حول تسمية سلام فياض رئيسًا لحكومة التوافق الوطني، ولكن الحقيقة أن الظروف لم تكن ناضجة لتطبيق اتفاق المصالحة لجهة عدم توفر الإرادة السياسية الكافية لدى الطرفين المتنازعين.

 

فالخلاف على سلام فياض يُخفِي ما هو أكبر بكثير، فهو يُخفِي الخلاف على شروط المشاركة، بما فيها الخلاف على البرنامج السياسي للحكومة وحول المنظمة والأمن والانتخابات، مع العلم أن المواقف المعلنة من حركتي فتح وحماس عشية اللقاء لا تبشر بالخير.

 

ففتح على لسان "أبو مازن" طرحت بعد الفشل في تشكيل الحكومة، أن جدول أعمال لقاء القمة القادم يجب أن يشمل البحث في الأفق السياسي، وخصوصًا مستقبل السلطة، وتطبيق اتفاق المصالحة مع التركيز الحاسم على نقطة واحدة فيه هي إجراء الانتخابات بأسرع وقت ممكن، ولقد طرح الرئيس أن تعقد الانتخابات في كانون الثاني أو شباط المقبلين، ويدور حديث الآن أن لقاء عباس مشعل قد يخرج بالاتفاق على تشكيل حكومة لمدة أربعة أشهر، تكون مهمتها التحضير والإشراف على إجراء الانتخابات من دون برنامج سياسي، مع التلميح إلى الاستعداد لتجاوز عقدة فيّاض، ولعل هذا ما يفسر تجدد تصريحات رئيس حكومة تسيير الأعمال بأنه لا يقبل أن يكون العقدة أمام إتمام المصالحة.

 

أما بالنسبة لحماس، فقد أعلنت بشكل متكرر وحازم أنها لا يمكن أن توافق على تقزيم اتفاق المصالحة في نقطة واحدة هي الانتخابات، وأن الاتفاق يجب أن يشمل إضافة إلى الانتخابات تطبيق البنود الأخرى: المنظمة، والأمن، وضرورة توفير أجواء إيجابية لإجراء الانتخابات وضمانات فلسطينية لاحترام نتائجها؛ لأن حماس تخشى أن الذهاب إلى انتخابات سريعة في ظل الأجواء القمعية تستهدف فقط إخراجها من المشهد السياسي.

 

السؤال الكبير والحاسم الذي يطرح نفسه هو: إذا كان البحث في المستقبل السياسي للسلطة والتوجه إلى الأمم المتحدة والمفاوضات والمقاومة ومنظمة التحرير مطروحًا، فلماذا يتم استباق اللقاء بالحديث عن إجراء انتخابات مبكرة أو في شهر أيار المقبل أو في أي وقت آخر؟

 

فاللقاء إذا توصل مثلا إلى ضرورة حل السلطة وإعادة الصراع إلى طبيعته الأصلية، وهذا مستبعد جدًا، خصوصًا بعد تصريح الرئيس في تونس بأن السلطة لن تُحل في جميع الأحوال، فلماذا الحديث عن إجراء الانتخابات؟. بل يجب التركيز في هذه الحالة على بلورة الإستراتيجية الجديدة، وعلى إعادة تشكيل منظمة التحرير حتى تضم مختلف ألوان الطيف السياسي وتكون قادرة على تمثيل الشعب الفلسطيني في جميع أماكن تواجده.

 

نفس الأمر، إذا توصل اللقاء إلى ضرورة إعادة النظر بشكل وظائف والتزامات السلطة، خصوصًا التنسيق الأمني، فمثل هذا الاتفاق الفلسطيني سيستدعي ردًا إسرائيليًا رافضًا له بحدة، فنكون أمام مواجهة سيكون إجراء الانتخابات فيها نقطة غير مطروحة للتنفيذ، على الأقل في المدى المنظور.

 

تأسيسا على ما سبق، لا يمكن التركيز على الانتخابات وتشكيل الحكومة إلا إذا اتفق الطرفان على استمرار الوضع الحالي، من حيث مكانة السلطة والتزاماتها، بحيث يسمح ذلك فقط باستمرار حالة الاقتسام القائمة عمليًا ورسميًا منذ التوقيع على اتفاق المصالحة دون تطبيقه.

 

يمكن في أحسن الأحوال أن يكون هناك اتفاق في اللقاء القادم على تشكيل الحكومة، وإجراء الانتخابات، وتأجيل الاتفاق على البرنامج السياسي؛ لأنه يحتاج إلى المزيد من الحوار وانتظار رؤية نتائج التغيرات العربية والإقليمية، وما جرى ويجري في مصر وتونس وليبيا، وما يجري في سوريا واليمن، وما يمكن أن يحدث على صعيد العلاقات الأميركية الإسرائيلية الغربية مع إيران، وهل تتجه الأمور إلى حرب أو إلى صفقة أو إلى الحفاظ على الوضع القائم؟

 

وإذا تم الاكتفاء بالاتفاق على الحكومة وإجراءالانتخابات، فإنها ستكون حكومة الحفاظ على الأمر الواقع (أي الاقتسام)، ولكن من دون الوصول إلى إجراء الانتخابات عمليًا، لأن إسرائيل ستعارض إجراءها، خصوصًا في القدس، و"فتح" و"حماس" لا تفضلان إجراءها لعدم ضمان نتائجها، ومن أجل معرفة اتجاه الأحداث في المنطقة؛ فسيؤدي إلى حكومة مع استمرار الانقسام في الأجهزة الأمنية وغيرها، أي سيكون لدينا حكومة واحدة تحكم منطقتين منقسمتين، ما يجعل مسألة عقده ليست محسومة حتى الآن، لأن فشله بعد تعليق كل هذه الآمال عليه سيكون له تداعيات وخيمة. فتشكيل حكومة واحدة تغطي على الانقسام لا يعتبر اختراقًا في ملف المصالحة.

 

لذا من دون حسم مسألة الإستراتيجية السياسية البديلة عن استراتيجية الوهم بأن هناك حلًا سياسيًا وطنيًا من خلال المفاوضات الثنائية كأسلوب وحيد في ظل الاختلال الفادح في موازين القوى، وتعنت الحكومة الإسرائيلية، وعن إستراتيجية المقاومة كأسلوب وحيد التي انتهت إلى تعليق المقاومة عمليًا؛ لا يمكن التقدم الحقيقي نحو إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية.

 

في الحقيقة، إن القيادة الفلسطينية خرجت من مسار المفاوضات الثنائية، ولكنها لا تزال تقف على الباب، وتعلق الآمال على حدوث ما يمكن أن يؤدي إلى استئنافها، فهي تعتمد سياسة انتظارية أدت إلى الذهاب إلى الأمم المتحدة والوقوف على أبواب مجلس الأمن، وتوقيع اتفاق المصالحة دون تطبيقه، وطرح المقاومة الشعبية كشعار دون خطط تكفل تطبيقها، ولوحت بحل السلطة أو بإعادة النظر بها، مع بقاء التنسيق الأمني وكل شيء على حاله، وأسدل الستار على هذا الحديث بتصريح الرئيس مؤخرًا بأن حل السلطة غير مطروح مهما كانت نتيجة التصويت في الأمم المتحدة.

 

وفي ظل هذا الوضع، إذا وافقت حماس على المشاركة في الانتخابات بالرغم من احتمال كبير بخسارتها لها، ستكون مطالبة بالانضباط للأغلبية في هذه الحالة، فأهلًا وسهلًا بها كشريكة في النظام السياسي، أما إذا أصرت على تغيير قواعد اللعبة الداخلية ولعملية السلام ففتح غير مستعدة للمجازفة بخسارة موقعها القيادي وفقدان الشرعية والدعم الدولي من أجل أن مشاركة حماس التي قد تمهد لها الطريق لانتزاع القيادة.

 

إن حماس، إما أن تصبح شريكة كاملة في النظام السياسي، خصوصًا في المنظمة، وإما أن تبقى مسيطرة على غزة انتظارًا لتطورات عربية وإقليمية ودولية، خصوصًا الانتخابات في مصر وسوريا، والتي قد تسمح لها بالحصول على الضوء الأخضر العربي والأميركي والدولي، وأخيرًا الإسرائيلي، الذي يفتح طريق الاعتراف بها كلاعب رئيس وربما كقائد للفلسطينيين.

 

وأخيرًا، فإسرائيل لن تسمح بإجراء الانتخابات إلا إذا جاءت لتكرّيس الانقسام، أو بعد إنجاز وحدة فلسطينية تلتزم بالاتفاقات وشروط الرباعية، وسترفض إجراء الانتخابات إذا كانت ستساعد على توحيد وتقوية الفلسطينيين، وما لم تترافق مع عملية سياسية تؤدي إلى استمرار وتعزيز دور السلطة التي تقوم بدور ثمين جدًا لإسرائيل، ويمكن أن تؤدي إلى فوز حماس وإعطائها شرعية أخرى دون موافقتها على شروط اللجنة الرباعية.

 

تأسيسًا على ما سبق، فإن حماس لا يمكن أن توافق على أن تكون الانتخابات في الشروط الحالية هي الآلية الوحيدة لإنهاء الانقسام، لأنها ستخسرفي كل الأحوال: إذا فازت ستخسر لعدم تمكينها من الحكم، وإذا خسرت فستكون أقلية يجب أن تحترم قرارات الأغلبية.

 

بالرغم من هذا وذاك، فإن الاتفاق على الحكومة والانتخابات أفضل من عدم الاتفاق على أي شيء، خصوصًا أنه سيحدث في ظل اتفاق عام على إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة، وليس كسقف نهائي، ولكنه ليس إنهاء للانقسام ولا تحقيقا للوحدة، وانما هو تحقيق الممكن حتى تتضح صورة خارطة المنطقة الجديدة التي لن تكون فلسطين جزءًا فاعلًا فيها ما لم يكن الفلسطينيون موحدين وفاعلين وواقعيين من دون تفريط أو مغامرة بأسرع وقت ممكن وقبل ضياع الفرصة.