خبر الطفل الذي أبكى كل من حوله خلال زيارته لوالده الاسير في جنين

الساعة 07:13 ص|15 نوفمبر 2011

الطفل الذي أبكى كل من حوله خلال زيارته لوالده الاسير في جنين 

 فلسطين اليوم-صحيفة الايام

بكى الأسير ياسر ذياب حمدوني (38 عاما)، بحرقة وأبكى من كانوا داخل غرفة الزيارة في سجن "جلبوع" من أسرى وأهالي، عندما حاول عبثا إقناع طفله محمد الذي لم يتجاوز من العمر تسع سنوات، بتجاوز الزجاج العازل داخل تلك الغرفة، على أمل احتضانه.

ويقضي الأسير حمدوني، حكما بالسجن مدى الحياة في سجون الاحتلال الإسرائيلي، على خلفية نشاطه في كتائب "شهداء الأقصى" الجناح العسكري لحركة فتح، وضلوعه في هجمات مسلحة ضد أهداف إسرائيلية أسفر عنها مقتل وإصابة عدد من الإسرائيليين، ما جعله هدفا للمطاردة من قبل قوات الاحتلال التي تمكنت من اعتقاله، قبل نحو عشر سنوات، خلال كمين.

تقول والدة الأسير حمدوني من بلدة يعبد جنوب غرب جنين، إن ابنها اعتقل، وهو متزوج ولديه طفل اسمه أدهم لم يكن قد تجاوز العام من عمره، بينما كانت زوجته تحمل بين أحشائها طفله الثاني محمد الذي ولد بعد نحو شهر من اعتقال والده الذي لم يعلم بأن الله رزقه مولودا آخر، إلا بعد خروجه من أقبية التحقيق، بعد نحو ثلاثة شهور من التعذيب بشتى أصنافه.

وبحسب الأم التي بدت وكأنها تجاوزت المائة عام من عمرها، دون أن تتجاوز الثانية والستين، فإن ابنها ياسر، لم يكن يعاني من أي نوع من الأمراض، حتى خرج من أقبية التحقيق، حيث لجأ المحققون من جهاز المخابرات الإسرائيلي، إلا كسر ساقه في إطار الضغوط الشديدة التي مارسوها عليه بهدف إجباره على الاعتراف بالتهم الموجهة له.

وتابعت حمدوني، إن ابنها فقد السمع في أذنه اليسرى، وأصبح يعاني من أزمة صدرية وأمراض أخرى سببها الرئيس شدة التعذيب الذي تعرض له، خلال فترة التحقيق، واستهدافه بالعزل الانفرادي لفترة طويلة، وظروف الأسر، وما يعانيه الأسرى من إهمال طبي متعمد كسياسة تنتهجها إدارات سجون الاحتلال في التعامل مع الأسرى المرضى.

وما زاد من معاناة هذا الأسير كما تقول والدته التي أصبحت تعاني هي الأخرى من عدة أمراض، وفاة زوجها قبل نحو أربع سنوات، جراء جلطة حادة أصابته بالدماغ، وتسببت بوفاته بعد أربعة أيام، وذلك بسبب شدة حزنه على ابنه الذي أغمي عليه عندما فجع بنبأ وفاة والده.

وقبل نحو شهر، نقلت إدارة سجن "جلبوع"، الأسير حمدوني، إلى مستشفى سجن "الرملة"، بعد أن تردت حالته الصحية بشكل خطير، وذلك في ظل الضغوط التي مارسها الأسرى على الإدارة، حيث مكث حمدوني بحسب ما أكدت والدته، ثلاثة أيام، أعيد بعدها إلى ذات السجن الذي يقبع فيه منذ عدة سنوات.

وكان الأمر الصاعق بالنسبة للأم وابنها الأسير، ما حدث داخل غرفة الزيارة في السجن، ثالث أيام عيد الأضحى المبارك، عندما اصطحبت الأم حفيدها محمد إلى تلك الزيارة.

وتضيف حمدوني، إن حفيدها أخذ يبكي ويصرخ رافضا دعوة والده له بأن يأتي إليه خلف الزجاج العازل ليضمه إلى صدره، وهو أمر تسمح به إدارة سجون الاحتلال، ويقتصر على تمكين الأطفال من الدخول خلف الزجاج الذي يفصل الأسير عن أفراد عائلته، وقت الزيارة، حيث كان الطفل يتمسك بجدته وهو يقول "إنه ليس أبي"، في مشهد أبكى الأم وابنها الأسير، وكل من كان بداخل غرفة الزيارة من أهالي وأسرى.

وكاد الأسير حمدوني، كما أكدت والدته، ينهار من شدة حسرته على طفله الذي لم يعرف والده الذي بدت عليه معالم المرض والتعب، خصوصا بعد الإضراب المفتوح الذي خاضه الأسرى في سجون الاحتلال، عن الطعام، واستمر لأكثر من 21 يوما.

تقول الأم بكلمات ساخرة، إن العالم بأسره تجند لصالح إسرائيل عندما كان أحد جنودها وهو جلعاد شاليت، أسير لدى المقاومة الفلسطينية، دون أن يتحرك له ساكن وهو يعلم بوجود الآلاف من الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، معظمهم متزوجين ولديهم زوجات وأطفال وأمهات وآباء يعيشون على أمل الإفراج عنهم.

وأكدت والدة الأسير حمدوني، أن إدارة سجون الاحتلال، رفضت لسنوات طويلة، تزويد ابنها بسماعة أذن تساعده على تعويض فقد السمع الذي أصاب أذنه اليسرى، حتى بادر رئيس نادي الأسير في جنين، راغب أبو دياك، إلى توفيرها وإدخالها إلى السجن بعد طول عناء.

وتحدثت حمدوني لـ صحيفة "الأيام"، عن معاناتها خلال أوقات الزيارة، فقالت، إنها في كل يوم زيارة، تغادر منزلها عند الرابعة والنصف فجراً، لتنضم إلى أهالي الأسرى ممن تقلهم حافلات الصليب الأحمر إلى السجون بغية زيارة أبنائهم الأسرى، حيث تبدأ رحلة معاناة تمتد لنحو 12ساعة متواصلة.

وقالت، إن الحلقة الأولى تتمثل في اضطرارها لمرات كثيرة، بالتوجه إلى الزيارة وحيدة دون حفيديها بسبب صغرهما في السن، وعدم قدرتهما على تحمل عناء السفر، ودون أي واحد من أبنائها الممنوعين من زيارة شقيقهم لأسباب أمنية، كما تدعي سلطات الاحتلال، وفي بعض المرات ترافقها زوجة ابنها الأسير والتي قررت تسخير حياتها لصالح تربية طفليها.

وعلى معبر "الجلمة" الحدودي شمالي جنين، تقول الأم، إن أهالي الأسرى يضطرون في معظم المرات، للانتظار ساعات طويلة بانتظار السماح لهم بالعبور، بعد إخضاعهم للتفتيش الجسدي الذي غالبا ما يكون مهينا للكرامة الإنسانية.

وتنطلق الحافلة من جديد، في طريقها إلى السجن حيث محملة أهالي الأسرى ممن يخضعون لإجراءات تفتيش مماثلة من قبل إدارة السجن الذي يضطر الأهالي للانتظار أمامه دون وجود حتى مظلات تقيهم المطر والبرد خلال فصل الشتاء، أو الحر خلال فصل الصيف، قبل السماح لهم بالدخول إلى غرفة الزيارة التي تضع إدارة السجون بداخلها، ألواحا زجاجية عازلة تفصل بين الأسير وزائريه من أقاربه من الدرجة الأولى.

وتخلص والدة الأسير حمدوني إلى التأكيد، أنها ستواظب على زيارة ابنها الأسير، رغم تقدمها في السجن، ورغم الأمراض التي تعاني منها وتجعل من قدرتها على التحرك والتنقل أمرا أشبه بالمستحيل، في وقت تعيش فيه على أمل إطلاق سراح ابنها، ولو كان أملا صعب المنال في هذه المرحلة، حتى تضمه إلى صدرها كما لو كان طفلا في الأشهر الأولى من العمر.