خبر ديمقراطية في حالة حصار- معاريف

الساعة 10:59 ص|11 نوفمبر 2011

 

ديمقراطية في حالة حصار- معاريف

بقلم: بن كسبيت

"صدقني، هذه دولة مجنونة، لا أعرف الى اين سيصل هذا "، قال اللواء، "ظاهرة شارة الثمن هذه تخرج عن السيطرة، ببساطة لا يمكن السيطرة على ذلك. الجهاز القضائي لا يقدم جوابا، العقوبات سخيفة، غرامات 50 شيكل، لا أحد يمكنه أن يوقف هذا، من الصعب التصدي للامر بهذا الشكل". المتحدث هو قائد المنطقة الوسطى آفي مزراحي. من يمثل سيادة اسرائيل في يهودا والسامرة، ويتصدى كل يوم لعصابات "شارة الثمن".

مزراحي قال ذلك لصديق في اثناء الذكرى لاسحق رابين، يوم الاربعاء في جبل هيرتسل في القدس. كان هذا حديثا خاصا جرى في مكان عام، وافاد سامعوه الاصليون بان اللواء تحدث وكأنه يعيش عصفا نفسيا واحباطا عميقا. في ذات اليوم تغيب 53 نائبا عن ذكرى رابين في قاعة الكنيست. قرابة نصف مشرعينا كان لديهم شيء أهم يفعلونه. قبل يوم من ذلك، رش مجهولون شعارات مضادة في بيت درج نشيطة السلام الان في القدس، بما في ذلك شعار "رابين ينتظرك". وفي الغداة بعثت المحكمة العليا الرئيس السابق موشيه قصاب لسبع سنوات سجن وصادقت على القرار بانه مغتصب. يوم الاحد سيرفع الى لجنة الوزراء لشؤون التشريع مشروع قانون ينص على "الاستماع" في الكنيست لمرشحي المحكمة العليا. هذا وصف جزئي لـ 48 ساعة في حياة دولة اسرائيل، التي كانت ذات مرة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الاوسط، وهي اليوم ديمقراطية في حالة حصار. في كل هذه المواضيع ليس لنا من ننزل عليه باللائمة غير انفسنا. هكذا في معالجة خارقي القانون في المناطق، هكذا في التنكيل بالديمقراطية، وهكذا أيضا حتى في قضية قصاب. ليس هو المذنب، بل نحن. والادق منتخبينا. الكنيست اياها، التي اختارت قصاب في منصب رئيس دولة اسرائيل، في خلطة مركبة مليئة بالمناورات، الوعود، النوازع والخيانات، هي الكنيست التي اوقعت العار بمؤسسة الرئاسة.

ذات مرة بدا الحال مختلفا. ذات مرة كان هنا رئيس وزراء، واسمه اسحق رابين، لم يعرف الكذب. لم يكن شخصا كاملا، رابين، بل ربما العكس. كانت لديه نواقص عديدة. لم يكن طلق اللسان، لم يكن بوسعه ابدا أن يقدم خطابا في الكونغرس، او في الامم المتحدة، مثل بيبي، وقد ارتكب اخطاء. كان مدخنا متواصلا بل واحيانا مد يده الى كأس الخمر. كان قصير النفس. كانت لديه نقاط ضعف. حتى اليوم لا يمكن القول بقين اين كان محقا وأين اخطأ، فالتاريخ لم يصدر قولته بعد، والجدال حي يرزق. ولكنه حاول أن يقود الى هدف ما. أخذ المسؤولية. اتخذ القرارات. لم يسبق في حياته أن القى بالمسؤولية على شخص آخر. والاهم: لم يكذب. عندما كان ينبغي الكذب، والسياسي ينبغي أن يكذب تقريبا مرة في كل نصف ساعة، كان يغضب، يتشوش، يسعل، يحمر وجهه وفي النهاية لا يكذب. يتملص، او ببساطة يقول الحقيقة.

واليوم، ماذا يوجد لنا اليوم؟ يوجد لنا رئيس وزراء عظيما اصدقاء اسرائيل في العالم، دون مبالغة، رئيس فرنسا ورئيس الولايات المتحدة يدعوانه "كذاب". ويوجد لنا وزير دفاع حرك النقاش الجماهيري في موضوع قصف ايران قبل اسبوعين، وهذا الاسبوع جاء الى يرون ديكل في الاذاعة وهاجم اولئك الذين اجروه. لن يكون هنا 50 الف قتيل، ولا حتى 5 الاف قال باراك لسكان اسرائيل، اذا ما نفذ الناس التعليمات ودخلوا الى الغرف المحصنة، فانه حتى 500 قتيل لن يكون هنا. هكذا قال الوزير. إذن باستثناء تنفس الصعداء الجماعي الذي انفلت منا جميعا (كلها 500 قتيل؟ سنة متوسطة من حوادث الطرق. صغير علينا)، ينبغي الانتباه لشيء ما صغير، خفي، يشكل نمط دائما في سلوك الرجل الذي لا يعرف كيف يأخذ المسؤولية: "اذا ما سمع مواطنو اسرائيل التعليمات"، قال باراك، "عندها لن يقتل 5 الاف". وهذا يعني، ان دفع الغيبة بات جاهزا. اما اذا رغم ذلك قتل 5 الاف او حتى اكثر، فسيكون ممكنا القول ان القتلى لم يسمعوا التعليمات. لسنا نحن المذنبين، بل هم الذين جلبوا هذا على انفسهم. ومرة اخرى سنتملص من المسؤولية.

كل يوم وقانونه

كل من تهمه الديمقراطية الاسرائيلية، يشعر بالحصار. حرب لا مفر عديمة الاحتمال ضد قوى ظلامية، سوداء، تحاصرنا. موجة هائلة وعكرة من القوانين اليمينية تغمرنا في الكنيست. كل يوم وقانونه. بعضها، بالمناسبة، منطقية. من يجتهد يمكنه أن يجد هذا التبرير او ذاك. وكمن يكتب لسنوات ضد سياسة "كل شيء قابل للمحاكمة" التي تنتهجها المحكمة العليا ضد التدخل الفظ للعليا في مواضيع السياسة والامن، ضد المصيبة التي اوقعها علينا القاضي باراك، يمكنني أن اجد المنطق في بعض من مشاريع القوانين. المشكلة هي مستوى الحقن. المشكلة هي ان كل شيء يتم معا.

الحصار الغبي هو الاخر على جمعيات اليسار يثير الاشمئزاز.  لما كنت انا من وقف أول الجميع ضد نشاط "الصندوق الجديد لاسرائيل" في مجالات ما بعد الصهيونية، ولما كان حتى هذه اللحظة سلوك هذا الصندوق في هذه المجالات مصاب ومقلق في نظري، فلا يمكن الاشتباه بي بمحاولة الدفاع عن كل اولئك الذين يساعدون عملية نزع الشرعية عن اسرائيل في العالم او يسلمون اسماء ضباط وجنود لهيئات قضائية دولية. كما أني اعتقد أن حنين الزعبي لا يمكنها أن تكون نائبا في كنيست اسرائيل. فهي اكثر ملاءمة لبرلمان حماس في غزة.

وبعد كل هذا، فان السباق الظلامي بين افيغدور ليبرمان واوفير اكونيس (بتكليف من اسياده) حول "من لديه قانون اكبر" يقيد تجنيد الاموال للجمعيات او شيء ما اكثر قلقا. إذ انه يضاف الى الكتلة الحرجة لسيطرة نزعة القوة، عديمة الجماح، المخطط لها، على كل الادوات الديمقراطية التي عرفنا كيف ننشئها هنا في الايام البعيدة اياها التي كانت فيها اسرائيل دولة ديمقراطية حقا. مع حرية تعبير، مع مساواة حقوق، مع اعلام حر ومهاجم، مع "سلطة قانون" تتضمن السلطة والقانون معا. اغلبية ايضا، واقلية ايضا. رأي كهذا ايضا ورأي كذاك ايضا. إذن ماذا يريد الان النائب اوفير اكونيس ان يحققه بمشروع قانونه الجديد؟ اغلاق "السلام الان"؟ حقا، كل الاحترام. الا يكون هناك جدال. ان ينتسب الجميع لليكود، حتى فلاديمير بوتين لم يسن قوانين كهذه. أنا أكتب ذلك بالذات لانه في جزء من المواضيع (قائمة جزئية: صفقة شليط، الحرب في غزة، نزع الشرعية، نشاط الصندوق الجديد، عقوبة الموت للمخربين وما شابه)، أنا اقرب لليمين مني الى اليسار. ما هو هدفنا، أن نبيد المجتمع المدني في اسرائيل. وانتبهوا لحركة الحنك: من جهة، يغلقون القناة 10 وذلك لان القانون هو قانون. ولا يمكن تأجيل دفع الدين. من جهة اخرى يمددون (مجددا) الموعد النهائي للبؤر الاستيطانية غير القانونية. لم يعد أحد يولي اهتماما لحقيقة أن عددا هائلا من البؤر الاستيطانية مسوغ ومبيض لانه على اراضي دولة (خلافا لتعهدات السلطة للادارة في الولايات المتحدة ولكتب بوش وغيرها). هذا على ما يرام. ما تبقى هو بؤرة ونصف بنيت على ارض فلسطينية خاصة. هذا لا يمكن تسويغه. هذا ببساطة سرقة. إذن ما العمل؟ يمارسون الضغوط على محكمة العدل العليا، يغيرونها، يفرضون على القضاة استماعا، وذلك لتسويغ قانون يسمح بأخذ الارض من الفلسطيني دون سؤاله، مقابل تعويض. بالفعل، دولة ديمقراطية قدوة.

عبء شاس

انتبهوا لما يحصل حولنا. افرايم هليفي، رئيس الموساد الاسبق، قال قبل بضعة ايام انه قلق اكثر من عملية التأصل التي تمر بها اسرائيل، من النووي الايراني. وبعد يومين أعرب عن الاعتذار "اذا كان مس بأحد". رجل شجاع، هليفي. ما كان ينبغي لك أن تعتذر يا افرايم. لم تمس بأحد. حاولت ان تدافع عن هذه الدولة، الاخذة في التآكل من الداخل.

ها هو حديث روح أجريته هذا الاسبوع مع النائب الحاخام حاييم أمسلم، الذي طرد مؤخرا مكللا بالعار من شاس (لحظه). "أنا جد قلق"، قال أمسلم، "انضممت الى شاس كي أحاول اعادة سواء العقل، كي أحاول ان اذكركم بان اليهودية الشرقية ترمز الى الاعتدال وسواء العقل، واليوم لدي احساس عسير. أملت بان يكون ممكنا استعادة المجد، الاثبات بان التوراة يمكن أن تأتي مع الرزق وانه ينبغي المشاركة في حمل العبء، ينبغي حل مشكلة التهويد. وانظر ما حصل. كل اسبوع أكون مطالبا بمواجهة كل دروب الظواهر التي من كان يحلم بان تحل بنا هنا. ظواهر لا يعود أصلها لا الى الشريعة ولا الى الاخلاق ولا الى العقل السليم. مجرد تطرف مجنون واحابيل عديمة الاصول. أرصفة منفصلة للرجال والنساء؟ اين يوجد هذا. باصات منفصلة؟ من اخترع هذا. امرأة مسكينة لم تنتبه، تصعد من الامام الى الباص، تجلس، فثلاثة زعران يهجمون عليها؟ وأنت تسأل نفسك، ماذا يحصل هنا؟ اعتقدت أن ظاهرة نساء الطالبان هامشية، عابرة. اخطأت. هذا ينتشر. الكثير من العائلات، التجمعات السكانية، الوباء يستشري، مثل ايران".

أمسلم هو ظاهرة مشوقة. نوع من الامل الابيض وسوي العقل. تذكير بما كان هنا ذات مرة، ليس قبل وقت طويل. عندما كانت الايام سوية العقل اكثر. عندما لم يكن الذيل هو الذي يحرك الكلب. وهو يقسم بانه سيتنافس في الانتخابات القادمة مهما يكن. ان يسمح للاسرائيليين المؤمنين، التقليديين، المتدينين والعلمانيين ايضا الذين يعتقدون بانه يمكن ايضا بشكل آخر، ان يجدوا لاصواتهم مكانا سوي العقل ويقوم بالاصلاح. انا اصلي بان ينجح. "الان انظر الى محطة الاذاعة هذه، "صوت عال""، يقول، "فالجميع يعرف بان هذه محطة شاس. السلطة الثانية ببساطة تتعاون معهم. هذا لا يصدق. ليس فقط النساء لا يستطعن الغناء في هذه الاذاعة بل ان المرأة ببساطة لا يمكنها ان تصعد الى البث لتطرح سؤالا. ورجال المحطة يأتون ويشرحون في لجنة في الكنيست، دون خجل، هذا الامر المشين. ما علاقة شاس بهذه الظاهرة؟ فالمحطة تعود لتسفي عمار، الذي يسكن في باريس، وهو سيد شاس وسيد ايلي يشاي. ونصف شاس كانوا الان في عرس ابنه في فرنسا، وفي هذه المحطة يدور تحريض منفلت العقال ضدي ايضا، ضد حاييم أمسلم، حملة صيد، والدولة تسكت، وممثلو السلطة الثانية والمستشار القانوني ومن لا ببساطة يسكتون، ويؤيدون استمرار عمل هذه المحطة، التي ببساطة تلغي وجود النساء.

سألت أمسلم عما يفكر به بالنسبة لتصريح افرايم هليفي. فقال انه عبر عن أزمة شديدة. هو يتحدث باسم الجمهور الذي يشعر بالتهديد. ادخل أنت بنفسك الى المواقع الالكترونية الاصولية فتجدهم هم ايضا يقولون ان افرايم هليفي محق. هذا أسوأ من عهد فرعون. فقد فرض على الاصوليين الذين لا يستطيعون أن يعبروا عما عبر عنه افرايم هليفي كمحتاجين، في جماعة من المعتمدين على الصدقات. وأنا اسأل، هل التوراة هي التي تفرض عليهم ذلك؟

السيطرة على وسائل الاعلام

هيا نتقدم الى الامام. الى وسائل الاعلام. احدى الادوات الحيوية لوجود الديمقراطية. حتى أنا الذي أكتب هنا كل اسبوع تقريبا عن السيطرة الزاحفة لبنيامين نتنياهو ومبعوثيه الى وسائل الاعلام الاسرائيلية، لم اصدق كم هذا خطير.

تعالوا نتحدث عن القنوات الرسمية. صوت اسرائيل والقناة الاولى. يوم الاثنين من هذا الاسبوع نشر في "معاريف" خبر عن أن مراقب الدولة نقل الى عناية المستشار القانوني للحكومة نتيجتين تتعلقان بالتحقيق في قضية تمويل سفريات رئيس الوزراء نتنياهو ("بيبي تورز"). نشر آخر حاول رجال نتنياهو التأثير على مراقب الدولة كي يغير ناحوم ليفي الذي يترأس فريق الفحص، بدعوى أنه "يطاردنا منذ قضية عمادي". المراقب رفض هذا الطلب.

وفي الغداة نشر في الانترنت خبر بموجبه نظف المراقب رئيس الوزراء من شبهات جنائية في القضية. بتعبير آخر، كل شيء انتهى، والجبل تمخض فولد فأرا، وبيبي نقي كالثلج. اما المراقب فنفى الخبر. حقيقة أن النتائج لم تنقل حسب القانون ليست جوهرية. لدى المراقب المزيد من القنوات لنقل المواد الى المستشار القانوني. ناهيك عن أن الفحص بعيد عن الانتهاء. ومنذ ساعات الظهيرة في ذاك اليوم اصبح "صوت اسرائيل والقناة الاولى" بوقين لذاك الموقع اياه على الانترنت. وعنوان "المراقب نظف رئيس الوزراء"، اصبح عنوانا رئيسا يتلى في كل النشرات والموجزات، بما في ذلك عناوين طويلة ومنمقة بموجبها كل التحقيق اياه عن بيبي تورز ثبت بانه غير صحيح، بيبي نقي كالثلج.

إذن هذا هو، هذا غير صحيح. هذه الوقاحة اجبرت المراقب على أن ينشر ايضاحا مرة اخرى ليقول انه لم ينظف احدا وان الفحص مستمر. على أي حال فقد اصبح الرفاق في صوت اسرائيل بوقا للسلطة.

نتنياهو، الذي درج على ان يكرر لرجاله بانه عندما سيعود ستكون له وسيلة اعلام، ببساطة ينفذ ما وعد به. فليس لديه وسيلة اعلام فقط بل وليس للاخرين مثل هذه الوسيلة. التغيير الحقيقي يمكن أن نلاحظه كل يوم. اجزاء كبيرة من وسائل الاعلام تبذل جهودا أكبر في التشهير بالمعارضة مما في انتقاد السلطة. بيبي نفسه نجح في السيطرة على اجزاء من النيابة العامة، اجزاء واسعة من وسائل الاعلام، وانامة الاخرين. نحن ندخل في فترة سوداء، واشك أن نخرج منها ايضا.