خبر في رفح الشقاقي... كلمة السر « أم رضوان » .. ثابت العمور

الساعة 11:31 ص|04 نوفمبر 2011

في رفح الشقاقي... كلمة السر "أم رضوان" .. ثابت العمور

مضى اكتوبرالدم ممهورا بملاحم الجهاد، وكالعادة اختصت رفح بالملحمة، وهي المدينة التي مهما ضاقت بها السبل لا تتسع لها كتب التاريخ وخرائط الجغرافيا ولا مفردات اللغة، ولا يمكن اختصار المدينة بالكلمات وهي التي فاقت أفعالها حد الوصف، فهي ممتدة من البداية لتصل الحكاية بالحكاية والمعركة بالمعركة والدم بالدم والسيف بالسيف من تل السلطان حتى مالطا،ومن الشابورة حتى الناقورة شلال الدم لم يتوقف ولن يتوقف وقد اختارت المدينة منهجها ونهجها واختصت به من سكنوها واحتضنتهم واحتضنوها.

 

مضى الفارس منطلقا من رفح وترجل عن صهوة جواده في مالطا وعينه ترقب رفح، وللحديث عن الشقاقي الفارس مذاق خاص لأنك تتحدث عن التاريخ وعن الفعل وعن الفكرة وعن المركزية وعن ربط الواقع بالممكن والمتاح، وخارج اطار العادة والمعهود لأن اتحدث عن الشقاقي بالصورة أو الطريقة التقليدية لأقول كان الشقاقي لأن الرجل مضى جسدا ولكنه باقي كفكرة وكمنهج ولكن لأقول هاهو الشقاقي باقي بيننا يستبق فينا السبق ويحدد معالم المرحلة ويوضح محددات المعركة ويسجل حيثيات الملحمة، من حيث أردت أو شئت أبدأ ستجد بصمة الشقاقي في الهوية وفي القضية وفي المعارضة وفي المقاومة وفي الشعر وفي الأدب وفي السياسة وأعجب لغياب رد الجميل للرجل فمنذ عقد ونصف لم يبحث فكر الرجل إلا في رسالة دكتوراه واحدة، ومؤتمر واحد، وسيرة أعمال واحدة، والواقع المر يقول وبكل موضوعية بأن سيرة الرجل ومسيرته تحتاج بأن يكتب عنها كتابات أو قل إن شئت موسوعات.

 

لا تحيز ولا تميز ولكنه الواقع، وأعجب لعملية الاغتيال المنظمة لفكر الرجل ولنكون موضوعيين، نقول هناك اغتيال ممنهج ومركب لسيرة كل الرموز والابطال والشرفاء في التاريخ الفلسطيني، لا أدري ما الدافع للإشارة لذلك فأنا عندما شرعت في الكتابة لم يكن هذا الموضوع في رأسي بعد، ولكن كم كتاب كتب عن عمالقة فلسطين، كم محاضرة مقررة في منهاج فلسطين في المدارس وفي الجامعات،لنخرج معا ونسأل خريجي جامعاتنا عن القادة التاريخيين الذين مرت القضية الفلسطينية عبر أجسادهم حينها سنعلم بأن الاغتيال لا زال مستمرا. وأنا لا املك هنا الحديث عن الشقاقي لأن الايجاز والاختصار فيه ظلم سيقع على الرجل وأنا أخشى الاقتراب من هذه المساحات، فلم يسبق لي أك كتبت عن الشقاقي أقل من ثلاثة ألاف كلمة كمدخل لقضية ما عرج عليها الرجل، وسأحيل الكلمة عن الشقاقي لرفح وتحديدا لكلمة السر فيها أم رضوان، فالثلاثة صورة واحدة ولا تكون الملحمة برائحة الدم المعطر بالمسك إلا نتيجة التقاء الشقاقي بأم رضوان على أرض رفح.

 

سامحينا يأم أم الرضوان فنحن رجال عجزة، كنا نعتقد بأن حد الكلمة قد يغني عن حد السيف، لا أعلم كيف التقى اكتوبر بالشقاقي بالدم المسفوح في رفح مع سيرة الخنساء التي تنكرت لكل التضحيات ولم تلتقطها اذاعات البث إلا عند الشهيد الخامس، نحن لا نعتذر فأمامكي لا نستطيع الوقوف ولا الحديث ولا شيء لأننا أمامكي لا شيء كنا من كنا وأينما كنا، ولكن علمينا كيف نخلع رداء الجبن عنا، أرينا الطريق فقد أضعناه، خذي بيدنا نحوا هذا القلب وصوب هذا العطاء الذي لا ينضب، يا أم الرضوان رضوان الله عليكي سامحينا، تهرب الكلمات ولا املك الامساك بها، ذهبت الفكرة وتزاحمت أمامي المشاهد، بالله عليكي كيف الوداع الأول والثاني والثالث والرابع والخامس،كيف ننظر اليكي وهل نملك النظر اليكي هل يملك رجال هذا الزمان الوقوف بين يديكي، من أي طين أنت ومن أي ماء ارتويت من أي مدرسة، وأي معادلة توازن يمكننا أن ننظر لها أو نتحدث عنها، وأنتي المعادلة المنفردة في الزمان والمكان.

 

أقدرا أن تكوني من رفح، أقدرا أن تكوني من مدرسة الشقاقي الجهادية، أقدرا أن يكون الوداع في شهر الدم، ربما، أقدرا أن تكوني أم رضوان دليل الرضى والإيمان، أقدرا أن تزفي للحور "محمد، وشرف، وأشرف، ومحمود، وأحمد "، أقدرا كانت هذه الأسماء وتلك السمات والصفات، أقدرا أن يكون الرضوان ملازما للحمد لنصل لشرف ما بعده شرف، عذرا أم رضوان ومثلنا لا يقبل عذره، لا موت للشهداء فينا، ولا عزاء لحالنا ومآلنا،يكفينا أن ندون أمامنا كلمة السر في هذا الزمن كلما ضاقت بنا الدنيا وحالت دوننا السبل فلنستدعي أم الرضوان، لا نحتاج لصورايخ توازن الرعب او الردع، ولا حاجة بنا لمعرفة تفاصيل الملحمة فقط لنستحضر أم رضوان الشيخ خليل، وقد باتت هي المعادلة وهي التوازن وهي سلاح الردع الذي لا يقاوم، لا أعلم كيف يقرأ الناس هذه السيرة؟، ولا أعلم إن كان في الأرض من يفهم ومن يعلم بحكاية أم الرضوان.

 

اعترف بأني إن كنت عجزت عن الكتابة عن الشقاقي طوال شهر الدم، فإني سأعجز بقية عمري بأن أكتب عن أم الرضوان، فنحن أمام ظاهرة ومعادلة وملحمة تتجاوز الكلمات تتجاوز حدود تفكيرنا تتجاوز حدود الممكن والمتاح، قد يكتب المرء منا عن حكاية قائد أو شهيد أو معركة أو حادثة، ولكن لا أملك ولا أجرئ الحديث عن أم قدمت خمسة شهداء، لأنني لم أقرأ ولم أسمع أحدا سبقها لذلك، عذرا واعتذار يا أم الشهداء يا كلمة السر لفلسطين كل فلسطين، لا املك قلما ولا كلمة قد تجزيكي عنا بعضا من عجزنا، فهذا الفخر وهذا العطاء وهذه السيرة لا نملك الاقتارب منها إلا بالحد الذي تملكه نفوسنا وأمامكي لا تمتلك نفوسنا شيئا لأننا ولو مضينا في ذات الطريق فإن التاريخ والزمان والمكان قد تجاوزنا.

 

كلمة اختتم بها لأقول، لا أقل من أن تدرس سيرة أم الرضوان في مدارس الجهاد والاستشهاد، ولا أقل من أن تكون سيدة فلسطين الأولى، كفا اغتيالا للشهداء وللاحياء فينا، كفاكم يا أولي الأمر، تزويرا في كتب التاريخ وخرائط الجغرافيا، كفا عبثا بعقول الأجيال، إن أقل ما يمكن أن تدون سيرة هؤلاء في سجلات الدفتر لتكون الدرس الأول صوب فلسطين صوب الحق صوب القضية لا صوب مطالب دنيوية، إن أم الرضوان أحدثت ثورة في الفكر وفي الممارسة،وإن لم تلتقط خيوطها فسلام الله على الثورة،أم الرضوان يا طلقة في زمن الردة يا صرخة في زمن الهدنة، ياعطاء لا ينضب في زمن الأخذ، يا تضحية في زمن الجبناء، يا مقدامة في زمن تراجع فيه الرجال ورجعوا خطوات المنصب والكرسي، يامعادلة في زمن الربح والخسارة، يا ملحمة في زمن التسوية، يا صمت ملأ الكون في زمن الكلام، يا نصرا في زمن الهزيمة،يا قمرا في زمن الظلمة، سلام عليكي ورضوان يا أم الرضوان، وسلام عليك يا شقاقي وهنيئا لك وصول الفرسان الذين مضوا صوب كلمة السر.