خبر يكفي غموضا- هآرتس

الساعة 10:43 ص|04 نوفمبر 2011

يكفي غموضا- هآرتس

بقلم: زئيف شترنهل

ان مظاهرات خروج السبت الماضي لم تدل قط على خفوت الاحتجاج الاجتماعي: فبالنسبة للظروف التي وجدت قبل اسبوع وفيها اطلاق الصواريخ على الجنوب، كان الحضور مدهشا لا في تل ابيب فحسب. مع ذلك لا شك في ان الاحتجاج قد بلغ الى نقطة تحول وعليه ان يبت أمر هويته وأهدافه. وقبل كل شيء يجب على المجتمعين في الميادين ان يبتوا أهم في الحقيقة حركة أم مجموعة أفراد لهم دعاوى من أنواع مختلفة موجهة على المؤسسة الاقتصادية، لكن لا على النظام الاجتماعي في ذاته.

اجل، ان المحتجين يعوزهم الى الآن عنصر أساسي ذو أهمية عليا وهو وحدة الهدف، فيهم من يكتفون بقرض سكني رخيص، وتعليم بالمجان من سن الثالثة وتجميد رسوم الدراسة، وفيهم من يطلبون في الحقيقة وبصدق السعي الى مجتمع يتحمل المسؤولية عن تحقيق حقوق كل فرد في الرفاه. اجل، ان الحق في المساواة الاجتماعية لا يقل عن الحق في المساواة أمام القانون، والتحرر من الفقر والفساد لا يقل عن الحق في الحكم الذاتي.

هذا هو التوجه الاشتراكي الديمقراطي الذي تم تحقيقه في اوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، لا على أيدي الاشتراكيين وحدهم أو على التخصيص. كان رافعو رايته ليبراليين ايضا أدركوا ان العالم القديم انهار وأنه في موازاة بناء اوروبا مختلفة ينبغي تبني شكل آخر من العلاقات الاجتماعية. وبغير وعي كهذا لا يمكن تحقيق تغيير حقيقي، وقد بلغ الاحتجاج الاسرائيلي في الحقيقة الى نقطة يجب فيها على ناسه ان يقدموا لأنفسهم كشف حساب: هل يريدون وهل هم قادرون على النضال من اجل توزيع آخر للثروة العامة؟ وبعبارة اخرى: هل هم مستعدون للخروج في نضال لا هوادة فيه لليبرالية الجديدة أم يكتفون باصلاحات هامشية؟ اجل، ان تجنيد الموارد الوطنية من اجل اصلاح الاختلالات الاجتماعية والسعي الى مساواة أكبر قدر المستطاع يمس لب الطريقة الاقتصادية – الاجتماعية السائدة، ولهذا فان النضال بالضرورة سياسي ويقتضي وسائل سياسية.

طلب رؤساء الاحتجاج حتى الآن التمسك بغموض يتعلق بأهداف النضال، بيد ان هذه الطريقة استنفدت نفسها. وقد أدرك بنيامين نتنياهو هذا جيدا ولم يعد القاعدون في الخيام يخيفونه. بل انه لا يُجهد نفسه بالتذكير بوجودهم من فوق منصة الكنيست. وهو يعلم ان المتظاهرين يخشون ان يثوروا على الحكومة علنا لأن معنى هذا اعلان حرب على سلطة اليمين، وهو موقف حاول قادتهم حتى الآن الامتناع عنه بكل ثمن تقريبا. وهو يعلم ايضا ان حركة شعبية عفوية غير منظمة، لا تتسلح سريعا بوسائل سياسية تهدد السلطة، تنتهي الى التهاوي والتضاؤل والفساد.

هذا ما حدث لحركة الاحتجاج الاوروبية في الستينيات وهو ما حدث لحركة "سلام الآن" التي قضى قادتها عليها بأيديهم حينما فضلوا محاولة التوصل الى الكنيست بتسلل أفراد بدل بناء قوة تتحمل مسؤولية حزب. وكان الشعار: التمسك بالمركز وعدم تقسيم المعسكر، وقد غدا واضحا اليوم ان حركة تحصر عنايتها في وجه واحد فقط من الواقع المعقد لا تبسط جناحيها. وفي كل مجتمع ولا سيما المجتمع الاسرائيلي – الذي يواجه في كل يوم مشكلات وجودية مثل الاستعمار الاستيطاني – لا تستطيع قوة جماهيرية كبيرة الاكتفاء بأن تشغل نفسها بنضال فئوي وان تأمل في الآن نفسه نجاحا يتجاوز جمع الفتات.

القرار صعب لأن قناع عدم التسييس عظيم السحر وشديد الراحة. لكن هذا في المستوى الوطني وصفة فشل ايضا. فالنضال في الديمقراطية هو بين قوى سياسية منظمة، والنجاح يهش فقط لمن يتجرأ على القفز في الماء البارد.