خبر تونس : انتخابات المجلس التأسيس وصعود النهضة .. علي بدوان

الساعة 08:12 ص|02 نوفمبر 2011

تونس : انتخابات المجلس التأسيس وصعود النهضة .. علي بدوان

فتحت الثورة التونسية فجراً جديداً من تاريخ التغيير المعاصر في العالم العربي، ووضعت اللبنة الأولى للسير نحو طريق التغيير والديمقراطية، وإرساء عالم التعددية السياسية والفكرية في بلاد غلب عليها طابع الاستبداد منذ سنوات الاستقلال الأولى لمعظم البلدان العربية مع بدايات النصف الثاني من القرن الماضي.

بين الربيع والخريف

ومع تلك التباشير والروح المفعمة بالأمل والتي أطلقت شراراتها الأولى الثورة التونسية من بلدة سيدي بوزيد، إلا أن المخاض نحو الديمقراطية والتعددية في عالمنا العربي مازال مخاضاً عسيراً وأليماً ومحفوفاً بالمخاطر الجمة، في ظل عملية الخلط الجارية في المنطقة، وفي ظل التشابكات والتداخلات الدولية التي بدأت تدس وبقوة، أصابعها في مسار تلك التحولات في بعض البلدان العربية في محاولة لركوب موجة النهوض الجماهيري العربي وإحلال معادلة جديدة، حتى كاد (الربيع العربي) في بعض بلداننا أن يتحول إلى خريف الغضب على مستقبل العرب وعلى مستقبل الشعارات الوطنية وشعارات التغيير التي رفعها الناس الطيبون والمخلصون من كل الوطنيين في الشوارع على امتداد أكثر من قطر عربي.

وبالطبع، فان الكلام الوارد أعلاه، لا يعني البتة بأننا في حال تشاؤم أو في الموقف المشكك بحركة الشارع والناس وبالأهداف المشروعة التي تم رفعها، بل يعني ضرورة التمييز بين ربيع عربي حقيقي فتحت أبوابه الثورة التونسية وتوج بالانتخابات النزيهة التي جرت مؤخراً في تونس، وبين محاولات الارتداد على هذا الربيع وتحويل مساره باتجاه آخر تسود فيه الغوغائية الداخلية والتدخلات الخارجية، وما تسببه من فوضى ودمار داخلي، تعيث بالانجازات وتحول ربيعها المنتظر إلى خريف عاصف والى صراعات بين مكونات المجتمع الواحد (مثالنا ليبيا في هذا الصدد، حيث الطريقة البربرية التي صفى فيها القذافي بعملية فتك علنية وفي وضح النهار، ومنها إعدام أكثر من خمسين من رجال القذافي بعد أن أُسروا وقيدوا، يشكل مؤشراً قوياً لما ذهبنا إليه). بل وينبغي القول إنه باستثناء تونس أولا، ومصر نسبياً، التي نجح الشارع فيهما في أن يدفع بقواه الذاتية الرئيس المخلوع بن علي إلى الهرب خارج، ومبارك على التنحي، فان كل الاطاحات والإعدامات الأخيرة تمت بمعونة عسكرية نشطة أو على الأقل كنتيجة ضغط شديد من الولايات المتحدة والدول الغربية (وهي ليست جمعية خيرية أو جمعية للبر والإحسان) وهو أمر يجعل من الحراكات الشعبية مشوبة بلغة الاستعمال والاستخدام الخارجي.

وانطلاقاً من ذلك، تنبع ضرورة التمييز بين الغث والثمين في مسار الربيع العربي. حيث يمكن القول بأن ما شهدته تونس من مفاجآت في الانتخابات العامة التي اتسمت بالنزاهة، وبما حققته من نتائج ايجابية لصالح عموم الشعب التونسي، وبروز حركة النهضة الإسلامية وتمكنها من الفوز بأغلبية المقاعد في انتخابات المجلس التأسيسي ومعها مجموعة من الأحزاب من مختلف التلاوين والمدارس الفكرية والتي كانت بمعظمها محظورة من العمل، يؤكد بأن مسار الأمور في تونس يسير بالاتجاه الصحيح في ربيع عربي حقيقي.

فقد شكّلت انتخابات المجلس الوطني التأسيسي في تونس (البرلمان) نقلة نوعية كبرى في مسار الثورة التونسية، لجهة النزاهة العالية التي اصطبغت بها، ولجهة المشاركة الشعبية الواسعة والمتميزة، إضافة لنتائجها المذهلة، والتي اكتسح فيها حزب حركة النهضة الاسلامية (المحظور سابقاً) الساحة السياسية التونسية محققاً حضوره المتميز عبر فوزه بتسعين مقعداً، تعادل مانسبته (41,47%) من مقاعد المجلس الوطني التأسيسي، الذي سيتولى صياغة دستور جديد للبلاد تجري على أساسه في وقت لاحق انتخابات رئاسية وتشريعية شاملة كما هو مقرر، كما سيشكل حكومة تدير شؤون البلاد خلال هذه المرحلة الانتقالية ستكون رئاستها على الأرجح من نصيب حزب حركة النهضة التونسية التي حازت بأغلبية برلمانية، وقد يكون الأمين لحزب الحركة حمدي الجبالي هو من سيتولى تشكيلها كما تشير معظم المعطيات المتوفرة حتى الآن.

التعددية وانحيازات الناس

إن حزب حركة النهضة الإسلامية بات الآن يمتلك تسعين مقعداً من أصل (217) مقعدا من أصل مقاعد المجلس الوطني التأسيسي، ليتحول هذا الحزب (أو الحركة) بين ليلة وضحاها من حزب وحركة محظورة وملاحقة إبان العهد الماضي إلى قوة أساسية في المشهد السياسي التونسي.

وبعيداً عن التقييم المنطلق من الانحياز الفكري الأيديولوجي أو السياسي لهذا الحزب أو ذاك، فان الفوز الساحق لحزب حركة النهضة الإسلامية، يحمل في طياته مدلالوت قاطعة، وعلى رأسها أن الشعب التونسي لم يكن بعيداً عن تراثه وانتمائه الوطني والقومي والإسلامي بالرغم من عقود التغريب والإبعاد الطويلة التي حاول من خلالها الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبه ومن بعده الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي وضع تونس على سكة مسارها، لذلك جائت نتائج الانتخابات مشدودة باتجاه انتماء الشعب التونسي، كما جاءت ملونة فكرياً وسياسياً من حيث فوز العديد من الكتل ذات التوجهات الأيديولوجية المختلفة، وهو ما يعني بالضبط أن روح التعددية والديمقراطية والتنوع قد فرضت نفسها عبر نتائج الانتخابات، وهو مايشير بشكل قاطع على خيارات الناس في الشارع التونسي، وانحيازاتها.

فقد فاز حزب حركة النهضة الإسلامية بنسبة تقارب (41,47%) من مقاعد المجلس التأسيسي، وحل حزب المؤتمر من أجل الجمهورية (وهو حزب يسار قومي الاتجاه) بزعامة المنصف المرزوقي ثانياً وحصل على (30) مقعداً أي مايعادل نسبة (13,82%) من مقاعد المجلس التأسيسي (وكان هو الآخر تجمعاً محظوراً وزعيمه في المنفى)، وجاء حزب التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات (ذو الاتجاه اليساري) بزعامة مصطفى بن جعفر ثالثاً بـ (21) مقعداً أي مايعادل نسبة (9,68 %) من عضوية المجلس، بينما حصدت قوائم (العريضة الشعبية) بزعامة الهاشمي الحامدي (19) مقعداً أي مانسبته (8,76%) وحلت بالتالي في المكان الرابع (اعلن الهاشمي الحامدي سحب قوائم العريضة الشعبية التي فازت عقب إلغاء الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بعض المراكز في ست دوائر انتخابية بسبب مخالفات تم تسجيلها)، وحل الحزب الديمقراطي التقدمي بزعامة نجيب الشابي في المرتبة الخامسة عبر فوزه بـ (17) مقعداً أي بنسبة (7,83%)، ثم القطب الديمقراطي الحداثي (وهو تحالف يساري)، وحزب المبادرة بزعامة آخر وزير الخارجية الأسبق كمال مرجان، حيث فاز كل منهما بخمسة مقاعد. ولم تحصل قوائم أقصى اليسار المدعومة من حزب العمال الشيوعي التونسي إلا على ثلاثة مقاعد.

في هذا السياق، فان المتخوفين أو القلقين من فوز الإسلاميين في الانتخابات في تونس، يبالغون في قلقهم، فحزب حركة النهضة الاسلامية الذي كان ناشطوه قد قمعوا بشدة في عهد نظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، والذي حصل على تأشيرة العمل القانوني بعد انتصار الثورة التونسية التي أطاحت به، يتبنى خطاباً فكرياً وسياسياً إسلاميا يتسم بالاعتدال والمرونة والانفتاح والوسطية، ويتبنى المنهج الإسلامي البعيد عن التزمت والمشبع بروح المساواة والعدالة، وقد انطلق منذ سنوات تأسيسه الأولى عام 1980 حين كان يحمل اسم حركة «الاتجاه الإسلامي» ساعياً للحصول على الاعتراف الرسمي من النظام التونسي الذي رفض أن يمنحه الشرعية وبدأ حملة ممنهجة لوأده والتنكيل بقادته واعتقالهم مما أدى إلى هروب العشرات منهم إلى المنافي بمن فيهم المؤسس الشيخ راشد الغنوشي.

فالاعتدال والوسطية، سمة ميزت على الدوام حزب حركة النهضة الإسلامية في تونس، وساعد على ذلك شخصية القيادي المؤسس الشيخ راشد الغنوشي الموصوف بالانفتاح على الآخر وبتقبل الحوار والاختلاف في الرأي (كان الشيخ راشد الغنوشي ممنوعاً من دخول معظم الأقطار العربية بسبب قرار دائم لمجلس وزراء الداخلية العرب بناء على طلب الداخلية التونسية هو عضو مؤسس في المؤتمر القومي/الإسلامي، كما أنه عضو بارز في المؤتمر القومي العربي).

وبالفعل فقد سعت حركة النهضة فور إعلان النتائج الأولية للانتخابات إلى طمأنة العلمانيين في عموم تونس، والمستثمرين الذين بدا بعضهم وكأنه يشعر بالقلق بشأن تولي حزب حركة النهضة للسلطة في بلد يوصف بأنه من أكثر البلدان العربية ليبرالية وانفتاحاً على الغرب. بل وأعلنت حركة النهضة نيتها على العمل من اجل دعم تأسيس وقيام قيام تحالف وائتلاف وطني واسع في تونس مع كل القوى السياسية التي عارضت الرئيس المخلوع بن علي دون إقصاء أو استثناء لأحد.

وأكثر من ذلك فان المعلومات تشير لإمكانية تزكية حزب حركة النهضة لثلاثة أسماء يتم تداولها لمنصب الرئيس وهم مصطفى بن جعفر زعيم التكتل من أجل العمل والحريات، ومنصف المرزوقي زعيم المؤتمر من أجل الجمهورية، وأحمد المستيري المعارض التاريخي لبورقيبة وعضو المجلس التأسيسي لعام 1956م.

إن نتائج الانتخابات للمجلس الوطني في تونس، وبروز روح التعددية الفكرية والسياسية، تشكّل خطوة هامة في نجاح الشعب التونسي على تحقيق نقلة نوعية في مسار ثورته التي أطاحت بالنظام السابق.

وفي هذا المجال، فلا داعي للقلق من قبل أصحاب التيارات السياسية والفكرية ذات اللون الآخر، الذين بدأت الوساوس تنتابهم جراء صعود حزب حركة النهضة.