خبر ربيع عربي. شتاء غربي- معاريف

الساعة 01:20 م|28 أكتوبر 2011

ربيع عربي. شتاء غربي- معاريف

بقلم: عوديد غرانوت

بعد تسعة اشهر من نثرها في الارض التونسية، نبتت هذا الاسبوع بذور الربيع العربي الاولى. الاف المراقبين الاجانب، الذين جاءوا لمراقبة الانتخابات الحرة الاولى في هذه الدولة، ذابوا من الراحة. نحو 90 في المائة من اصوات حق الاقتراع انتظروا بصبر في الطوابير الطويلة امام صناديق الاقتراع كي يحققوا حقهم في التصويت. معدل التصويت مذهل، ليس فقط بالقياس الى 10 حتى 15 في المائة من التصويت الذي ميز 23 سنة من الحكم الفردي للرئيس الفار زين العابدين بن علي. في حالات قليلة فقط طرحت ادعاءات بالتزوير.

أمران أثقلا على الانفعال لاحتفال الديمقراطية الاول في العالم العربي بعد انهيار النظام القديم. الاول، المكان الاول في الانتخابات للجمعية التأسيسية، تلك التي ستصيغ الدستور وتعد للانتخابات البرلمانية والرئاسية، احتله، وعلى مسافة واضحة من خصومه – الحزب الاسلامي، النهضة، الموازي للاخوان المسلمين في مصر. النهضة الذي يعتبر حزبا اسلاميا معتدلا، وان كان وعد التونسيين بان ليس في نيته تطبيق حكم الشريعة في تونس العلمانية، الا ان الكثيرين جدا قلقون من علاقات الحزب مع الحركة الاسلامية المتطرفة، الحركة السلفية.

العامل الاخر الذي يعطل الفرحة: ماذا سيحصل في تونس بسبب مكانها الجغرافي الهامشي نسبيا وان لم يكن سيحسم مصير الربيع العربي، الا ان انتصار الاسلاميين هناك من شأنه بالتأكيد ان يشير الى الاتجاه العام.

وبالفعل، فان مصر، وليس تونس، هي التي ستقرر الى ان سيسير الربيع العربي وكيف سينتهي. المحزن في هذه القصة هو انهم في مصر ايضا سيحاول الاخوان المسلمون ان يحققوا النصر في الانتخابات للبرلمان المخطط لها في نهاية الشهر القادم.

بل والاكثر اثارة للحزن هو ان في مصر ايضا، مثلما في تونس، يتجول الان في الشوارع دون خوف، رجال الحركة السلفية المتطرفة الذين قمعهم مبارك وبن علي. بل انهم يفكرون بجدية في التنافس في الانتخابات القادمة.

بذرة اخرى من بذور الربيع العربي نبتت هذا الاسبوع في ليبيا ايضا. وهناك خلافا لتونس، لا يوجد حتى سببا طفيفا للانفعال. من بنغازي خرج اعلان احتفالي عن اقامة ليبيا الجديدة وعزف النشيد الوطني، ولكن الطريقة البربرية التي صفى فيها فرسان النظام الجديد، حملة شعلة الديمقراطية والتغيير، القذافي بعملية فتك علنية وفي وضح النهار، تطرح افكارا لاذعة عن طريق الربيع الليبي.

في العراق ايضا لم تكن احتفالات لسماع البيان الذي خرج من البيت الابيض عن اخلاء القوات الامريكية من الدولة حتى نهاية السنة. بل العكس، هنا وهناك ظهرت الفوضى الحقيقية في تصريحات كبار رجالات الحكم العراقي عن فرص العراق الجديد غير المؤكدة للوقوف على قدميه امام التآمر الايراني وغيره، ودون التواجد المكثف للجيش الامريكي.

مع مساعدة من الاصدقاء

ينبغي ان نقول باستقامة: الانجاز الاساس حتى الان لثورات الربيع العربي هو الابعاد عن الحكم اولئك الذين وقفوا على راسه واداروا دولهم بيد من حديد على مدى فترة طويلة. اكثر منذ لم يتحقق الكثير حتى الان.

بل وينبغي القول ايضا بانه باستثناء تونس، التي نجح الشارع فيها في أن يدفع بقواه الذاتية بن علي الى الهرب خارج الدولة – فان كل الاطاحات والاعدامات الاخيرة تمت بمعونة عسكرية نشطة او على الاقل كنتيجة ضغط شديد من الدول الغربية. الشيعة والاكراد، الذين تمردوا غير مرة على صدام ما كانوا ليحظون بالتحرر من قبضته دون اجتاح عسكري امريكي. المتمردون في ليبيا ما كانوا لينجحون في التغلب على القوات النظامية ومرتزقة القذافي لولا هرع الناتو الى مساعدتهم بل وجلب رأس القذافي على طبق. ومبارك ما كان ليصل مستلقيا على نقالة الى قفص الاتهام في كلية الشرطة في القاهرة لو لم تمارس واشنطن ضغطا جسديا غير معتدل على الجنرال طنطاوي وقادة الجيش المصري كي يبعد فورا ودون ابطاء الرئيس من القصر الرئاسي الى شرم الشيخ واجباره على الاستقالة. أتذكرون الناطق بلسان البيت الابيض: "الان يعني الان!!!".

وبدلا من التشكيك بصدق نوايا الغرب في تدخله المكثف الى جانب المعارضة في دول الربيع العربي – الرغبة في استبدال الدكتاتورية بالديمقراطية. نظام الطغيان والحكم الفردي بنظام الشفافية ونظافة اليدين، نظام يقمع حرية التعبير بنظام يحترم حقوق الانسان والعدالة الاجتماعية – بدلا من ذلك، يمكن أن نعرض سؤالين فقط:

الاول، هل في اختبار النتيجة هذا التدخل كان مبررا حقا؟ هل مصر، ليبيا والعراق وتلك التي ستأتي في اعقابها بالفعل تتحرك الان في الطريق الى ديمقراطية حقيقية؟ أم ربما بالذات في اتجاه حكم اسلامي، حكم شريعة او كبديل: حكم فردي، لن يكون مختلفا كثيرا عن سابقه.

والاخر، هل هذا التدخل، الى جانب المعارضة، هو ضمانة على أن يصبح الرأي العام في هذه الدول أكثر عطفا على الولايات المتحدة وقيم الثقافة الغربية؟ اذا كان الجواب سلبيا، فان الربيع العربي من شأنه أن يظهر في نهاية اليوم كسحابة قاتمة لشتاء غربي.

الخيار الاسرائيلي

المفكر المصري، د. حسن نافع، يرسم ثلاثة سيناريوهات محتملة لتطور الربيع العربي:

السيناريو المتفائل هو السيناريو الديمقراطي: ستقوم انظمة عربية ديمقراطية، ذات مؤسسات حكم نشطة وغير فاسدة، والربط بين هذه الانظمة سيحث النمو الاقتصادي في العالم العربي.

السيناريو المتشائم يتوقع نشوء وضع من الفوضى السلطوية. صراعات بين القبائل، بين الطوائف والاديان وبين المسلمين والعلمانيين تؤدي الى انشقاق بل وتقسيم دول كبرى الى دول أصغر. ويكتب نافع يقول ان "هذا السيناريو الذي لن تتمكن حتى المساعدة من الخارج من اقناع الخصوم بتفضيل المصلحة الوطنية على المصلحة الفئوية الضيقة هو السيناريو المرغوب جدا لاسرائيل".

والسيناريو الاخير، شبه المتشائم: قيام ديمقراطية عليلة وغير كاملة، او قيام نظام مشابه لذاك الذي اسقط، في مصر مثلا، نظام يحظى بمساعدة ومعونة من الغرب كي يحافظ على مصالحه.

د. نافع مخطيء في قوله ان لاسرائيل مصلحة في فوضى شرق اوسطية، ولكنه محق في فرضية ان الديمقراطيات العربية، اذا ما وعندما ستقوم على خرائب الانظمة القديمة، لن تكون بالضرورة اكثر عطفا على اسرائيل واكثر استعدادا على التعاون معها. الرأي العام في العالم العربي يميل، كما هو معروف ضد اسرائيل، ولا سيما في ضوء تواصل النزاع الاسرائيلي – الفلسطيني، والسلام، كما يجدر بالذكر، فرض على الشعوب العربية على ايدي الحكام الذين يوجدون الان في قفص الاتهام.