خبر تحية سلام- معاريف

الساعة 01:15 م|28 أكتوبر 2011

تحية سلام- معاريف

بقلم: بن كاسبيت

أحد الوثائق التاريخية الاكثر تشويقا المتعلقة بمنطقتنا هي الفصل ذو الصلة في كتاب كونداليزا رايس الجديد، وزيرة الخارجية الامريكية في عهد بوش. وهذه شهادة مصداقة وطليقة اللسان، من داخل الغرفة، من قدس أقداس المسيرة السياسية السرية والدراماتيكية التي دارت في حينه بين القدس ورام الله (نعم، كانت ايضا ايام كهذه ذات مرة).

هذا الاسبوع نشر الفصل في موقع "ديلي بست" على الانترنت. وهو واجب القراءة. وها هي الخلاصة: في شهر ايار، كما تروي رايس، جئت مرة اخرى الى القدس، وهذه المرة طلب رئيس الوزراء اولمرت لقائي دون المستشارين بل ثنائيا، فقط أنا وهو. وجبة عشاء في منزل رئيس الوزراء. عندما وصلت، لم يضيع أولمرت الوقت على المجاملات. فقد قال: "تسيبي لفني نشيطة. ولكن المسيرة بينها وبين ابو علاء تتقدم ببطء شديد، وأعتقد أن على اسرائيل والفلسطينيين أن يتوصلوا الى اتفاق سلام قبل أن ينهي الرئيس بوش ولايته". وواصل اولمرت: انتِ ستلتقين غدا مع ابو مازن، أقنعيه بالانتقال الى المفاوضات المباشرة معي. فقط أنا وهو، ثنائيا. فليعين أحدا ما عنه، يثق به، وأنا اعين أحد ما عني. عندي منذ الان مرشح، قاضي كبير سابق (التقدير هو أن اولمرت اراد تعيين رئيس المحكمة العليا المتقاعد أهرون باراك). يمكننا أن نصيغ التسوية في عدة صفحات، ونعطيها بعد ذلك للطواقم ليصيغوا الصياغات النهائية.

كونداليزا تكتب أنه في هذه المرحلة حاولت أن تسأل اولمرت ماذا عن المفاوضات التي تديرها تسيبي لفني، وتقول انه يبدو لها غريبا الا تكون لفني مشاركة في الخطوة، اولمرت في واقع الامر يعمل مع الامريكيين حيال ابو مازن، من خلف ظهر وزيرة خارجيته. ولكن كونداليزا لم تنجح في أن تسأل لان اولمرت كان  في ذروة عرضه لفكرته. لم يكن ممكنا وقف تواصل حديثه. واصل يقول: اعرف ما يحتاجه ابو مازن. يحتاج شيئا ما عن اللاجئين وشيئا ما في القدس، وأنا سأعطيه. في القدس، المدينة الغربية ستكون عاصمة اسرائيل والشرقية عاصمة فلسطين. رئيس البلدية واعضاء المجلس البلدي ينتخبهم السكان في الشطرين، وهذا يعني أنه سيكون رئيس بلدية يهودي ونائبه سيكون فلسطينيا. اسرائيل ستبقى المسؤولة عن الامن بما في ذلك في الاماكن المقدسة. نحن فقط يمكننا أن نضمن حق الوصول الحر اليها.

هذا التواصل، لاقوال اولمرت، ينقطع في الكتاب بالافكار التي تمر على رأس وزيرة الخارجية الامريكية. هي، من حيث المبدأ، تكاد تسقط عن كرسيها. وهي تفهم بانها تسمع رفيف جناحي التاريخ. "ركزي، ركزي"، تقول لنفسها، وتتردد اذا كان ينبغي أن تسجل اقوال رئيس الوزراء أم لا خشية أن تتسرب. واولمرت يواصل: في موضوع اللاجئين، اوافق على قبول كمية معينة، لنفترض، 5 الاف الى داخل اسرائيل، ولكن لن اوافق على أن اسمي هذا جمع شمل العائلات، لديهم الكثير جدا من ابناء العمومة هناك، ولن تكون لنا سيطرة على هذا. في موضوع ادارة البلدة القديمة، اضاف اولمرت، سنقيم مجلسا تمثيليا، ليس موظفين بل اناسا حكماء، من شيوخ الطائفة، يأتون من اسرائيل، الولايات المتحدة، السعودية، الاردن والفلسطينيين، وهذا المجلس يدير المكان، ليس على المستوى السياسي، بل العملي والثقافي.

ومرة اخرى، تسأل كونداليزا رايس نفسها: "هل أنا حقا أسمع هذه الاقوال؟ هل رئيس وزراء اسرائيل يعرض عليّ الان تقسيم القدس وتعيين مجلس دولي لادارة البلدة القديمة؟". نعم، سمعت، نعم، هو عرض. وواصل. في موضوع الترتيبات الامنية، لديك قائمة من الجيش الاسرائيلي، بعضها سيكون مقبولا من الفلسطينيين. بعضها لا. لاقرار هذا الاتفاق، أحتاج الى مساعدتكم، الى أن تعملوا معي، بحيث يكون الطرفان راضيين. ايهود باراك سيعمل معكم. لا يوجد رئيس وزراء يمكن أن ينجو من قول من الجيش بان التسوية تعرض أمن الدولة الى الخطر. وطلب اولمرت من رايس الا تفاجئه الولايات المتحدة بافكار جديدة. أنا جدي، قال لها، انا آخذ على عاتقي هنا مخاطرة هائلة، وأحتاج لامريكا. وتصف رايس كيف أن اولمرت، الذي كان يميل نحوها على مدى حديثه، أنهاه واعاد ظهره الى الوراء، تعبا. وهما لم يتناولا وجبة عشائهما. في كل مرة كانت فيها المضيفة تدخل الى الغرفة، كان رئيس الوزراء يشير اليها أن تغادر. رايس لا تكتب هذا، ولكن اولمرت كان في حالة نشوى، انفعال شخصي عالٍ، هو ايضا على ما يبدو شعر بان هذا المساء هو مساء تاريخي (في النهاية كلاهما خاب ظنه. اولمرت ترك منصبه دون تسوية، وكذا رايس).

كونداليزا رايس شكرت اولمرت على حديثه بانفعال. سأكون لدى أبو مازن غدا وسأنقل له رسالة، قالت. احذري عندما تتحدثين معه، فلا يمكن ابدا معرفة من يستمع، أوصاها اولمرت (وعرف لماذا). وسارعت رايس بعد اللقاء مع اولمرت الى الفندق. استدعت مستشاريها القريبيين، دافيد وولش وايليوت ابرامز، وضعتهما في الصورة ولكنها أخفت حتى عنهما، الفصل عن تقسيم القدس. بعد ذلك اتصلت بنائبها ستيف هدلي في خط آمن، ولكن، كتبت تقول، مع ان الخط كان آمنا، فلا يمكن للمرء أن يعرف. فبعد كل شيء، أنا في فندق اسرائيلي... وعليه، حتى عن هدلي اخفت التفاصيل. قل للرئيس، قالت لهدلي، انه محق، اولمرت حقا يريد الوصول الى اتفاق بل ومن شأنه ان يموت في اثناء المحاولة. فكرت باسحق رابين الذي دفع الثمن بحياته على محاولة مشابهة. بعد ذلك توجهت الى النافذة، نظرت الى البلدة القديمة المضاءة، وقالت لنفسها، من يدري، لعله لا يزال ممكنا عمل هذا.

في الغداة، كما أسلفنا، التقت ابو مازن، ورسمت أمامه، ثنائيا، عرض اولمرت. كيف يمكنني أن اقول لـ 4 مليون لاجيء، سأل ابو مازن بان فقط 5 الاف يمكنهم العودة؟ عن هذه التفاصيل تحدث مع اولمرت، قال له رايس. وفي المساء بلغت اولمرت هاتفيا بالامر. ابو مازن فضل ادارة المفاوضات بنفسه وليس عبر رجل ثقة. اولمرت وافق. بأي لغة ستتحدثان، سألت رايس اولمرت (إذ لن يكون مترجم). بالانجليزية، اجاب رئيس الوزراء. لا تنسى أنك تتحدث الانجليزية افضل منه، وهو سيكون في موقع دون، قالت رايس. أعرف، أجاب اولمرت، ليس عندي نية أن يكون في حالة دون. وتشير رايس انها قالت لنفسها انها تصدق اولمرت. هو لا يريد أن يكون ابو مازن في حالة دون، هو يريد أن يتوصل معه الى تسوية.

في الاشهر التي مرت منذ ايار 2008، التقى اولمرت وابو مازن مرات عديدة. عرض رئيس الوزراء بحث هناك بتفاصيله. في ايلول وضع اولمرت امام ابو مازن الخريطة الشهيرة. اسرائيل كان يفترض ان تلحق 6.3 في المائة من اراضي الضفة، اولمرت كان مستعدا لان ينزل الى 5.8 في المائة. وقد طلب من ابو مازن ان يوقع على الخريطة، طلب وقتا للتشاور مع مستشاريه، تقرر لقاء بين المستشارين ولكنه لم يعقد ابدا. كل الباقي تاريخ.

انقلاب أبيض

رايس لم تندم. أذكر جيدا تفاصيل عرض اولمرت، كتبت تقول، طلبت من مستشار قانوني في وزارة الخارجية ان يعد وثيقة رسمية قانونية في هذا الشأن. الرئيس بوش حاول اقناع ابو مازن وارضائه، ولكن اولمرت كان أوزة عرجاء (وكذا بوش)، كديما سار نحو الانتخابات التمهيدية، اسرائيل استعدت للانتخابات، كان هذا قريبا، ولكنه لم يحصل.

وكتبت رايس تقول: اخشى أنه لن تكون لها فرصة أفضل من هذه. وهي تشير الى أن تسيبي لفني، وزيرة الخارجية، حثتها (وعلى ما يبدو حثت ابو مازن ايضا) على الا "يقدس عرض اولمرت"، بسبب مكانته في اسرائيل وحقيقة أنه بات مستقيلا. لفني محقة، كتبت رايس بصراحة، ولكن بالمقابل لا يمكن تجاهل رئيس وزراء في اسرائيل قال مثل هذه الامور للعلن.

إذن ما الذي كان لنا هناك؟ قبل كل شيء، حقيقة أن عرض اولمرت بحث بينه وبين ابو مازن منذ شهر ايار، وليس فقط في ايلول، عشية الانتخابات التمهيدية في كديما. من ايار، هذا نحو سنة قبل أن يغادر اولمرت منصبه. ثانيا، حقيقة أن اولمرت عمل من وراء ظهر لفني. ثالثا، حقيقة أن لفني حاولت عرقلة عرض اولمرت. ورابعا، كحكاية فكاهية، حقيقة ان أهرون باراك كاد يصبح، رغم انفه، المصيغ للاتفاق بين اسرائيل والفلسطينيين (بعد أن شارك في صياغة الاتفاق مع مصر).

هذا الفصل يثير جلبة بين اولمرت ولفني. رجال اولمرت يقولون انه اذا كانت هي حقا حاولت اقناع رايس وابو مازن عدم السير في هذا، فان هذا ليس أقل من انقلاب ابيض. وهم يدعون بان اولمرت لم يعرف ذلك، ويدعون شيئا آخر: بعد الانتخابات تبين، من الفلسطينيين، انه ليس فقط لفني حثت ابو مازن على عدم التوقيع مع اولمرت، بل وباراك ايضا. ايهود باراك. رجال لفني يهدئون: قبل كل شيء، تسيبي لم تكن جزءا من الخطوة. اكتشفته هي مع الاخرين، الخريطة نقلت الى ابو مازن قبل يوم من الانتخابات التمهيدية، وفي مثل هذا الوضع تسيبي قالت الحقيقة في أنه ليس لمثل هذا العرض رصيد، وأن رئيس الوزراء لم يتشاور فيه مع احد، وانه يجدر بان رفع مثل هذا الاقتراح الناس الذين انتخبوا، وليس اولئك الذين يوجدون في الطريق الى البيت. رجال لفني يشددون على أنه كان يمكنهم ان يجعلوا تسيبي هي التي انقذت اسرائيل من تقسيم القدس واعادة اللاجئين (5 الاف مهم لمزيد من الدقة)، ولكنهم اختاروا الا يفعلوا ذلك. يقولون ايضا ان لفني  تقول دوما، داخل الغرفة، ما تقوله خارجها، بالمناسبة، هم محقون.

الليبرمانية سيطرت

والان تعالوا نعود الى ايامنا هذه. من الصعب أن نصدق انه مرت بالاجمال ثلاث سنوات. من وضع مفاوضات مكثف، مكتظ، ثقة متبادلة، أفكار ابداعية وافق سياسي، وصلنا الى وضع معاكس تماما. من قرر ان الفوارق بين اليمين واليسار في اسرائيل قد تشوشت، كان متسرعا بعض الشيء. مذهب نتنياهو وحكومته الفكري قادنا الى الوضع الحالي الذي لا توجد فيه مفاوضات، العلاقات مع مصر تترنح، والملك الاردني عبدالله يتحدث علانية عن موت فكرة الدولتين، ويتحدث في الغرف المغلقة عن أن اسرائيل تريد أن تدفع حكمه الى الانهيار واقامة الدولة الفلسطينية في الاردن.

يبدو أن النظرية السياسية لافيغدور ليبرمان سيطرت على جدول الاعمال الاسرائيلي. ليبرمان يؤمن بنظرية الفوضى ويريد أن يستخدم الربيع العربي كرافعة بواسطتها سيكون ممكنا استغلال الاضطرابات والهزة الارضية وحراك الصفائح لخلق حقائق على الارض، تجعل الاردن دولة فلسطينية وسكان الضفة رعايا اردنيين مع حكم ذاتي شبه كامل، حق تصويت (للبرلمان في الاردن)، شبه دولة. هذه هي الكونفدرالية الشهيرة لبيرس، فقط بدون الاسرة المالكة الهاشمية. الملك عبدالله يشدد، كل اسبوع، تصريحاته في الموضوع. الاردن لن يكون فلسطين، يقول، اللاجئون الفلسطينيون لن يجدوا حلا في الاردن، فقط حل الدولتين مقبول واذا كانت حاجة فان لدينا جيش، نحن مستعدون للقتال دفاعا عن الاردن السيادي. والان، كل ما ينبغي للقارىء الفهيم أن يفعله هو أن يقرر أين هو، بين المذهبين القطبيين، اللذين عرضناهما هنا. بالمناسبة، لا يدور الحديث عن قرار سهل، وحتى بعد اتخاذه، ليس مؤكدا أن يكون هو القرار الصحيح. فنحن، فكما هو معروف نعيش في منطقة مجنونة.