خبر ضغط ذري- يديعوت

الساعة 01:12 م|28 أكتوبر 2011

ضغط ذري- يديعوت

بقلم: ناحوم برنياع

هل اتفق رئيس الحكومة ووزير الدفاع بينهما وحدهما على قرار هجوم عسكري على المفاعلات الذرية في ايران؟ هذا السؤال يشغل كثيرين في جهاز الامن وقيادة الحكومة العليا. وهو يقلق ايضا حكومات اجنبية يصعب عليها ان تفهم ما يحدث هنا: فمن جهة توجد اشاعات أخذت تزداد عن اجراء اسرائيلي مدبر يغير وجه الشرق الاوسط وربما يحتم مصير دولة اليهود للأجيال التالية. ومن جهة ثانية عدم وجود نقاش عام على الاطلاق. ان الهجوم على ايران هو الشأن الأكثر تكتما عليه في جدول العمل الاسرائيلي.

صحيح ان جدول العمل مشحون بموضوعات ثقيلة الوزن: فحركة الاحتجاج الاجتماعي تحاول ان تنهض من جديد؛ واسعار الكهرباء ترتفع؛ والاطباء في طور الاختصاص يناضلون عن حقهم في الاستقالة؛ وجلعاد شليط يخرج من البيت؛ وايلان غرابل يعود – وعودة طرابين يبقى؛ وصاروخ غراد يطلق على ريشون لتسيون: فان احمد الجعبري وزملاءه، وهم اصدقاؤنا الفلسطينيون الجدد، يريدون ان يبرهنوا للعالم ولأنفسهم في الأساس ان هالة المجد لم تخصهم: فعندهم في غزة ايضا أعياد وما بعد الأعياد. جميع هذه القضايا مهمة ومؤثرة لكن لا واحدة منها مصيرية، ربما بسبب هذا يسهل على الجميع ان يشغلوا أنفسهم بها لا بسؤال ماذا نفعل في مواجهة الذرة الايرانية.       من السهل فهم الصعاب. واليكم المعطيات قبل كل شيء: ان من يُريد التعمق في المشكلة يغرق في بحر معطيات تقنية يتضح معناها للعارفين فقط. فمن وراء كل تقرير عن آلة طرد مركزي يكمن مشاهد انتقل الى قناة اخرى أو قاريء انتقل الى السودوكو.

وثانيا بسبب السرية: فالمعلومات العتيدة جزئية مستعبدة لمصلحة من يقدمها. وثالثا بسبب العادة: فالجمهور لم يُشرك في قرار مناحيم بيغن على مهاجمة المفاعل الذري في العراق ولم يُشرك في قرار اهود اولمرت (بحسب مصادر اجنبية) على مهاجمة المفاعل في سوريا. ولأن الهجومين نجحا، لم يحتج أحد.

كان القراران على الهجومين تصحبهما أخطار لا يستهان بها: فقد كان الطيارون قد يفشلون في المهام ويقعون في الأسر ويسببون قتلا جماعيا؛ واستطاعت عراق صدام وسوريا الأسد ان تردا عسكريا أو بعمليات ارهابية أو باطلاق صواريخ؛ واستطاعت دول اجنبية وعلى رأسها الولايات المتحدة أن تُحدث ازمة. ومن المفرح كثيرا ان تنبؤات خراب المعارضين لم تتحقق، فكان النجاح كاملا بلا مصابين وبلا أضرار بقواتنا.

هل ما نجح مرتين سينجح في المرة الثالثة؟ اجل، يقول مؤيدو العملية العسكرية؛ ولا ألبتة يقول المعارضون. فايران أمر مختلف تماما – انها دولة من منطقة اخرى وذات نظام مختلف وثقافة مختلفة ومشروع ذري مختلف ومستوى مخاطرة مختلف.

تنقسم القيادة الامنية والسياسية بعدة معسكرات أحدها يقول ان فائدة العملية العسكرية محدودة وان المخاطرة مجنونة. والايرانيون سيردون باطلاق صواريخ من ايران ومن لبنان بواسطة حزب الله ومن غزة بواسطة حماس. وستنشب حرب اقليمية تخرب دولة اسرائيل. فيحسن ان تتكل اسرائيل على عقوبات الجماعة الدولية وتأمل الخير. اذا توصلت ايران الى السلاح الذري فلن يكون هذا نهاية العالم، ستثبت اسرائيل لهذا.

ويقول معسكر ثان، لماذا الاسراع. فالايرانيون يحتاجون الى سنتين اخريين على الأقل أو سنتين ونصف الى ان ينضج المشروع. تظهر وستظهر بعد ذلك عقبات كثيرة في الطريق. في خلال ذلك ستجرى انتخابات الرئاسة في الولايات المتحدة. واوباما في ولايته الثانية أو جمهوري في الولاية الاولى قد يتحملا مسؤولية الهجوم على ايران بأنفسهما. وقد يتغير نظام الحكم في ايران. ان اشياء كثيرة قد تحدث في سنتين.

التقيت هذا الاسبوع في اوروبا واحدا من كبار الدبلوماسية الامريكية في ادارات سابقة. وقال ان ايران تقترح دخول تفاوض معها في فرض رقابة دولية على مشروعها الذري، ولو كنت اسرائيل لأجبت موافقا.

لكن الايرانيين يخدعون، قلت. كل ما يريدونه كسب الوقت.

واضح، قال، لكنه سيكون أسهل ان تعمل الولايات المتحدة واسرائيل حينما تعترف الجماعة الدولية كلها علنا بأن الايرانيين يخدعون.

يشارك في هذا التصور بعض كبار الوزراء في الحكومة وهم يؤيدون عملية عسكرية باعتبارها الوسيلة الاخيرة. وهم يرتابون في ان الضغوط للتعجل في عملية مصابة ببواعث اجنبية وشخصية وسياسية.

يُعد في المعسكر الثالث قادة الاذرع الامنية – رئيس هيئة الاركان ورئيس الموساد ورئيس "أمان" ورئيس "الشباك". عندما أُثيرت مسألة العملية العسكرية في جولة سابقة كان الناس الذين تولوا هذه المناصب على الترتيب هم: غابي اشكنازي ومئير دغان وعاموس يادلين ويوفال ديسكن. وقد رفض الاربعة بشدة عملية عسكرية. وورثهم حسب الترتيب، بني غانتس وتمير بردو وأفيف كوخافي ويورام كوهين. قد يكون لهذا التبديل معنى بعيد المدى، وصفقة شليط مثال يشد الانتباه: فقد عارض ديسكن ودغان الصفقة؛ ومعارضتهما جعلت مواقف الحكومة متشددة؛ وأيد كوهين وبردو؛ وتأييدهما أحل الاتفاق.

لكن رأيهم كما نعلم في القضية الايرانية يلائم رأي أسلافهم: فالاربعة كلهم كما يبدو يرفضون عملية عسكرية الآن. والفرق هو في الاستعداد للنضال: فالسابقون جاءوا الى المباحثات بعد سني نجاح، كل واحد في منظمته، متمتعين بمكانة عامة صلبة. وأوحوا تجاه الساسة بالتصميم والثقة بالنفس. والجدد أقل شهرة وأقل حزما وأقل تبلورا.

ان تقسيم العمل في اسرائيل في القرارات في الشؤون الامنية واضح: فالمستوى السياسي يقرر والمستوى التنفيذي ينفذ. ولا يوجد رفض للاوامر. ولا عصابات سرية. لكن المسار أكثر تعقيدا مما تعلمه دروس المدنيات: فالمستوى التنفيذي شريك مساوي القيمة في المباحثات. ولا يبدي رأيه في موضوعات في مجال مسؤوليته فحسب بل في كل شأن يثار للنقاش. وتتلاشى خطوط الفصل بين المستويين. ان رئيس الحكومة في واقع الامر لا يستطيع ان يتوصل الى قرار مصحوب بمخاطرة اذا عارضه وزير الدفاع ورئيس هيئة الاركان ورئيس الموساد ورئيس "الشباك"، كلهم أو أكثرهم. وهو لا يتجرأ على ذلك حتى لو كان يتمتع بتأييد أكثر المجلس الوزاري المصغر. وهو يأخذ في حسابه انه اذا فشلت العملية فقد يبلغ الى لجنة التحقيق عاريا مفضوحا بلا وثائق تبرهن على انه حظي بتأييد المستوى المختص.

لهذا توجد أهمية عظيمة لسؤال كيف يعبر المستوى المختص عن رأيه – هل يضرب المائدة بقبضته كما اعتاد ان يفعل مئير دغان أم يتحفظ بلطف وارتياح؛ وهل هو لاعب نشيط في مسار اتخاذ القرارات أم أنه رأس صغير في خدمة رؤسائه.

وهذا يفضي بنا الى المعسكر الرابع – الى بنيامين نتنياهو واهود باراك التوأمين السياميين لقضية ايران. تحدث هنا ظاهرة نادرة بمفاهيم السياسة الاسرائيلية وهي رئيس حكومة ووزير دفاع يعملان كجسم واحد لهدف واحد ودعم متبادل ومدائح متبادلة. أُحرز هذا التناغم فقط حينما كان شخص واحد يتولى المنصبين. واذا أصررنا على التنقيب في التاريخ أمكن أن نذكر التعاون الخصب بين رئيس الحكومة شمير ووزير الدفاع رابين. والذي وحدهما واحتقارهما لبيرس.

يتم تصوير نتنياهو وباراك بأنهما يحثان على العملية. وقد صاغ نتنياهو المعادلة في بداية ولايته: فاحمدي نجاد هو هتلر؛ واذا لم يوقف في الوقت المناسب ستحدث كارثة. وهناك من يصف حماسة نتنياهو في هذا الشأن بأنها وسواس فقد حلم طوال حياته بأن يكون تشرتشل، وايران تعطيه فرصة. ان الشعبية التي حظي بها على أثر صفقة شليط لم تهديء نفسه بل بالعكس منحته شعورا بالقوة.

لا يستعمل باراك تلك النعوت لكنه يحث على عملية عسكرية: فهو على يقين من انه كما احبطت اسرائيل مشروعات ذرية في الماضي فانه يجب عليها ان تحبط هذا المشروع. هذه هي الاستراتيجية وهذا هو التراث.    وقد قدر ان معارضة دغان تنبع من بواعث نفسية: فباعتبار دغان رئيس الموساد نُسبت اليه انجازات رائعة في افشال المشروع. وعملية عسكرية بعد وقت قصير جدا من نهاية ولايته ستجعل أهمية هذه الانجازات قزما.

يوجد بين الوزراء من يشكون في ان بواعث باراك شخصية: فليس له حزب وليس له ناخبون. والهجوم على ايران سيكون الانفجار الكبير الذي يُمكّن نتنياهو من ادخاله في العشرة المتقدمين من الليكود في الانتخابات القادمة. وهكذا يستطيع الاستمرار في ولاية وزارة الدفاع. يبدو هذا الشك مبالغا فيه في ظاهر الامر، وباراك غير محتاج الى آية الله الخميني للانضمام الى الليكود بل يستطيع شالوم سمحون أن يرتب هذا الامر بطرق سلمية.

الآن خاصة والشعور في العالم ان تقدم الايرانيين تباطأ، تتحدث الاشاعات عن ضغط للعملية. ان احدى القضايا هي حالة الجو: فالشتاء يقترب وفي الشتاء قيود. وينظر آخرون الى الأمام: يقولون انه بعد الشتاء يأتي الربيع وبعده الصيف.

الديمقراطية والذكرى

في يوم الجمعة القادم، الرابع من تشرين الثاني، ستكون قد انقضت 16 سنة منذ مقتل رابين. ستتم في الجيش احتفالات عسكرية وسيخصصون في بعض المدارس ساعة مدنيات للرجل ومشروع حياته. ومن غد ذلك، كما هي الحال كل سنة، يفترض ان تقام مسيرة احتشادية في ميدان رابين. وقف مركز رابين طوال السنين من وراء المسيرة الاحتشادية في الميدان لكن لن يكون هذا بعد. سيكون حشد لكن الناس الذين كانوا مقربين من رابين في حياته لن يكونوا مشاركين فيه. فقد انقضى فصل من تخليد رابين وانقضى فصل من تذكر القتل.

ان ما حدث لعملية تخليد رابين يدل شيئا ما على عمق الصدمات الشعورية الوطنية وعلى طول نفس الذاكرة الجماعية. اعتدنا في نقاش تذكار حاسم على استلال كليشيهات تصف عظم اللحظة. في الاسبوع الماضي مثلا قالوا لنا مرة بعد اخرى اننا سنتذكر حتى يومنا الاخير أين كنا في اللحظة التي شاهدنا فيها أول مرة صورة جلعاد شليط. ربما يكون وربما لا يكون. أتذكر أين كنت في اللحظة التي أُبلغت فيها عن موت اسحق رابين: كنت أقف مع قلة من الصحفيين قبالة ايتان هابر في باحة مستشفى ايخيلوف. لكن هذه هي صدمتي الشعورية الخاصة: فهناك غير قليل من الاسرائيليين ممن ليسوا لا يذكرون فقط أين كانوا في تلك اللحظة بل لا يذكرون لماذا وعلام، وربما يذكرون لكنهم فقدوا الاهتمام. ولا داعي لتوجيه اللوم عليهم ولا داعي لاتهامهم فهذه سنة الكون.

يريد اتفاقا

يصدر هذا الاسبوع في الولايات المتحدة الجزء الثاني من مذكرات كونداليزا رايس (وصف الجزء الاول حداثتها). والكتاب بعنوان "ناس عاديون منقطعو النظير"، ينحصر في ثماني سني خدمتها تحت الرئيس جورج بوش.

سيكون من المثير ان نقرأ فصول الكتاب التي تتناول مسيرة السلام. يميل الناس الى النسيان لكن كانت مسيرة ذات مرة. يُبين تقرير صحفي نشرته في الانترنت مراسلة صحيفة "هآرتس" في واشنطن، نتاشا موزغوفيا، صورة آسرة لمشاركة الرئيس بوش ورايس واولمرت وتسيبي لفني وأبو مازن في لحظة حاسمة في المحادثات.

فصل اولمرت على مسامع رايس اقتراحه على أبو مازن: "أُعطي قدرا كافيا من الارض، شيء يشبه ان يكون 94 في المائة مع تبادل اراض. وتكون في القدس عاصمتان واحدة لنا غربي المدينة وواحدة للفلسطينيين في الشرق، وينتخب رئيس البلدية بحسب الاكثرية من السكان. واذا كان رئيس البلدية اسرائيليا يكون نائبه فلسطينيا. وتشرف لجنة دولية على الاماكن المقدسة – ناس حكماء من الاردن والسعودية والولايات المتحدة والفلسطينيين واسرائيل".

"هذا لا يصدق"، قالت رايس لنفسها. "ماذا سيكون اذا تسرب هذا؟ لن يتسرب. نحن الاثنان فقط".

"سأستوعب قليلا من الفلسطينيين داخل اسرائيل – ربما خمسة آلاف"، تابع اولمرت. وطلب مساعدة امريكية اخرى لجهاز الامن. "استطيع ان أسوق هذه الصفقة"، قال، "لكن لن استطيع اذا قال الجيش الاسرائيلي انها تضر بأمن اسرائيل، أنا أخاطر هنا مخاطرة عظيمة".

"هذا مدهش"، أجابت رايس. "سأتكلم مع أبو مازن غدا".

هاتفت رئيس مجلس الامن القومي ستيف هادلي. "قل للرئيس انه كان على حق بشأن اولمرت"، قالت له. "انه يريد اتفاقا. والحقيقة انه قد يُقتل في محاولته احراز اتفاق – فرابين قُتل حينما اقترح أقل من هذا بكثير".

كان اولمرت في أواخر ولايته وكذلك الرئيس بوش، وكلاهما كان أوزة عرجاء، تكتب. مع كل ذلك، اعتقدت رايس انه توجد هنا فرصة لا تتكرر. وتقول انها تحدثت الى تسيبي لفني. "حثتني لفني (وأنا أومن بأنها حثت عباس) على عدم تقديس اقتراح اولمرت، لانه لم تعد له منزلة. كان هذا صحيحا كما يبدو، لكن (اعتقدت) ان هذا سيدفع بمسيرة السلام الى الأمام جدا. ورفض عباس".