خبر الشقاقي شهيد الفكر المقاوم .. مصطفى قاعود

الساعة 06:18 م|27 أكتوبر 2011

الشقاقي شهيد الفكر المقاوم .. مصطفى قاعود

في الليلة الظلماء يفتقد البدر....ما أحوجنا اليوم إلى مفكر وقائد مثل الشهيد فتحي الشقاقي، بروحه الإيجابية وانفتاحه على الأخر وقدرته على التواصل مع الآخرين وفق صيغ عملية، لا تسقط المبدأ ولكن لا تعدم الود والتعاون، وفي ذكرى استشهاده وجدت من الأمانة الوطنية من جهة والمهنية الإعلامية أن أكتب ما أعرفه عن شقيق القسام والأفغاني ومحمد عبدو وراشد الغنوشي، وهنا أريد أن أتناول مسيرة الشقاقي من ثلاثة جوانب شخصيته كما تعرفنا عليها بفترة إقامته ببيننا في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين في دمشق، والجانب الثاني هو فكره، أما الثالث فهو نظرته العملية للوحدة الوطنية الفلسطينية في ظل التعددية، فعلى الصعيد الشخصي كان مثالا للقائد الفلسطيني المتواضع، الثري في أفكاره الزاهد في الدنيا، ومظاهر الترف، وبدا ذلك من خلال مكتبه المتواضع في حي التقدم بمخيم اليرموك، على الطابق الخامس، حيث كان يصعد الدرج المتواضع في البناء المتواضع، لكن ما أن تدخل إلى مكتبه المتواضع حتى تشعر أنك في منارة فكرية، وفي حضرة مفكر موسوعي، يجمع بين دماثة الخلق والتواضع والبعد المعرفي، ومن كرم أخلاقه أنه كان لا يشرع بالحديث مع ضيفه قبل أن يكرمه بالاستماع إليه، كان منصتا جيدا ومتأملا وتشعر أنه يتمعن ويتفكر في كل كلمة تقولها، وهذه ميزة قلما كانت تتوفر بالكثير من القادة حيث كنت تدخل على بعضهم مستمعا وتخرج مستمعا، وبعد أن يكرمك بالاستماع إليك يدهشك بأن يبدأ حديثه معك من النقاط التي يتفق فيها معك، فدائما كان قادرا على إيجاد المساحة المشتركة بينه وبين محاوره، ومن ثم يحدثك عن أفكاره الخاصة، مستخدما الحجة والبرهان، فكان لا يحدثك عن أمر على أنه من المسلمات، بل دائما يحاول البحث عن حجة مبنية على طرائق التفكير العلمي والعقلاني، مستخدما الاستنتاج والاستقراء وقوانين وطرائق التفكير العقلي، والتي كان يحرص على نسبتها للفكر الإسلامي الأصيل النقي من تشوهات الايدولوجيا، مستشهدا بالقياس والاستصحاب والقواعد الفقهية السليمة،  لينتقل بمحاوره بسلاسة ودون سطوة عبر بساط العقل والعلم إلى فكره الإسلامي. وعليه ينتمي الدكتور فتحي إلى الفكر الإسلامي التنويري بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى، فعندما يجري محاكماته للأمور على أساس الفكر الإسلامي، لا تشعر انك أمام رجل دين فحسب بل أمام مفكر إسلامي، يستشهد بالقران الكريم والحديث النبوي ومن ثم يجري المقاربة العقلانية وفقا لأدوات العصر، فتخال نفسك أما محمد عبدو أو الأفغاني، رغم أن له مقارباته الخاصة التي تنتمي إلى تجربته، وخاصة عندما يربط البعد الوطني الفلسطيني في البعد الإسلامي الفكري، وكما الشيء بالشيء يذكر وربما من قبيل الصدفة أن يصعد حزب النهضة بقيادة راشد الغنوشي في تونس بالتزامن مع ذكرى استشهاد الدكتور فتحي، فتذكرت أنه أهداني كتيبا للراشد الغنوشي يتحدث عن مكانة المرأة في الإسلام. إذ كان يطيب له أن يذكر ويذكر بمن يحملون الأفكار التنويرية التي كان هو ذاته من المدافعين عنها، وكان له قسطه بالإسهام بها، من خلال العديد من الدراسات التي كان يعدها وينشرها في عدة منابر ونشرات ورقية، كان يوزعها لضيوفه بنفسه، من منطلق حرصه على الأفكار التي تحملها تلك الدراسات.

 

فلسطينيا أمن الدكتور فتحي بوقت مبكر بضرورة مد جسور الثقة بين فصائل العمل الوطني الفلسطيني والقوى الإسلامية الفلسطينية التي كانت في طور الصعود، في فترة الانتفاضة الفلسطينية الأولى وما تلاها، لولا أن بدأت مسيرة مدريد والتي تلاها اتفاق أوسلو وتعثرت الوحدة الوطنية الفلسطينية،  لم يكن فكره الخاص ليعيق رؤيته الوحدوية، على أسس عملية كفاحية قبل الولوج إلى معالجة المشاكل البرنامجية، فكان الجهاد والكفاح والمقاومة ومقارعة الاحتلال بالنسبة له المساحة المشتركة التي كان يدعوا الآخرين للتعاون في إطارها، دون أن يدعوا أحد للتخلي عن مبادئه الخاصة، فهو لم يكن يضيره التعاون مع كل القوى الفلسطينية على أرضية تلك المساحة المشتركة، مستلهما بذلك قراءته الخاصة وتجربته التي خاضها في سياق الانتفاضة الفلسطينية الأولى، التي وحدت كل ألوان الطيف الفلسطيني في إطار كفاحي عملي، بذلك كانت له رؤيته العملية للوحدة حتى لو تعذرت لأسباب عدة الوحدة البرنامجية والفكرية والسياسية، وهذا كان بمثابة احترام للتعددية الفلسطينية، ورغم عدم تجاهله لأمراض الساحة الفلسطينية إلا أنه لم يكن يكترث بها ولم تكن لتمنعه من التعاطي مع الجميع على أرضية مجابهة الاحتلال، إذ كان يضع نفسه وتنظيمه بعيدا عن السلبيات والنظر إلى الجانب الإيجابي، لم يسجل تاريخه مناكفة أو مشادة مع ظاهرة أو أفكار أو تنظيم أخر، رغم أنه كان يعرض رأيه مدعما بالحجة التي يراها مناسبة إلا أنه دخل الساحة مفكرا وخرج من الحياة الدنيا مجاهدا، بعدما أشرف على عملية من أبرز عمليات المقاومة وهي عملية بيت ليد 22/1/1995 التي قتل فيها 22 عسكريا إسرائيليا وجرح أكثر من مئة، واللافت فيها أنها استهدفت جيش الاحتلال، فكانت أقل العمليات الفدائية عرضة للنقد على الصعيد الدولي، لأنها مجابهة مع جيش محتل، رغم أنها الأكثر خطورة من وجهة نظر إسرائيلية، من حيث الحصيلة العددية لجنود، ومع مثل تلك العمليات يعجز الجانب الإسرائيلي من تجيش الرأي العام العالمي ضد المقاومة، ولهذين البعدين إي البعد المقاوم الاستراتيجي، والبعد الفكري ألتعددي والوحدوي، كان الشقاقي بالنسبة للجانب الإسرائيلي من القادة الأكثر خطورة على المشروع الصهيوني، لذا سارع الموساد إلى اغتياله،  وعليه فإن مسيرته المحدودة زمنيا والغنية فكريا تستحق الدرس، واستلهام الدروس في هذه الظروف الحساسة التي تمر بها القضية الفلسطينية.