خبر البراجماتي يعاكس الأيديولوجي في صفقة التبادل .. علي بدوان

الساعة 12:03 م|27 أكتوبر 2011

البراجماتي يعاكس الأيديولوجي في صفقة التبادل .. علي بدوان

رب سائل يسأل عن خلفية القبول "الإسرائيلي" بالصيغة الأخيرة لاتفاق تبادل الأسرى مع حركة حماس بعد رفض مزمن طوال السنوات الخمس الماضية، وبعد تعنت شديد رافق جولات التفاوض في القاهرة، وحركة الوسيط الألماني بين القاهرة ودمشق وتل أبيب..؟

 

فقد رفضت حكومتا أيهود أولمرت ومن بعده بنيامين نتنياهو كل الصيغ التي تم تقديمها من حركة حماس، وأصّرت تلك الحكومتان على رفض إطلاق من تسميهم "أصحاب الأيدي الملطخة"، فلماذا وافقت حكومة نتنياهو أخيراً على عملية التبادل التي لبت بحدود (90%) من المطالب التي تقدمت بها حركة حماس، بما في ذلك الموافقة على إخراج (350) أسيراً فلسطينياً من أصحاب "المؤبدات" ..؟

 

وللإجابة على ذلك، نقول إن خلفية الموقف "الإسرائيلي" تكمن وراء عدة أسباب:

 

كان أولها، أن عملية التبادل لم تكن بعيدة البتة جملة من التطورات التي وقعت مؤخراً ومنها ما جرى ويجري داخل سجون الاحتلال من اعتمالات وتفاعلات واسعة لحركة الأسرى الذين يخوضون معركة الأمعاء الخاوية في وجه الجلادين الصهاينة وقد بدأ إضرابهم منذ عشرين يوماً ومازال مستمراً حتى الآن. كما لم تكن بعيدة عن حملات تضامن فلسطينية وعربية واسعة وعلى كل المستويات، تمت مع الأسرى خلال الفترات الأخيرة.

 

وكان ثانيها، أن الطريق العسكري المسدود لإطلاق سراح جلعاد شاليط أو حتى تحديد المكان الموجود به في قطاع غزة (كما كان يأمل الطرف الإسرائيلي) دفع القيادة السياسية في تل أبيب لإعادة التفكير بخيارها إياه، وقد أيدها في ذلك قادة جهازي الشاباك والموساد الاستخباريين بينهم رئيس الشاباك الجديد يورام كوهين، يليه وزير الأمن إيهود باراك، ورئيس أركان الجيش بيني جنتس، ورئيس الموساد تمير باردو. فالمقاومة الفلسطينية، استطاعت ولمدة خمسة أعوام وفي منطقة جغرافية ضيقة وذات كثافة سكانية عالية، وبإمكانات متواضعة، تمكنت من الاحتفاظ بالأسير "الإسرائيلي" جلعاد شاليط في المكان المحدد، رغم الأعين والطائرات "الإسرائيلية" التي لم تفارق سماء القطاع منذ حينه، وبالرغم من التكنولوجيا الصهيونية والأميركية، والعدوان الذي شن على غزة نهاية عام 2008 ولمدة ثلاثة أسابيع. وعليه فان رئيس أركان جيش الاحتلال ورئيس الشاباك أعلنا مؤخراً بشكل قاطع أنهما لا يستطيعان تقديم خطة عملانية عملية تتيح إطلاق سراح شاليط على قيد الحياة. كما علم أنهما مع تسلمهما لمنصبيهما أجريا فحصا مجددا وجذريا للإمكانيات العملانية لإطلاق سراح شاليط، وتوصلا إلى نتيجة مفادها أن الطريقة الوحيدة هي صفقة تبادل أسرى.

 

وكان ثالثها، أن القيادة السياسية "الإسرائيلية" قرأت بتمعن مجموعة التحولات التي جرت في مصر، حيث لاح أفق مختلف عن الأفق الذي دارت في أجوائه المفاوضات السابقة برعاية اللواء عمر سليمان، وقد تبين لحكومة نتنياهو أن مصير المفاوضات بيد السلطات العسكرية في مصر، وأن السلطات العسكرية الحالية لن تقبل بالدور السابق الذي لعبه اللواء عمر سليمان.

 

وكان رابعها، أن نتنياهو الذي يعيش أزماته الداخلية مع التململات الاجتماعية في "إسرائيل" وبعد خطابه الهزيل في الأمم المتحدة، أراد صفقة لإخراج شاليط كي تعيد له التوازن، فهو يريد حضور نتنياهو "البراجماتي لا الأيديولوجي" لدى "الإسرائيليين" الذين أيدوه بمعظمهم بصفقة التبادل كما بينت الاستطلاعات الفورية السريعة التي جرت في تل أبيب، مطبقاً مقولة اسحق رابين "إذا لم تكن هناك إمكانية لعملية عسكرية لإطلاق سراح أسرى إسرائيليين، فإنه يجب القيام بذلك بواسطة صفقة تبادل أسرى" مهما كانت صعبة. وعليه، صادقت حكومة "إسرائيل" على عملية التبادل (ستة وعشرون وزيراً مع، مقابل ثلاثة وزراء ضد).

 

وبكل الحالات، إن عملية تبادل الأسرى خطوة مهمة وانجاز كبير للشعب الفلسطيني بالمعنى السياسي والوطني والإنساني، وتفتح الطريق أمام الإسراع بانجاز وتطبيق اتفاق المصالحة الفلسطينية الذي تم توقيعه في القاهرة في مايو الماضي. كما تفتح الطريق أمام استمرار الجهد الفلسطيني وبكل الوسائل المتاحة لتحرير باقي الأسرى الفلسطينيين والعرب من سجون وباستيلات وزنازين الاحتلال.

 

كاتب فلسطيني/دمشق/عضو اتحاد الكتاب العرب