خبر اتفاق التبادل بين اسرائيل وحماس من فشل تكتيكي الى تحدي استراتيجي

الساعة 12:51 م|26 أكتوبر 2011

بقلم: يورام شفايتسر

(المضمون: اكثر مما هو اندلاع لموجة ارهابية، بقيادة محرري صفقة نتنياهو، فان الخطر الاساس يكمن في تركيز منظمات الارهاب الفلسطينية وربما اخرى، على محاولات اختطاف اسرائيليين، جنود ومدنيين- المصدر).

للتحليل العقلاني لاتفاق التبادل الذي وقع بين اسرائيل وحماس لتحرير جلعاد شليط، يجدر عمل ذلك في ظل الابتعاد عن جملة الهذر، الصور والمشاعر الشديدة التي رافقت الحملة الاعلامية المكثفة. في أثناء هذه الحملة اطلقت الى الفضاء حقائق وكليشيهات من المجدي فحص مدى دقتها.

قبل كل شيء يجدر التدقيق والتصنيف للاتفاق المسمى على لسان الجميع "صفقة شليط"، كـ "صفقة نتنياهو" او حتى كـ "صفقة حكومة نتنياهو". هذا التشدد هام للاعتبارات التالية: أولا، الصفقة وقعتها حكومة يمينية صرفة تضم بين صفوفها الصقور الذين في السياسة الاسرائيلية، بمن فيهم افيغدور ليبرمان، موشيه بوغي يعلون، عوزي لنداو، بينامين بيغن (الذي صوت الى جانب الصفقة) وآخرون. وكما هو معروف فانه بين اولئك الوزراء الذين صوتوا ضد الاتفاق ولم يستقيلوا فور ذلك، هم شركاء كاملون في المسؤولية عن نتائجها. في المستقبل لا يمكنهم ان يتنكروا لهذه المسؤولية وان يلقوا بها عند بوابة رئيس الوزراء.

كما أن نتنياهو نفسه، الذي امتنع على مدى اكثر من سنتين من اتخاذ "القرار الزعامي" كان بشكل تقليدي وقاطع من قادة المروجين ضد كل صفقات "الاستسلام للارهاب" وعلى رأسها صفقة جبريل، سيئة الصيت والسمعة. واضح للجميع أنه لو كان نتنياهو وكثيرون من وزراء حكومته احرارا من أبهتهم، لكانوا من أوائل من شجب الاتفاق الحالي بوصفه استسلاما مخجلا للارهاب. ثانيا، يجدر بنا أن نذكر المسؤولية الحصرية لحكومة نتنياهو عن الاتفاق، وذلك كي نحبط وهي في مهدها المحاولة المثيرة للحفيظة، التي بدأت حتى قبل أن يوقع، لالزام ابناء عائلة شليط بالنتائج الفتاكة المستقبلية المحتملة للاتفاق على تحرير ابنهم.

موجة السعادة الجارفة، اجواء النشوة ومظاهر التضامن الوطني النادر الذي تجاوز القطاعات وتسامى فوق الخلافات السياسية، لا يمكنها أن تخفي انه في جوهر الاتفاق مع حماس، لا يدور الحديث عن انجاز كبير لاسرائيل. يدور الحديث عن دفع ثمن باهظ، اساس اضراره توجد بقدر أكبر في المجالات الرمزية والحساسة، التي لا ينبغي الاستخفاف بها وبقدر أقل في المخاطر الامنية غير المعقولة. وكما هو معروف، فان هذا الثمن فرض على اسرائيل، وذلك بسبب الفشل في منع اختطاف الجندي أو انقاذه، وفي ضوء الظروف التي دارت فيها المفاوضات، التي جرت حيال منظمة شبه دولة، ذات مراتبية هزيلة ومواقف قطبية في أوساط قيادتها، والتي احتجزت الاسير في اوساط سكان مدنيين مكتظين في منطقة معادية.

رغم القلق، المفهوم من تلقاء نفسه، الذي يشعر الناس به في اسرائيل بسبب تحرير هذه الكمية الكبيرة من السجناء الفلسطينيين الذين كانوا مشاركين في الماضي في هجمات ارهابية اجرامية وفي ضوء التهديدات التي تطلق في الفضاء عن النتائج الفظيعة المؤكدة للاتفاق، المرتقبة لامن مواطني اسرائيل، يجدر بنا أن نعرض اساس الاتفاق وتقدير مخاطره.

في اطار الصفقة وافقت اسرائيل على تحرير عدد عال وسابقة من القتلة والقاتلات بعضهم ادين وحكم بالمؤبدات، وبعضهم حكم لبضعة مؤبدات. كما وافقت على تحرير مواطنين اسرائيليين من اصل عربي خلافا لموقفها المبدئي بأن الموضوع غير قابل للتفاوض مع حماس وكذا حررت عربا من سكان شرقي القدس، ذوي بطاقات هوية زرقاء. كما اتفق على اعادة نحو مائة وعشرة سجناء أمنيين مدانين الى بيوتهم الى الضفة الغربية وشرقي القدس. بعض المحررين هم اناس كبار في السن قضوا في السجن زمنا طويلا وحتى اذا عادوا الى منظماتهم، ليس واضحا على الاطلاق اذا كانوا سيشتغلون بشكل مباشر بالذات في أعمال ارهابية. اضافة الى ذلك، معقول أن يكون بين مثل هؤلاء المحررين من يساهم بل ويحث منظماتهم على العودة للعمل على تحرير الرفاق الذين تبقوا في السجن.

اكثر من مائتي محرر ابعدوا الى غزة والى خارج البلاد. عقوبة الابعاد تعتبر في المجتمع الفلسطيني أقل خطورة فقط من الموت ومن استمرار الحبس. وذلك لانها تقطع السجين عن عائلته، عن رفاقه وعن محيطه القريب وبالطبع تشكل ضربة رمزية ومعنوية لفكرة "العودة" التي تؤدي دورا هاما للغاية في الرواية الفلسطينية. تحرير نحو نصف السجناء الى غزة يطمس بقدر كبير مدى الخطر المباشر المرتقب منهم لان هذا ينخرط ضمن الخطر المحدق أصلا باسرائيل من جانب محافل الارهاب العامة من غزة، رغم المعرفة العميقة التي لدى القدامى بين الجماعة للمجتمع الاسرائيلي ونقاط ضعفه. الامر صحيح ايضا بالنسبة للمحررين القلائل نسبيا ممن عادوا الى بيوتهم في الضفة الغربية، وذلك لان هؤلاء سيخضعون للرقابة من جانب السلطة الفلسطينية كما أنهم غير بعيدين عن تناول يد اسرائيل اذا ما عادوا للانشغال بالارهاب.

الخطر الاساس المحدق من الاتفاق ليس موجودا في المس غير القابل للاصلاح بقدرة الردع الاسرائيلي العام او بتعاظم غير قابل للاحتواء للعمليات ضد الاسرائيليين، والتي من المتوقع أن تقع. الخطر يحدق بالذات من الدروس التي طبعت وعي الفلسطينيين بسبب الطريقة التي توصلوا فيها الى الاتفاق، اثمانه ونقاط الضعف فيه. وعليه يبدو انه اكثر مما هو اندلاع لموجة ارهابية، بقيادة محرري صفقة نتنياهو، فان الخطر الاساس يكمن في تركيز منظمات الارهاب الفلسطينية وربما اخرى، على محاولات اختطاف اسرائيليين، جنود ومدنيين. ما اعتبر في اسرائيل كتصريحات حماسية على لسان قادة حماس بل وحتى على لسان رئيس السلطة الفلسطينية ابو مازن بان التالين في الدور للتحرر من السجن الاسرائيلي من خلال الاختطاف سيكون حسن سلامة، عباس السيد، عبدالله برغوثي، ابراهيم حامد ومروان البرغوثي قد تتبين كتعليمات دائمة للعمل سيتعين على اسرائيل ان تتصدر لنتائجها بكل قوتها.

يبدو أن توقعات الكثيرين في اسرائيل بان تحديد موقف حكومي او حتى تشريع في الكنيست يقرر خطوطا حمراء لا يمكن لحكومات اسرائيل أن تجتازها وتدفع ثمنا غير متوازن مقابل تحرير اسرائيليين مختطفين، كما من المتوقع ان توصي لجنة شمغار، سيخيب الامال. الدرس الواضح الوحيد حتى الان من سلوك الحكومة الصقرية برئاسة نتنياهو ولا سيما بسبب مواقفها المبدئية بهذا الشأن هو انه في ظروف الابتزاز وفي غياب الخيارات البديلة غير المفاوضات، فان الخطوط الحمراء غير منيعة على مدى الزمن في المجتمع الاسرائيلي الا اذا ما غير هذا طبيعته وقيمه.

مهما يكن من أمر فان هذه المسألة لا بد ستقف في بؤرة بحث جماهيري لاذع في الايام القادمة. وبالتوازي، ستحتاج اسرائيل الى كل الابداعات، الجسارة والتصميم لديها كي تجد جوابا مناسبا للتحدي الذي ستقف امامه مرة اخرى، بل ويحتمل في المستقبل القريب.