خبر الهواجس وفلسطين.. والدخول إلى بطن الغول .. راكان المجالي

الساعة 12:45 م|26 أكتوبر 2011

الهواجس وفلسطين.. والدخول إلى بطن الغول .. راكان المجالي

لم تعترف الدول العربية، المستقلّة في حينه، بـ"إسرائيل" عند إنشائها، كدولة رسمياً، غير أنّها مارست الاعتراف بفكرتها " كدولة يهودية" بشكلٍ غير مباشر، منذ الإعلان عن قيامها رسمياً (محلياً في مايو 1948، وأممياً في مايو 1949).

 

فالاجتماع الأممي، الذي فرضته القوى المنتصرة في الحرب الكونية الثانية، بصيغة "هيئة الأمم المتحدة " صار أمراً ملزماً على نحوِ ما، لكلّ "دولة" تريد الانتماء والمشاركة في مجتمعِ أممي، بموازينه الجديدة، كوريث لعصبة الأمم، التي فرضتها الدول المنتصرة عقب الحرب الكونية الأولى. وعلى رأس ذلك الاجتماع الأممي، تربّع مجلس الأمن، بتركيبته المختلّة أخلاقياً وقيمياً، وموازين عدله المحكومة إلى معايير مصالح القوة، إضافة إلى الجمعية العمومية، التي تلعب فيها مصالح الدول، ونفوذ القوى المهيمنة في مجلس الأمن، أدواراً لا حدود لها.

 

فقرارات مجلس الأمن وجمعيته العمومية، التي اعترفت بالكيان العبري الغاصب لتوّه جزءاً من أرض فلسطين، وكذلك القرارات التي تلت عدواناتها المتوالية، على أراضي فلسطين التاريخية وما جاورها من أراضٍ عربية، أصبحت أمراً ملزماً وقانونية، لكلّ الدول المشاركة في الأمم المتحدة، بما فيها الدول العربية، وبصرف النظر عن مواقفها وقناعاتها الفردية أو الذاتية.

 

هذا الموقف والموقع للعرب، مِن الهيئة الدولية وفيها، قاد إلى "شَرَكٍ.". تاريخي، قوامه نفي الجذور المؤسِّسَة للدولة العبرية، وعلاقتها، على مستوى المصالح الإستراتيجية، مع الغرب الأوروبي ومع الغرب الأمريكي الأبعد نسبياً آنذاك. بمعنى أنّه فرض حالة من الرياء السياسي، عبر إجبارية التعامل، السياسي والدبلوماسي، بين العرب وبين الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية وبين دولة الكيان الصهيوني، كأطراف منفصلة في الوجود والمصالح والمصير. وهو الأمر نفسه، الذي مكّن الأوروبيين والأمريكيين مِن أن يكونوا حكماً وخصماً (عبر كونهم الداعم الأساسي للدولة العبرية) في الوقت عينه.

 

فبكلّ بشاعة الفكرة المنشئة لدولة اليهود في فلسطين، التي هي في جوهرها استيطان أوروبي عرقي، لأفراد وجماعات، يدينون باليهودية، في بقعة من الشرق، هي قلب الأرض المقدسة، صارَ الغرق في تفاصيل صناعة تلك الدولة يُعمي ولا يُري فشل الفكرة أو نجاحها. ولعلّ ما يجري اليوم في الدولة العبرية، من الدفع باتجاه يهودية الدولة، يشكل استكمالاً لما تساقط من عناصر الفكرة الأساسية، في حينه، والتي هي في جوهرها استمرار الوجود الاستعماري الغربي في الشرق إلى الأبد.

 

غير أن أكبر تجلٍّ، لفكرة استمرار الاستعمار بآليات داخلية، تمثّل في التقسيم الكبير، الذي رعته وإقامته بريطانيا، بين الهند وباكستان. حيث كان الهدف المعلن آنذاك هو الوصول إلى الحرية السياسية والعقائدية للجميع، وذلك من خلال تحرر الهند من السيطرة الاستعمارية البريطانية نهائياً، وقيام باكستان كدولة للمسلمين.

 

أما ما حدث على أرض الواقع، فهو أن التقسيم الكبير أحدث شروخا عميقة، لا تزال مستمرة إلى اليوم، بين السكان المعنيين على الجانبين، الهندي والباكستاني، بما فيها الحروب الهندية الباكستانية، خلال العقود الماضية، وانفصال بنجلاديش عن باكستان. ما يعني فشل وخطأ الفكرة القائلة: إن عدم قدرة الطوائف المختلفة على التعايش، ضمن نفس المجتمع، يمكنها أن تحقق ذلك التعايش المأمول، من خلال إقامة دولتين متجاورتين.

 

بين جغرافيا الفكرة البريطانية، وبؤرتيها الأساسيتين، في فلسطين وباكستان، يجري اليوم إعادة إنتاجها وترميمها، واستدراك ما فشل من عناصرها، كما يعتقدون. وهي جغرافيا اختار لها ورثة الغزاة الجدد اسم الشرق الأوسط الكبير. وفي تلك الجغرافيا الممتدّة، لم نستطع إنتاج أفكار ورؤى قادرة على تجاوز فكرة التقسيم والانفصال الاستعمارية، في فترة ما بعد الاستعمار المباشر. وكل ما حدث هو مزيد من الغرق، في تفاصيل مستنقع التفتيت اللامتناهي، وفي طينه المعيق للحركة الإنسانية المنتجة!؟

 

في السياسة والفكر والإستراتيجية، لا تزال "إسرائيل.". تعمل "كوظيفة أمريكية.".، ولم تنجح بعد كلّ محاولات الغرب الاستعماري، المسؤول عن المسألة اليهودية والراعي للفكرة الصهيونية، ولا إستراتيجية التفاوض والسلام، ولا التعاون مع أمريكا في حروبها في منطقتنا، أو في مواجهة الاتحاد السوفيتي المنهار، كلّها لم تنجح في إيجاد فجوة مهمة بين الولايات المتحدة وبين "إسرائيل.".. ولا في إقناع أحدٍ من العرب في أنّ الولايات المتحدة تنظر إلى الصراع وحلوله من زاوية حماية حقوق الشعوب وصيانتها.

 

ورغم كلّ ذلك، فإنّ الفلسطينيين الرسميين اليوم يجرّون الشعب الفلسطيني، ومن ورائه العرب، نحو رهانٍ جديد، قوامه تفصيل الهندام، لجسدٍ مجهول الطول والعرض والاتساع. ألا يحقّ للمتشكّكين، والحالة هذه، أن يحترموا هواجسهم المزمنة، قبل الدخول المغامِر إلى بطن الغول الغربي..؟!

 

صحيفة الشرق القطرية